الصور النشاطات السيرة  
الصور النشاطات السيرة  
الصوتيات المرئيات الکتب  
الصوتيات المرئيات الکتب  
الإتصال بنا القائمة العامة الإستفتائات  
الإتصال بنا القائمة العامة الإستفتائات  
       
 
   علوی.نت . العربیة . مکتبة الکتب . رسالات الإسلامیة . المجلد الثالث و العشرون - 23 . فاطمة الزهراء - س - مشکاة الأنوار . 6 .  

بعد  فهرست  قبل 
المحاضرة الثالثة ··· (37)
--------------------------------------------------------------------------------
وأمّا تفسير مفردات آية النور :
فالنور : الضوء المنتشر الذي عيّن على الأبصار ، وذلك ضربان دنيوي
واُخروي فالدنيوي ضربان : ضرب معقول بعين البصيرة وهو ما انتشر من الاُمور
الإلهيّة كنور العقل ونور القرآن ، ومحسوس بعين البصر وهو ما انتشر من الأجسام
النيّرة كالقمرين والنجوم والنيران .
فمن النور الإلهي قوله عزّ وجلّ : « قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللّه‏ِ نُورٌ وَكِتَابٌ
مُبِينٌ »(1) ، وقال : « وَجَعَلْنَا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ »(2) ، وقال : « وَلَكِنْ
جَعَلْنَاهُ نُورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا »(3) .. إلى أن قال : ومن النور الاُخروي
قوله : « نُورُهُمْ يَسْعَى بَـيْنَ أيْدِيهِمْ »(4) ، وقوله : « ا نْظُرُونَا نَـقْتَبِسْ مِنْ
نُورِكُمْ »(5) (6) .
والنور عند الفلاسفة : هو الظاهر بنفسه والمظهر لغيره .
وفي بحار الأنوار باب أنّ الأئمة الأطهار عليهم‏السلام أنوار اللّه‏ وتأويل آية النور
فيهم(7) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) المائدة : 15 .
(2) الأنعام : 122 .
(3) الشورى : 52 .
(4) التحريم : 8 .
(5) الحديد : 13 .
(6) سفينة البحار 8 : 346 ، عن مفردات الراغب والبحار 61 : 303 .
(7) المصدر ، عن البحار 23 : 304 .
(38) ··· فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
تفسير القمّي : عن أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا جعفر عليه‏السلام عن قوله
تعالى : « فَآمِنُوا بِاللّه‏ِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أنزَلْنَا »(1) ، فقال : يا أبا خالد ، النور
واللّه‏ الأئمة من آل محمّد إلى يوم القيامة ، هم واللّه‏ نور اللّه‏ الذي أنزل ، وهم واللّه‏
نور اللّه‏ في السماوات والأرض ، واللّه‏ يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين
أنور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم واللّه‏ ينوّرون قلوب المؤمنين ، ويحجب اللّه‏
نورهم عمّن شاء فتظلم قلوبهم ، واللّه‏ يا أبا خالد لا يحبّنا عبد ويتولاّنا حتّى يطهّر
اللّه‏ قلبه ، ولا يطهّر اللّه‏ قلب عبدٍ حتّى يسلم لنا ويكون سلما لنا ، فإذا كان سلما لنا
سلّمه اللّه‏ من شديد الحساب ، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر .
وأيضا الروايات الدالّة على أ نّهم عليهم‏السلام كانوا أنوارا محدقين بالعرش في
باب النصوص عليهم عليهم‏السلام (2) .
وباب بدو خلقة نور رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله والأئمة عليهم‏السلام (3) .
وباب أ نّهم من نور واحد(4) ، وفي اتّحاد نور الرسول والأمير محمّد
وعليّ عليهماالسلام (5) .
في الحديث النبوي الشريف : فما كان من نور عليّ عليه‏السلام فصار في ولد
الحسن ، وما كان من نوري صار في ولد الحسين عليه‏السلام ، فهو ينتقل في الأئمة من
--------------------------------------------------------------------------------
(1) التغابن : 8 .
(2) البحار 36 : 226 .
(3) البحار 15 : 2 .
(4) البحار 25 : 1 .
(5) البحار 35 : 29 .
المحاضرة الثالثة ··· (39)
--------------------------------------------------------------------------------
ولده إلى يوم القيامة(1) .
عن الكافي بسنده عن أبي عبد اللّه‏ عليه‏السلام ، قال : إنّ اللّه‏ إذ لا كان فخلق الكان
والمكان ، وخلق نور الأنوار الذي نوّرت منه الأنوار ، وأجرى فيه من نوره الذي
نوّرت منه الأنوار ، وهو النور الذي خلق منه محمّدا وعليّا عليهما وآلهما السلام ،
فلم يزالا نورين أوّلين ، أو لا شيء كون قبلهما فلم يزالا يجريان طاهرين مطهّرين
في الأصلاب الطاهرة حتّى افترقا في أطهر طاهرين عبد اللّه‏ وأبي طالب عليهماالسلام (2) .
