(المسألة السبعون في العروة )

حكم إجراء العامي للاُصول العمليّة

قال المحقّق اليزدي  1 :

مسألة 70 ـ لا يجوز للمقلّد إجراء أصالة البراءة أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، وأمّا في الشبهات الموضوعية فيجوز بعد أن قلّد مجتهده في حجّيتها، مثلا إذا شکّ في أنّ عرق الجنب من الحرام نجس أم لا؟ ليس له إجراء أصل الطهارة ، لكن في هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا؟ يجوز له إجراؤها بعد أن قلّد المجتهد في جواز الإجراء.

وفي الغاية القصوى[1]  :

في قوله : (وأمّا في الشبهات الموضوعية )، قال : لعدم احتياج
إجرائها إلى الفحص والبحث عن الدليل ومعارضه وجهة صدوره وغيرها من الشؤون الصعبة المستصعبة ، نعم في بعض الشبهات الموضوعية كالشکّ في وجود النصاب أو الاستطاعة لا بدّ من الفحص فرارآ عن الوقوع في المخالفة الكثيرة ، ولكنّه ممّـا لا يعجز عنه المقلّد لكون الشبهة في تلک الموارد ناشئة من الاُمور الخارجية التي يتمكّن من تبيين حالها، كمحاسبة أمواله في المثالين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أقول : لقد تقدّم في مسألة (67) بيان ما هو محلّ التقليد ومورده ، وهذه المسألة ممّا يتفرّع عليها وأنّها داخلة في مسائل اُصول الفقه .

ثمّ الشبهات على نحوين : حكمية وموضوعية ، والاُولى تعني الشبهة في الحكم الشرعي ، أي الشکّ في الوجوب والحرمة وغيرهما من التكاليف الشرعية ، والثاني متعلّق الحكم وموضوعه ، فتارةً يشکّ في حرمة شرب التتن واُخرى في نجاسة هذا الإناء وطهارته ، والشکّ مجرى الاُصول العملية الحكمية والموضوعية كأصالة البراءة وأصالة الطهارة ، والأصل دليل من لا دليل له في مقام الشکّ ، إلّا أنّه يجب في الشبهات الحكمية الفحص أوّلا في مظانّ وجود الدليل ، وعند عدم الدليل الاجتهادي يجري الأصل العملي ، فيكفي حينئذٍ الدليل الفقهائي في مقام العمل ، وكذلک مشروط بعدم وجود أصل حاكم هناک .

وبعبارةٍ اُخرى : إجراء الاُصول العملية في الشبهات الحكمية مشروط
باُمور ثلاثة  :

1 ـ الفحص عن الأدلّة .

2 ـ اليأس عن الدليل الاجتهادي .

3 ـ فقدان الأصل الحاكم في مورده .

ولا يخفى أنّ المقلّد غير قادر على هذه الاُمور الثلاثة ، والمشروط ينتفي بانتفاء شرطه .

نعم لو كان العامي من أهل العلم وله الخبرة في الجملة ، وأمكنه تشخيص موارد الاُصول ، وتمكّن من الفحص عن المعارض ، ويأس عن ذلک ، فيصحّ له إجراء الاُصول العملية في الشبهات الحكمية .

والشکّ في الشبهات الحكمية إنّما يكون من خلال فقدان النصّ أو إجماله أو تعارضه ، والمقلّد عاجز عن فحص ذلک .

وأمّا الشبهات الموضوعية فحيث لا يجب فيها الفحص للإجماع ، كما لا يجري فيها المحاذير الاُخرى ، فيجوز للمقلّد العامي حينئذٍ أن يجري فيها الاُصول العملية من دون أن يرجع إلى مجتهده ، إلّا في تقليده في أصل جواز إجراء الأصل وحجّيته وبيان مورده .

وخلاصة الكلام : لا يجوز للعامي إجراء الاُصول العملية في الشبهات الحكمية كالشکّ في عرق الجنب من حرام أنّه طاهر أو غير طاهر؟ فلا يجري أصالة الطهارة ، إذ مشروط ذلک بالفحص ، وذلک لأدلّة وجوب التعلّم ، والعامي لا يتمكّن
من الفحص في مدارک الأحكام ، فلا اعتبار للاُصول في حقّه ، فهي تختصّ بالمجتهد العارف والناظر في الحلال والحرام ، والمقصود من العامي هو المقلّد العامي المتعارف لا من كان من أهل العلم وله فضل ، فإنّه لو أفتى مجتهده بالاحتياط ، وعلم أنّه لم يكن للدليل ، فإنّه يجوز له إجراء الاُصول العملية لإطلاق خطاب أدلّتها، نعم قيّد بالفحص ، وهذا العامي الفاضل يرجع في ذلک إلى فحص المجتهد ويجد عدم الدليل على احتياطه فيجوز له الرجوع حينئذٍ إلى الاُصول .