خلود ثورة الإمام الحسين
عليهالسلام :
فلماذا نجدّد قصّة كربلاء
وحادثة عاشوراء ؟
إنّ الإمام الحسين سيّد
الشهداء عليهالسلام
بثورته الخالدة ونهضته
النابعة من
صميم الإسلام المحمّدي
الأصيل فضح المنافقين على
مرّ العصور والأحقاب ،
وعلى اختلاف مشاربهم
وأصناف حيلهم وخدعهم بمن
فيهم خلفاء الجور وطغاة
بني اُميّة الذين بالغوا
واجتهدوا لإعادة العرب
إلى أيّام الجاهليّة
الاُولى .
كما أبان بتضحياته وسبي
عياله مواقف علماء السوء
الذين خدموا
السلطات الجائرة ، كما
أوضح زيف أشباه الزهّاد
والذين تستّروا ببعض
الطقوس
الظاهريّة وتركوا أهمّ
الفرائض الدينيّة الأمر
بالمعروف والنهي عن
المنكر ،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة التحريم : الآية
6 .
(2) سورة آل عمران :
الآية 164 .
من ملكوت النهضة
الحسينيّة ··· (11)
--------------------------------------------------------------------------------
كما فضح خطّ النفاق على
طول التاريخ للذين
يتّخذون الثورة وسيلةً
لبلوغ
مآربهم الدنيويّة من
الفساد والإفساد والأطماع
والملاذّ واتّباع الأهواء
.
إنّ الإمام الحسين
عليهالسلام بثورته
الخالدة ، أوغل في عمق
الزمان حتّى هيمن
عليه ، فكان كلّ يوم
عاشوراء ، وتوغّل في آفاق
المكان حتّى أحاط
بالكائنات ،
فكان كلّ أرض كربلاء ،
وما ذلك إلاّ لأنّ الحسين
أبو عبد اللّه نهض للّه
سبحانه ،
وقام بإحياء دينه بدمه
ومهجته وبسبي عياله ،
فرعاه اللّه وأمدّه في
اُفقي الزمان
والمكان ، وجعله مصباح
هدىً لمن استنار بنوره ،
واستضاء بضوئه ، واهتدى
بهداه ، وسفينة نجاة من
الضلال والذنوب والذمائم
لمن ركب فيها ، ولا تزال
سفينته
السريعة والوسيعة تخبّ
بحار التاريخ لينجو بها
كلّ غريق ، ويجيب نداؤه
المدوّي
في ضمير الإنسانيّة « هل
من ناصرٍ ينصرنا » كلّ من
يريد أن يعيش بحرّيّة
وسلام ،
فإنّ فرصة الالتحاق به
متاحة لكلّ من أراد
النجاة والحياة الطيّبة
والعيش السعيد .
ففي كلّ يوم وفي كلّ عام
في أيّام محرّم الحرام
يلتحق بالحسين
عليهالسلام أعداد
هائلة من البشريّة ولسان
حالهم يقول : لبّيك يا
داعي اللّه ، إن كان لم
يجبك بدني
عند استغاثتك واستنصارك ،
فقد أجابك قلبي وسمعي
وبصري وكلّ وجودي
وما أملك في الحياة .
فالحسين رمز وعنوان
وميزان في العقيدة
والسلوك والعمل ، قام
للّه لا أشرا
ولا بطرا ولا مفسدا ولا
ظالما ، ودعى إلى سبيله
بالحكمة والموعظة الحسنة
على
سيرة جدّه وأبيه ، ونصر
دينه بدمه وأهل بيته
وأصحابه ، مصلحا مجاهدا
آمرا
بالمعروف وناهيا عن
المنكر ، ليقيم الصلاة
التي تنهى عن الفحشاء
والمنكر .
ليست قضيّة الحسين أ نّه
قتل وقتل أصحابه وأهل
بيته ، وسبي عياله
وأطفاله
(12) ··· من ملكوت النهضة
الحسينيّة
--------------------------------------------------------------------------------
وحسب ، بل إنّما القضيّة
أعمق من ذلك ، فإنّ
الحسين عليهالسلام إنّما
قام للّه من أجل
العدالة والحرّيّة وإعلاء
كلمة الإسلام ، وإحياء
كتابه وسنّة نبيّه ، في
ظروف حلكة
وقاسية ، أحاطها الركود
الاجتماعي ، واللامبالاة
الجماعيّة ، والفساد
الأخلاقي
والمالي والثقافي والديني
من ظهور البدع والأباطيل
والضلال وإماتة حدود
الكتاب والسنّة .
فالثورة الحسينيّة التراث
الإلهي والنوري الذي يرجع
إليه الثائرون
والأحرار على طول التاريخ
بما تحمل من عقيدة
وإيديولوجيّة صحيحة
وواضحة ، وسلوك عملي
يمارس في النضال والجهاد
يترجم تلك العقيدة
السليمة ،
والخطّة الدقيقة المرسومة
بحكمة وحِنكة ، والاعتماد
على النضال المقدّس
والعنف
المشروع .
فالصراع في عاشوراء
الحسين صراع بين الحقّ
والباطل ، بين القيم
الإنسانيّة العليا وبين
قيم الجاهليّة الاُولى .
فالحقّ آنذاك قد طمس نوره
، وتغيّرت معالمه ، فلا
بدّ من ثورة مباركة
قدسيّة تزهق الباطل
وعوالمه ، وتبعث الروح
الإسلاميّة والإنسانيّة
من جديد ،
ولتبقى شعلة وهّاجة وشمس
مضيئة للأجيال والثوّار
على امتداد التاريخ .
وكلّ واحد في كلّ زمان
ومكان تخطر على باله
أسئلة مصيريّة وخطيرة ،
فمن أنا ؟ ومن الذي
أوجدني ووهبني ما أنا فيه
من النّعم ؟ من الذي مهّد
لنا
الأرض ، وسخّر لنا ما في
السماوات والأرض ؟ وماذا
بعد هذه الدنيا ؟ وإلى
أين
تسير بنا الأقدار ؟ فإلى
أين نذهب ؟ وماذا يراد
منّا ؟ ومثل هذه الأسئلة
تثير في
الوجدان الإنساني أن يبحث
عن حقيقته وعن مسيره في
الحياة ، وأن يعيش في
من ملكوت النهضة
الحسينيّة ··· (13)
--------------------------------------------------------------------------------
متنها ، لا في الهوامش .
وتجد جواب الأسئلة كلّها
في قضيّة عاشوراء ،
فإنّها مدرسة حيّة خالدة
،
ينبع منها عيون العلوم
والمعارف ، ويتلألأ منها
الحضارات والمدنيّات التي
تسودها العدالة ونور
الحقّ وضياء الحقائق
والمعرفة .