فرع:

يقع الكلام في أخذ الظن أو القطع في نفس الحكم فهل حكمه كذلك فيما أخذ أحدهما في موضوع الحكم لما يضاد حكم متعلقه أو بما مثله كما مر؟

ربما يقال بعدم إمكان ذلك فإنه لا يصح أن يؤخذ القطع أو الظن في حكم يماثله أو يضاده، كما لو قال: (إذا قطعت أو ظننت بحرمة شيء فإنه يحرم عليك ذلك الشيء) فلا تعدد في الحكم كما كان التعدد في أخذ القطع أو الظن في موضوع الحكم ، وإنما لا يمكن ذلك لأنه يلزمه الدور، لأن القطع أو الظن بالحكم يتوقف على وجود الحكم واقعاً أولاً، لأنه لولاه لما تعلق القطع به ولو توقف وجود الحكم على القطع فحينئذٍ يلزمه الدور، فإن الحكم يتوقف على القطع والقطع يتوقف على الحكم.

فقيل في جواب ودفع محذور الدور إنه إنما يلزم الدور لو اخذ القطع أو الظن جزء الموضوع أي على نحو الجزئية بأن كان أحد جزئي الموضوع مثلاً هو القطع وجزءه الآخر هو نفس الحكم الواقعي، ولا يلزم الدور فيما لو كان القطع مأخوذاً تمام الموضوع بيان ذلك: لو كان القطع أحد جزئي الموضوع والجزء الآخر هو نفس الواقع فلازم أن القطع ليس هو الموضوع بل هو ونفس الحكم الشرعي الواقعي يكونا موضوعاً، فإنه لا يتحقق الكل إلا بتحقق أجزاءه، ولازم ذلك أن تحقق الموضوع مسبوق بتحقيق الحكم وهذا من الأمر البديهي، وحينئذٍ لو ترتب الحكم على القطع به لزمه الدور الصريح ولازمه توقف الشيء على نفسه وتوقف المتعلق على المتعلق لأنه لولاه فلا يمكن تعلق القطع به.

وأما إذا كان القطع تمام الموضوع بنحو رتب الحكم على عنوان القطع أي في المثال مقطوع الخمرية حرام سواء طابق الواقع أم لم يطابق الواقع، وهذا ما لا محذور فيه لإمكان تعلق القطع بالحكم مع عدم وجوده واقعاً كما في صورة الجهل المركب، فلا نحتاج في القطع بالحكم إلى وجود ومصداقية الحكم واقعاً وفي الخارج، نعم غاية ما في المقام لابد من وجود ولو بوجود ذهني أو خيالي، فإنه ربما يتخيل ولو بجهل مركب أن هناك في الواقع حكماً شرعياً فيقطع به ، مع أنه ليس في الواقع كذلك، فالحكم يتوقف على وجود القطع ولكن القطع لا يتوقف على وجود الحكم فلا دور لعدم توقف الشيء على نفسه.

فأخذ القطع أو الظن جزءاً لموضوع شخص حكمه يمتنع للزومه الدور الباطل وهو التوقف العِلي، وأما أخذه تمام الموضوع فإنه لا يلزمه الدور.

نعم يبقى في المقام أنه لا يؤخذ القطع في شخص الموضوع لكونه يلزمه خلاف الفرض، لأن المفروض أن القطع بشخص الحكم مأخوذ في شخص ذلك الحكم، فإذا لم يكن في الواقع حكم فلا يكاد يفرض ذلك، ولا يلزم خلاف الفرض لو أخذ القطع جزءاً، وهذا هو الفرق بين ما لو أخذ القطع كلاً فلا يلزمه الدور وإنما يلزمه لو أخذ جزءاً ولكن يلزمه خلاف الفرض وفيما لو أخذ جزءاً لكان بعكس ذلك فإنه لا يلزم خلاف الفرض وإن لزمه الدور فتدبر.

ثم في المقام لدفع محذورية الدور كلام للعلمين المحقق النائيني والمحقق العراقي قابلان للنقاش كما سيتضح.