أصول (47)

29 ربيع الثاني

1440 هـ

عطفاً على ما سبق: في تقديم الإستصحاب على القرعة من باب النسبة بين العموم والخصوص المطلق، فإنّ القرعة بإعتبار ما ورد في أحاديثها العامّة بأنّها لكلّ أمر مجهول ومشكل ومشتبه يعم ما له الحالة السابقة وعدمه، إلّا أنه خرج بالدليل فيها كان له حالة سابقة فإنّه يجي فيه الإستصحاب فخصص عموم أدلة القرعة بأدلّة الإستصحاب.

وإن قيل في مقام الإشكال: أن النسبة تنقلب إلى العموم والخصوص من وجه، فيكون الإفتراق بإعتبار عموم الأدلة بين الطرفين في موردين وفي مورد يكون الإجتماع بين الدليلين، وهذا ممّا يوجب التعارض والرجوع إلى المرجحات وإلّا التساقط والرجوع إلى عموم فوق في وأصل وارد في لمقام كما هو ثابت في محلّه.

بيان ذلك في إنقلاب النسبة: فإنّ النسبة بين دليلي القرعة والإستصحاب تنقلب من الأخص المطلق (عموم وخصوص مطلق إلى الأخص من وجه (عموم وخصوص من وجه) فلابدّ عندئذٍ من اجزء عملية التعارض بينهما، لا تخصيص دليل القرعة بدليل الإستصحاب.

أمّا إنقلاب النسبة: فإنّه من جهة ان الإجماع قام على عدم اعتبار القرعة في الأحكام وهذا ما أوجبه في القرعة خصوصية فصارت أخص من الاستصحاب الذي يجري في الشبهات الحكمية والموضوعية، فالقرعة باعتبار هذا الإجماع مختصة بالشبهات الموضوعية دون الحكمية، كما ان القرعة أعمّ من الإستصحاب من جهة شمولها لما فيها الحالة السابقة ومن دونها.

ثم الإستصحاب أعم من القرعة لأنّ مورده كلتا الشبهتين الحكميّة والموضوعيّة، كما هو أخص منها، لإختصاصه بصورة العلم بالحالة السابقة، وفي مورد إجتماعهما أي في الشبهة الموضوعية المسبوقة بالحالة السابقة من اليقين فالقرعة تقول بأن يقرع بينهما إذا كانت الشبهة في موردين والإستصحاب يقول بعدم القرعة لوجود الحالة السابقة المفيدة لليقين عند الشك في المورد، فيتعارضان في مورد الإجتماع.

فأجاب المصنف قدس سره: (واختصاصها بغير الأحكام إجماعاً لا يوجب الخصوصية في دليلها بعد عموم لفظها لها) أي اختصاص القرعة بالشبهات الموضوعية وبغير الأحكام أي الشبهات الحكمية وذلك من جهة الإجماع على أنها مختصة بالشبهات الموضوعة لا يوجب ذلك الخصوصية في دليل القرعة بعد وجود ألفاظ تدل على عمومها.

بيان ذلك: ان الملاك والميزان في لحاظ النسبة بين الدليلين من حيث العموم والخصوص هو ظاهر لفظ العام من دون النظر إلى شيء آخر معه، بنحو تكون نسبة الأخصية قد حفظت وإن كثرت المخصصات فلا تنقلب إلى نية أخرى لتساوي المخصصات في الأخصيّة أولاً، وعدم تقدم بعضها رتبة على البعض الآخر ثانياً، فإنّه لو كان ذلك لتعين تخصيص العام به، فتنقلب نسبة هذا البعض الخاص مع سائر المخصصات على كثرتها من الأخصية إلى الأعم من وجه.

مثال ذلك: إذا قال القائل: (أكرم الأمراء) ثم قال: (لا تكرم مبدعيهم وأهن أعدائهم لأهل البيت عليهم السلام واقتل ناصبيهم) إلى غير ذلك من المخصصات، فإن نسبة كل واحد من هذه الخصوصات إلى (الأمراء) نسبة الخاص إلى العام لا نسبة العموم والخصوص من وجه.

وفي المقام من الواضح ان دليل القرعة المشتمل على عنوان (المشكل والمشتبه والمجهول) عام يشمل الشبهات الموضوعية والحكمية مطلقاً سواء المسبوقة باليقين أو غيرها، وحينئذٍ تخصيص دليل القرعة بالإجماع من جهة عدم جريانها في الشبهات الحكمية وفي الأحكام، لا يوجب إنقلاب النسبة بينها وبين الإستصحاب إلى الأعم من وجه حتى يقال بتعارضهما في مورد الإجتماع وهو المشتبه الموضوعي المقرون باليقين السابق.