لا
زال الخطر محدقا :
إنّ التاريخ يعيد نفسه ،
وإنّ الخطر الذي كان
محدقا بالمسلمين في صدر
الإسلام لا زال يهدّد
كيان الإسلام وجموع
المسلمين ، فإنّه بعد
رحلة النبيّ الأعظم
محمّد
صلىاللهعليهوآله
انقلب الناس على أعقابهم
، فكان أكثرهم للحقّ
كارهون ، فارتدّوا عملاً
عن ولاية أمير المؤمنين
عليّ عليهالسلام بعد
نصبه من قبل رسول اللّه
صلىاللهعليهوآله بنصّ
من اللّه
سبحانه في غدير خم ،
فأحدثوا ما لم يكن
بالحسبان ، وظهرت البدع ،
وتماهل
الناس في أحكامهم
الشرعيّة حتّى ترى في
المصادر الفقهيّة لم تذكر
رواية في
الفقه عن سيّد الشهداء
الحسين بن عليّ
عليهماالسلام . وهذا يعني
بوضوح ابتعاد الاُمّة عن
مصدر شرعها المقدّس ، فلا
ملجأ ولا مخلص إلاّ
القيام والثورة المقدّسة
والنهضة
العارمة التي تبدّد غيوم
الجهل والظلم ، لتشرق شمس
الحقيقة والعدل والعلم
مرّةً
اُخرى . ومن هذا المنطلق
ثار الإمام الحسين
عليهالسلام ضدّ الحكم
الجائر الاُموي ،
كما أشار إلى فلسفة نهضته
المقدّسة في وصيّته لأخيه
محمّد بن الحنفيّة قائلاً
:
« إنّي لم أخرج أشرا ولا
بطرا ولا مفسدا ولا ظالما
بل خرجت لآمر
بالمعروف وأنهى عن المنكر
، خرجت للإصلاح في اُمّة
جدّي وأبي ، أعمل بسنّة
جدّي وأبي » .
(14) ··· من ملكوت النهضة
الحسينيّة
--------------------------------------------------------------------------------
فكان خروج الإمام الحسين
عليهالسلام مع أهل بيته
الأبرار للإصلاح والأمر
بالمعروف والنهي عن
المنكر محاربة الظالمين
والطغاة ومن يريد أن يهدم
كيان
الإسلام باسم الإسلام ،
قال اللّه تعالى : «
وَلا تُفْسِدُوا فِي
الأرْضِ بَعْدَ
إصْلاحِهَا »(1) وورد في
الحديث الشريف : إنّ
الأرض كانت فاسدة فأصلحها
اللّه
تعالى بنبيّه
صلىاللهعليهوآله فقال
: « وَلا تُفْسِدُوا فِي
الأرْضِ بَعْدَ
إصْلاحِهَا » .
وفي الوافي ، في بيان
الخبر قال : إنّ الآية
كناية عمّا أحدثوا بعد
النبيّ
صلىاللهعليهوآله
من صرف الأمر عن أهله ،
وتوليته غير أهله .
فأوّل مظلوم في الإسلام
هو أمير المؤمنين عليّ
عليهالسلام ، قد غصب
فلان
وفلان خلافته وحقّه ...
وما خروج الإمام الحسين
عليهالسلام إلاّ من أجل
الإصلاح في
اُمّة جدّه ، وإظهار
الحقّ .
فإنّ بعد واقعة كربلاء
عرف الناس الحقائق وما هي
وظيفته وتكليفهم تجاه
أئمّتهم ، فاقتربوا منهم
حتّى يدخل الراوي مسجد
الكوفة وأربعة آلاف محدّث
يقول : حدّثني جعفر بن
محمّد الصادق عليهالسلام
، ونقلت الروايات من أهل
بيت
الوحي والعصمة بالآلاف ،
وأحسّ بني العبّاس بالخطر
، وأ نّه سرعان ما يزيل
حكومتهم ، ويقلب الأمر
عليهم ، فشدّد خلفاءهم
على أئمّة أهل البيت
عليهمالسلام حتّى
نفوهم عن ديارهم ،
وأبعدوا الناس عنهم ،
فمنهم من قضى نحبه بسمّ
قاتل ، ومنهم
من سجن في المطامير
المظلمة ، والزنزانات
المخيفة ، ومنهم من حكم
عليهم بإقامة
جبريّة ليكونوا تحت
أنظارهم ، وطاردوا شيعتهم
بين سجين وقتيل ومشرّد
وخائف متنكّر ، يتّقي
أعوان الظلمة وجلاوزة
النظام الحاكم .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة الأعراف : الآية
56 .