عطفاً على ما سبق في بيان ما ذهب إليه بعض الأعلام المعاصرين من القول بالبراءة في الأقل والأكثر الإرتباطيين كما في الإستقلاليين، ثم تعرّض إلى ما يرد عليه من الإشكالات وهي في الحقيقة وجوه من قال بالإشتغال في الإرتباطيين كما عند المشهور، فالإشكال الخامس ما أشار إليه المحقق الخراساني قدس سره في كفايته، بأنّ العلم الإجمالي محقق أولاً، وأنّه لا ينحل ثانياً، ذلك لأمرين، ومرجع الأمر الأول إلى لزوم الخلق لو قيل بعدم العلم الإجمالي وإنحلاله، ومرجع الثاني إلى أنّ وجود الإنحلال يستلزم عدمه، وما كان كذلك فهو محال.

بيان ذلك: أمّا الأمر الأوّل: فلابدّ في الفرض أن يكون تنجّز التّكليف متعلّقب بالأكثر، حتى نحرز وجوب الأقل فعلاً على كل تقدير، أما بنفسه ولنفسه، أو لغيره، وهذا معنى على كلّ تقدير، فلو فرضنا عدم تنجز التّكليف وتعلّقه بالأكثر، فإنّه لا يعقل العلم بفعليّة التكليف بالنسبة إلى الأقل على كلّ تقدير، لأنّ أحد التقديرين كونه مقدمة للأكثر، فلو قيل بفعلية التكليف بالأقل فقط وعدم تنجزه بالأكثر، فإنّه يكون خلاف الفرض، إذ المفروض أن يكون منجزاً على لكل تقدير ومن التقدير أن يكون مقدمة للأكثر.

وأمّا الأمر الثاني: وهو إنحلال العلم الإجمالي مستلزم لعدمه، لأن لازم إنحلال العلم الإجمالي إلى القدر المتيقّن وهو الأقل وإلى الزائد المشكوك فيه، عدم تنجز التكليف بالأقل على كل تقدير حتى على تقدير تعلّقه بالأكثر، فإنّه على تقدير الأكثر يكون وجوب الأقل مقدّميّاً غيرياً، وعلى تقدير تعلّقه بالأقل فقط يكون الأقل وجوبه نفسياً، وعدم تنّجز التكليف على أي تقدير سواء الأقل أو الأكثر يستلزم عدم وجوب الأقل على أي تقدير، وهو مستلزم لعدم الإنحلال، ويلزم من ذلك من وجود الإنحلال عدم الإنحلال وهو محال إذ كيف يستلزم من وجود شيء عدمه، فالعلم الإجمالي يكون منجزاً بلا إشكال، ولازمه وجوب الإحتياط بحكم العقل.

فأجاب عن ذلك: أنّ ما قيل إنما يبتنى على أنّ الأجزاء واجبة بالوجوب الذي يترشح من الأمر بالكل، فيكون وجوبها وجوباً غيرّياً،  ومقدّمياً تابع لوجوب ديها كأي مقدمة وذيها، ومن الواضح أنه لا يعقل تنجز الأقل مع عدم تنجزه بالنسبة إلى ذي المقدمة.

وجوابه: أنّ الوجوب المتعلق بالأقل غير الوجوب المتعلق بالمركب سواء إنضم إلى الأقل شيء أو لم ينضم، وإذا إنضم إليه شيء فإنّه لا يتغيّر حال الأقل في تعلق الأمر به، وكما مرّ أنّ الأجزاء واجبة بعين وجوب الكل، وعليه فلا يتوقف وجوب الأقل على كل تقدير على تنّجز الأكثر، فإنّ الأمر بالمركب معلوم وهو أمر بالأقل المعلوم الأجزاء، وينّحل المركب إليها سواء كان الجزء المشكوك فيه واجباً أو غير واجب، فتنجز الأمر بالأقل غير تنجز الأمر بالمركب، ولا يتوقف وجوبه على وجوب شيء آخر.

فلا إشكال في وجوب الأقل على كل تقدير سواء إنحل المركب إلى تلك الأجزاء فقط أو إليها وإلى أمر آخر، فتأمل فما ذكره قدس سره من المبنى، وتعريف إتيان الأقل على كل تقدير فنحو آخر غير ما عليه المشهور، كما أنّه يبتنى على أنّ الأقل والأكثر من المجمل والمفصل ولكن عند المشهور من المحصِّل والمحصَّل.

الإشكال السادس: وهو ما ذكره شيخنا الأعظم قدس سره بقوله في مقام الإشكال: (إن قلت)  فأجاب عنه (قلت) وخلاصة الإشكال: أن المشهور بين العدلية من الإمامية والمعتزلة أنّ الواجبات الشرعية إنّما وجبت لكونها ألطافاً في الواجبات العقلية، وحينئذٍ أما اللطف يكون هو المأمور به حقيقة أو يكون لغرض في الأمر، فيجب تحصيل العلم بحصول اللطف ولا يكاد يحصل هذا العلم إلّا بإتيان كل ما شكّ في مدخليته.

توضيح ذلك يأتينا إن شاء الله تعالى.