أفضل سيرة تربوية للاُسرة هي سيرة أمير المؤمنين مع فاطمة الزهراء 8، فإنّها سيرة زوجين معصومين ، فأقوالهما وأفعالهما وتقريرهما كلّها من السنّة الشريفة ، ولا توجد اُسرة تحمل العصمة الذاتية الكلّية الواجبة بكلّ أبعادها وجوانبها إلّا الاُسرة العلوية الفاطمية ، أي الاُسرة المتكوّنة من زوجين معصومين (عليّ وفاطمة  8)، فحياتهما الزوجية والاُسروية خير مثال وخير قدوة واُسوة يهتدى به ، وفي حياتهما لقطات تشعّ نورآ وجمالا وبهاءً وحيويةً ونشاطآ، تعلّمنا كيف نعيش وكيف نفكّر كزوجين ناجحين في الحياة الزوجيّة وفي عالم الاُسرة والتربية والتعليم .

ومن تلک اللقطات  :

لمّـا أراد الأوّل والثاني أن يعودا فاطمة الزهراء  3 في مرضها، فاستأذنّا عليآ  3، فدخل عليها وقال لها: أيّتها الحرّة فلان وفلان بالباب يريدان أن يسلّما عليک فما تريدين ؟ قالت : البيت بيتک والحرّة زوجتک ، افعل ما تشاء.

هذه لقطة رائعة في الحياة الزوجية ، فإنّها توحي للزوجين كيف يكون التفاهم بينهما وكيف يتعاملان ، في من يريد أن يدخل البيت معتذرآ أو ضيفآ أو لقضايا سياسية أو غير ذلک ، على الزوج أن يخبر زوجته ويعرف رأيها في الموضوع ، فإنّ لها حقّ في البيت وما يجري فيه .

والزوجة بالمقابل تدرک الموقف ، ولا ترى لنفسها وجودآ في رحاب زوجها، بل البيت بيتک ،  والحرّة وإن كانت حرّة ، إلّا أنّها زوجتک فهي في قيد
الزوجيّة والإطاعة للزوج ، فافعل ما تشاء[1] .

 

ومن اللقطات البديعة ما جاء في وصيّة الزهراء  3، فإنّها بيّنت الأركان الأساسية في الحياة الزوجية ، وعلّمت البشرية ونساء العالم كيف تكون الزوجة في بيت زوجها، وما هي وظائفها الدينية والإنسانية ، وإنّها لو تحلّت بهذه الصفات لعاشت سعيدة وماتت سعيدة وساد الحبّ والحنان حياتها، فيعزّ فراقها على زوجها.

لمّـا مرضت فاطمة مرضآ شديدآ ومكثت أربعين ليلة في مرضها، فلمّـا نعيت إليها نفسها قالت لعليّ  7: يا بن عمّ ، إنّه قد نعيت إليّ نفسي وإنّني لا أرى ما بي إلّا أنّني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة ، وأنا اُوصيک بأشياء في قلبي .

قال لها عليّ  7: أوصي بما أحببتِ يا بنت رسول الله  9، فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ، ثمّ قالت : يا بن عمّ ، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتک منذ عاشرتني .

فقال  7: معاذ الله، أنت أعلم بالله وأبرّ وأكرم وأشدّ خوفآ من الله من أن اُوبّخک بمخالفة ، وقد عزّ عليّ مفارقتکِ وفقدکِ إلّا أنّه أمرٌ لا بدّ منه ، والله جدّدتِ عليّ مصيبة رسول الله  9 وقد عظمت وفاتک وفقدک ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها وآلمها وأمضاها وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء لها، ورزيّة لا خلقت لها، ثمّ بكيا جميعآ ساعة[2] .

 

لقد لخّصت فاطمة الزهراء في هذا الحوار الملكوتي حياتها الزوجية في
هذه الأركان الثلاثة  :

1 ـ عدم الكذب .

2 ـ عدم الخيانة .

3 ـ عدم المخالفة .

فذكرت الأمير  7 بإخلاصها وطهارتها وإطاعتها لزوجها، وشكر الإمام  7 وفاءها وأثنى على طهارتها وقدسيّتها ومعاناتها وتقواها وأبدى لها حبّه وودّه وتعلّقه بها.

لقد كانت كلماته  7 تفيض بالحبّ وتجيش بالاحترام والتقدير لزوجته التي لا تماثلها زوجة بل امرأة في العالمين ، كلماتُ محبٍّ متعلّقٍ يعرف تمامآ قدرَ محبوبه .

وهاجت بهما الذكريات وجاشت الخواطر وتذكّرا حياتهما السعيدة التي غمرتها الغبطة والدفء والحنان والوقوف جنبآ إلى جنب في مواجهة الأحداث والمشاكل وتذليل الصعاب ، فانهمرت لذلک عيناهما بالدموع لعلّها تطفئ نار القلب التي تقضي على الجسد.

وبعد أن بكيا ساعة أخذ عليّ  7 رأسها وضمّها إلى صدره ، ثمّ قال  : أوصيني بما شئتِ ، فإنّکِ تجديني فيها أمضي كما أمرتيني به ، وأختار أمرک على أمري .

أجل هكذا الحياة الزوجية السعيدة أن يختار الزوج تقديم هوى زوجته على هواه ما دامت الزوجة متّقية خائفة من الله وتعلم بالله ومن أهل البرّ والكرامة ، كما أنّ الزوجة تقدّم هوى زوجها على هواها، ما دام مطيعآ لله كريمآ مخلصآ برّآ وفيّآ متّقيآ، وإلى مثل هذه الحياة الزوجية ندعو الناس قاطبة ، فإنّهم ينالون سعادة الدارين ، خير الدنيا والآخرة .