(10) ··· الشاهد والمشهود
--------------------------------------------------------------------------------
لماذا إثبات وجود الإمام
المهدي عليهالسلام :
إنّ إثباتنا لوجود إمام
الزمان المهدي من آل
محمّد في عصرنا هذا
كإثباتنا لوجود اللّه
لمن أنكر وجوده ، فكما
أنّ اللّه موجود وحيّ
وبيده كلّ
شيء ، فكذلك حجّته على
الخلق لا بدّ من ضرورة
وجوده وإمامته التكوينيّة
والتشريعيّة ، وأ نّه
حافظ سرّ اللّه ، وقطب
ومحور وقلب عالم الإمكان
، لولاه
لساخ العالم بأهله ، فإنّ
أوّل من يكون في الخلق هو
الحجّة وآخر من يكون
هو الحجّة ، « بكم فتح
اللّه وبكم يختم » ، «
بكم ينزل الغيث وبكم يمسك
السماء
أن تقع على الأرض » .
قال الإمام الصادق
عليهالسلام :
واللّه ما ترك اللّه
عزّ وجلّ الأرض قط منذ
قبض آدم إلاّ وفيها إمام
يُهتدى به
إلى اللّه عزّ وجلّ ،
وهو حجّة اللّه على
العباد(1) .
وقال عليهالسلام :
الحجّة قبل الخلق ومع
الخلق وبعد الخلق(2) .
ولا بدّ من مركزيّة في
كلّ شيء فإنّ الذرّة
مركزها البروتون وتدور
حولها
الألكترونات ، وهذا قانون
حاكم على كلّ الكون ،
ومركز البشريّة والكون هو
الإنسان الكامل جامع
الجمع خليفة اللّه في
خلقه ، ولولا المركزيّة
لاختلّ النظام
الحركي الدائري في كلّ
شيء ، فمركزيّة العالم
الإمام الكامل .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) كمال الدين 1 : 230 .
(2) المصدر نفسه .
··· (11)
--------------------------------------------------------------------------------
قال الإمام الصادق
عليهالسلام :
لو كان الناس رجلين لكان
أحدهما الإمام .
وقال عليهالسلام :
إنّ آخر من يموت الإمام
لئلاّ يحتجّ أحد على
اللّه عزّ وجلّ أ نّه
تركه
بغير حجّة للّه عليه(1)
.
قال الإمام الرضا
عليهالسلام :
لو خلت الأرض طرفة عين من
حجّة لساخت بأهلها .
فإنّه كمفتاح الكهرباء
بين المولّدات والبلد ،
لو اُطفئ لاُطفئ البلد .
فالإمام
واسطة فيض بين الخالق
والخلق ، بيمنه رزق الورى
وبوجوده تثبت الأرض
والسماء .
قال الإمام السجّاد
عليهالسلام :
نحن أئمّة المسلمين وحجج
اللّه على العالمين ،
وسادة المؤمنين وقادة
الغرّ
المحجّلين وموالي
المؤمنين ، ونحن أمان
لأهل الأرض كما أنّ
النجوم أمان
لأهل السماء ، ونحن الذين
بنا يمسك اللّه السماء
أن تقع على الأرض إلاّ
بإذنه ،
وبنا يمسك الأرض أن تميد
بأهلها ، وبنا ينزل الغيث
وتنشر الرحمة وتخرج
بركات الأرض ، ولولا ما
في الأرض منّا لساخت
بأهلها ، ثمّ قال : ولم
تخل
الأرض منذ خلق اللّه آدم
من حجّة للّه فيها ظاهر
مشهور أو غائب مستور ،
ولا تخلو إلى أن تقوم
الساعة من حجّة اللّه
فيها ، ولولا ذلك لم يعبد
اللّه(2) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الكافي 1 : 180 .
(2) كمال الدين 1 : 207 .
(12) ··· الشاهد والمشهود
--------------------------------------------------------------------------------
ثمّ سبحانه وتعالى وإن
كان على كلّ شيء قدير ،
وأ نّه خلق آدم من دون
أب واُمّ ، وعيسى بن مريم
من دون أب ، وجعل النار
على إبراهيم بردا وسلاما
، إلاّ
أ نّه اقتضت حكمته أن
تجري الاُمور بمجراها
الطبيعي ، إلاّ في مقام
المعجزة
لإثبات النبوّة ، فأبى
اللّه أن يجري الاُمور
إلاّ بأسبابها .