وفي البحار باب أيضا في أ نّه نزل في أمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام أ نّه الذكر
والنور والهدى في القرآن(3) .
عن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : يا نور النور ، يا منوّر النور ، يا خالق النور ، يا مدبّر
النور ، يا مقدّر النور ، يا نور كلّ نور ، يا نورا قبل كلّ نور ، يا نورا بعد كلّ نور ،
يا نورا فوق كلّ نور ، يا نورا ليس كمثله نور(4) .
قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : إنّ هذا القرآن حبل اللّه‏ والنور المبين .
قال الإمام الحسن عليه‏السلام : إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النور .
قال أمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام : تعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحديث ، وتفقّهوا
فيه ، فإنّه ربيع القلوب ، واستشفوا بنوره فإنّه شفاء الصدور .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البحار 15 : 7 و 8 ، وقد ذكرت بالتفصيل الخلق النوري للأئمة عليهم‏السلام في كتاب ( الأنوار
القدسيّة ) ، مطبوع في موسوعة ( رسالات إسلاميّة ) المجلّد السابع ، فراجع .
(2) البحار 57 : 196 .
(3) البحار 35 : 394 .
(4) ميزان الحكمة 4 : 3387 .
(40) ··· فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
وقال عليه‏السلام في وصف النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : حتّى أفضت كرامة اللّه‏ سبحانه وتعالى إلى
محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ... فهو إمام من اتّقى ، وبصيرة من اهتدى ، سراج لمع ضوؤه ، وشهاب
سطع نوره ، وبرق لمعه .
وعنه عليه‏السلام : إنّما مثلي بينكم كمثل السراج في الظلمة ، يستضيء به من
ولجها .
قال الصادق عليه‏السلام : ليس العلم بالتعلّم ، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد اللّه‏
تبارك وتعالى أن يهديه .
وعن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ـ في الدعاء ـ : اللهمّ اجعل لي في قلبي نورا ، وفي
لساني نورا ، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا ، وعن يميني نورا ، وعن يساري
نورا ، ومن فوقي نورا ، ومن تحتي نورا ، ومن أمامي نورا ، ومن خلفي نورا ،
واجعل لي في نفسي نورا ، وأعظم لي نورا .
عن الإمام زين العابدين : وهب لي نورا أمشي به في الناس ، وأهتدي به
في الظلمات ، وأستضيء به من الشكّ والشبهات .
قال الإمام الصادق عليه‏السلام : طلبت نور القلب فوجدته في التفكّر والبكاء ،
وطلبت الجواز على الصراط فوجدته في الصدقة ، وطلبت نور الوجه فوجدته في
صلاة الليل .
وعن الإمام زين العابدين عليه‏السلام ـ لمّا سئل عن علّة كون المتهجّدين بالليل
من أحسن الناس وجها ـ ؟ قال : لأ نّهم خلوا باللّه‏ فكساهم اللّه‏ من نوره .
وعن أمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام قال : ما تركت صلاة الليل منذ سمعت
قول النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : صلاة الليل نور . فقال ابن الكوّاء : ولا ليلة الهرير ؟ قال :
المحاضرة الثالثة ··· (41)
--------------------------------------------------------------------------------
ولا ليلة الهرير .
قال أمير المؤمنين عليه‏السلام : إنّ على كلّ حقّ حقيقة ، وعلى كلّ صواب نورا .
وقال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : الصلاة نور .
وعنه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : إذا رميت الجمار كان لك نورا يوم القيامة .
وعنه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : عليك بتلاوة القرآن فإنّه نور لك في الأرض ، وذخر لك في
السماء .
وقال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : من قرأ هذه الآية عند منامه « قُلْ إنَّمَا أ نَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ
أ نَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ »(1) ، إلى آخرها ، سطع له نور إلى المسجد الحرام ، حشو
ذلك النور ملائكة يستغفرون له حتّى يصبح(2) .
إنّما ذكرت جملة من روايات النور لنقف ولو إجمالاً على معنى النور
وتفسيره وتأويله في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ، وبيان بعض مصاديقه
كالنبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله والأئمة عليهم‏السلام والقرآن والعلم وصلاة الليل وما شابه ذلك ، وهذا يعني
أنّ النور كلّي تشكيكي له مراتب طوليّة وعرضيّة ، فقمّته هو النبيّ الأعظم
محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله الذي يتجلّى فيه النور الإلهي سبحانه ، ثمّ الأمثل فالأمثل .
قال اللّه‏ تبارك وتعالى : « يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ
بَـيْنَ أيْدِيهِمْ وَبِأيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأ نْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * يَوْمَ يَـقُولُ المُـنَافِقُونَ وَالمُـنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا ا نْظُرُونَا
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الكهف : 110 .
(2) ميزان الحكمة : كلمة ( نور ) .