عن مولانا الصادق
عليهالسلام :
أبى اللّه أن يجري
الأشياء إلاّ بأسباب ،
فجعل لكلّ شيء سببا ،
وجعل لكلّ
سبب شرحا ، وجعل لكلّ شرح
علما ، وجعل لكلّ علم
بابا ناطقا عرفه من عرفه
وجهله من جهله ، ذاك رسول
اللّه ونحن(1) .
وقد أمر اللّه تعالى في
كتابه الكريم :
« وَأتُوا البُيُوتَ مِنْ
أبْوَابِهَا »(2) .
وقال الإمام الصادق
عليهالسلام :
من أتى البيوت من أبوابها
اهتدى ، ومن أخذ في غيرها
سلك طريق
الردى(3) .
والثابت عقلاً ونقلاً أنّ
الأنبياء وأوصياءهم باب
اللّه الذي منه يؤتى ،
فإمام الزمان باب اللّه
في خلقه ، فمن أتاه نجى
وسعد ، ومن تخلّف عنه هوى
وهلك .
ثمّ الإمام عليهالسلام
من أتمّ مصاديق الوسيلة
إلى اللّه عزّ وجلّ ،
وقال سبحانه
--------------------------------------------------------------------------------
(1) اُصول الكافي 1 : 183
.
(2) سورة البقرة : 186 .
(3) الكافي 2 : 47 .
··· (13)
--------------------------------------------------------------------------------
وتعالى :
« وَابْتَغُوا إلَيْهِ
الوَسِيلَةَ »(1) .
فهو واسطة الفيض بين
الكون وبين ربّه ، في
الهداية التكوينيّة
والتشريعيّة ،
فنفس الإمام ووليّ اللّه
الأعظم وعاء لمشيئة
اللّه وإرادته ، ولرضاه
وغضبه ...
قال صاحب الزمان
عليهالسلام :
قلوبنا وعاء لمشيّة
اللّه(2) .
فبيمنه رُزق الورى ،
وبوجوده ثبت الأرض
والسماء ، وإنّه شمس
الخلائق
وسرّ الوجود الذي يتجلّى
فيه الحقيقة المحمّديّة
والعلويّة ، وتتبلور به
الولاية
الإلهيّة والخلافة
الكونيّة ، وإنّه عين
اللّه في خلقه .
« اللهمّ عرّفني نفسك
فإنّك إن لم تعرّفنى نفسك
لم أعرف رسولك ، اللهمّ
عرّفني رسولك ، فإنّك إن
لم تعرّفني رسولك لم أعرف
حجّتك ، اللهمّ عرّفني
حجّتك ، فإنّك إن لم
تعرّفني حجّتك ضللت عن
ديني ، اللهمّ لا تمتني
ميتة
الجاهليّة »(3) .
« خرج الحسين بن عليّ
عليهالسلام على أصحابه
فقال : أ يّها الناس ،
إنّ اللّه
جلّ ذكره ما خلق العباد
إلاّ ليعرفوه ـ كما في
الحديث القدسي : كنت كنزا
مخفيّا
فخلقت الخلق لكي اُعرف ـ
فإذا عرفوه عبدوه ـ
ففلسفة الحياة وسرّ
الخليقة :
العبادة بعد المعرفة كما
في قوله تعالى : « وَمَا
خَلَقْتُ الجِنَّ
وَالإنسَ إلاَّ
--------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة المائدة : الآية
35 .
(2) تفسير نور الثقلين 5
: 486 .
(3) دعاء الغيبة في آخر
مفاتيح الجنان .
(14) ··· الشاهد والمشهود
--------------------------------------------------------------------------------
لِـيَعْبُدُونِ »(1) أي
ليعرفون ثمّ يعبدون ـ
فإذا عبدوه استغنوا
بعبادته عن عبادة
ما سواه . فقال له الرجل
: يا ابن رسول اللّه
بأبي أنت واُمّي فما
معرفة اللّه ؟ قال :
معرفة أهل كلّ زمان
إمامهم الذي يجب عليهم
طاعته »(2) .
ضرورة معرفة الإمام
وولايته :
فمن عرف إمام زمانه بأ
نّه مفروض الطاعة
والولاية ، فوالاه وأحبّه
وأطاعه ، كما أطاع اللّه
ورسوله ، فإنّه كان مؤمنا
حقّا ومات على الإيمان
والهداية
والعلم :
« مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ
فَقَدْ أطَاعَ اللّهَ
»(3) .
وبهذه الآية الكريمة
يستدلّ على حجّيّة السنّة
بالكتاب الكريم ، كما
بحديث
الثقلين المتواتر والثابت
عند الفريقين يستدلّ على
حجّيّة أقوال العترة
الهادية
والأئمّة الأطهار
عليهمالسلام ، ووجوب
إطاعتهم على الإطلاق ،
لعصمتهم وطهارتهم
بآية التطهير وغيرها .
قال رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله :
« فوالذي نفس محمّد بيده
لا ينفع عبدا عمله إلاّ
بمعرفتنا وولايتنا »(4) .
فالإمام واجب الطاعة
وإنّه الوسيلة إلى اللّه
، وواسطة الفيض بين
الخالق
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الذاريات : 56 .
(2) البحار 5 : 312 .
(3) النساء : 80 .
(4) البحار 27 : 193 .
··· (15)
--------------------------------------------------------------------------------
والمخلوق ، وإنّه حجّة
اللّه على الخلائق كلّها
، إذ أ نّه المحور والقلب
وقطب العالم
الإمكاني ، لضرورة ذلك
عقلاً وعلميّا ، لكونه
الإنسان الكامل الذي يخلف
اللّه
ويكون مظهر أسمائه ومرآة
صفاته ، ولولاه لساخت
الأرض بأهلها ، به يمسك
اللّه
السماء أن تقع على الأرض
، وبيمنه رُزق الورى ،
وبموالاته تمّت الكلمة ،
وتقبل
الطاعة المفترضة والعمل
الصالح ، وشرط بقاء
العالم إنّما يكون بحضوره
لا بظهوره ، فهو حاضر في
الخلق وإن كان غائبا عن
الناس ، فإنّه كالشمس
خلف السحاب ، فوجوده لطف
من اللّه كما في النبيّ
صلىاللهعليهوآله ،
وتصرّفه التكويني
والتشريعي لطف آخر ويتمّ
بحضوره لا بظهوره ، وأمّا
غيبته وعدم تصرّفه
القيادي
الاجتماعي فمنّا ، فمتى
ما تهيّئت الاُمّة
واستعدّت لدولته الكريمة
، فإنّه يظهر
بإذن اللّه سبحانه ،
ليملأ الأرض قسطا وعدلاً
.
أجل ، لا بدّ من معرفة
إمام الزمان لتصحّ
التكاليف والوظائف
الشرعيّة ،
وتقبل الطاعات والأعمال
الصالحة ، يفوز الإنسان
بسعادة الدارين ، وتكون
عباداته عن دراية وفهم ،
فإنّه ورد في الحديث
الشريف : « المتعبّد بغير
فقه
كالحمار في الطاحون »(1)
أي يمشي ويتحرّك إلى
الأمام إلاّ أ نّه يرى
نفسه في آخر
الأمر واقفا في مكانه من
دون أن يتقدّم ويتطوّر ،
فكانت حركته حركة حماريّة
،
وليست إنسانيّة إلهيّة .
وقد بُني الإسلام على خمس
كما ورد في الصحيح
الباقري عليهالسلام : «
بني
الإسلام على خمس : على
الصلاة ، والزكاة ،
والصوم ، والحجّ ،
والولاية ، ولم يُنادَ
--------------------------------------------------------------------------------
(1) نهج الفصاحة: 627.
(16) ··· الشاهد والمشهود
--------------------------------------------------------------------------------
بشيء كما نودي بالولاية ،
فأخذ الناس بأربع وتركوا
هذه »(1) .
ثمّ قال زرارة : وأيّ شيء
من ذلك أفضل ؟ فقال
عليهالسلام : الولاية
أفضل لأ نّها
مفتاحهنّ ، والوالي هو
الدليل عليهن .
والإمام السجّاد
عليهالسلام يقول : « ولو
أنّ رجلاً عمّر ما عمّر
نوحٌ في قومه ألف
سنة إلاّ خمسين عاما ،
يصوم النهار ، ويقوم
الليل في ذلك الموضع ـ
بين الركن
والمقام ـ ثمّ لقي اللّه
بغير ولايتنا لم ينفعه
شيئا »(2) .
فيجب عقلاً ونقلاً معرفة
إمام الزمان ، وقبول
ولايته ، وامتثال أوامره
ونواهيه ، وإمام زماننا
هو الحجّة الثاني عشر ابن
الإمام الحسن العسكري
عليهالسلام
وأ نّه حيّ يرزق ، بوجوده
ثبتت الأرض والسماء ، وبه
يتميّز الحقّ من الباطل ،
فمن
آمن به كان من أهل الحقّ
، وكان مأواه الجنّة ،
ومات على الإيمان
والهداية ، ومن
جهله وأنكر وجوده ، كان
من أهل الباطل ولم يقبل
عمله ، وكان مأواه النار
، ومات
على الجاهليّة والضلال
والكفر .