(42) ··· فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
نَـقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُورا فَضُرِبَ بَـيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ
بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ »(1) .
عن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : ثمّ يقول ـ يعني الربّ تبارك وتعالى ـ : ارفعوا
رؤوسكم ، فيرفعون رؤوسهم ، فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يُعطى
نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه ، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ،
ومنهم من يعطى مثل النخلة بيده ، ومنهم من يعطى أصغر من ذلك ، حتّى يكون
آخرهم رجلاً يُعطى نوره على إبهام قدميه يضيء مرّة ويطفأ مرّة(2) .
وفي قوله تعالى : « أوَ مَنْ كَانَ مَيْتا فَأحْيَيْنَاهُ » قال : جاهلاً عن الحقّ
والولاية فهديناه إليها « وَجَعَلْنَا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ » قال : النور الولاية
« كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا » يعني في ولاية غير الأئمة عليهم‏السلام
« كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ »(3) (4) .
هذا إجمال ما أردنا بيانه في مفردة ( النور ) أمّا المفردات الاُخرى :
المشكاة : على ما ذكره الراغب وغيره : كوّة غير نافذة ، وهي ما يتّخذ في
جدار البيت من الكوّ ، لوضع بعض الأثاث ـ فهو كالرفّ يوضع عليه بعض
الأشياء ـ كالمصباح وغيره عليه .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الحديد : 12 ـ 13 .
(2) ميزان الحكمة : كلمة ( نور ) .
(3) الأنعام : 122 .
(4) البحار 23 : 309 ، الحديث 8 .
المحاضرة الثالثة ··· (43)
--------------------------------------------------------------------------------
وقيل : المشكاة : الاُنبوبة في وسط القنديل والمصباح الفتيلة المشتعلة .
والمصباح : سراج يطرد الظلمة بنوره فيجعل الموضع كالصبح ، وهو غير
الفانوس ، فيزيد عليه وعلى السراج نورا وضياءً ولمعا وبرقا .
والزجاجة : جسم شفّاف ترى الأشياء من خلفه وتعكس النور .
والدرّي : من الكواكب العظيم الكثير النور ، وهو معدود في السماء . وقال
قوم : هي أحد الخمسة المضيئة : زحل والمشتري والمرّيخ والزهرة وعطارد .
وقيل : المنسوب إلى الدرّ في صفائه وحسنه .
والزيت : الدهن المتّخذ من الزيتون .
فتبيّن أنّ النور هو الظاهر بنفسه والمظهر لغيره ، فيطلق أوّلاً على النور
الحسّي ، ثمّ يعمّم بكلّ ما ينكشف به شيء ، فيطلق على الحواسّ أ نّها نورا أو
ذا نور ، يظهر به محسوساته كالسمع والشمّ والذوق واللمس على نحو الاستعارة
أو الحقيقة الثانية ، ثمّ عمّم لغير المحسوس فعدّ العقل نورا يظهر به المعقولات ، كلّ
ذلك بتحليل معنى النور المبصر إلى الظاهر بذاته المظهر لغيره .
وقوله تعالى : « اللّه‏ُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » ، لمّا كانت الأشياء الممكنة
الوجود إنّما هي موجودة بإيجاد اللّه‏ تعالى فهو علّة العلل كان هو المصداق الأتمّ
للنور ، فهو نور الأنوار ، فهناك وجود ونور يتّصف به الأشياء وهو وجودها
ونورها المستعار المأخوذ منه تعالى ، ووجود ونور قائم بذاته يوجد ويستنير به
الأشياء .
يقول العلاّمة الطباطبائي في تفسيره القيّم ( الميزان ) :
فهو سبحانه نور يظهر به السماوات والأرض ، وهذا هو المراد بقوله : « اللّه‏ُ
(44) ··· فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » حيث اُضيف النور إلى السماوات والأرض ، ثمّ حمل
على اسم الجلالة ، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال : إنّ المعنى اللّه‏ منوّر
السماوات والأرض ، وعمدة الغرض منه أن ليس المراد بالنور النور المستعار
القائم بها ، وهو الوجود الذي يحمل عليها تعالى اللّه‏ عن ذلك وتقدّس .
وقيل : معنى نور السماوات والأرض أنّ اللّه‏ هادي أهل السماوات
والأرض .
ومن ذلك يستفاد أ نّه تعالى غير مجهول لشيء من الأشياء ، إذ ظهور كلّ
شى‏ء لنفسه أو لغيره إنّما هو عن إظهاره تعالى فهو الظاهر بذاته له قبله ، وإلى هذه
الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين : « أ لَمْ تَرَ أنَّ اللّه‏َ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ
وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ »(1) ، إذ لا معنى للتسبيح
والعلم به وبالصلاة مع الجهل بمن يصلّون له ويسبّحونه ، فهو نظير قوله : « وَإنْ مِنْ
شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ »(2) .
فقد تحصّل أنّ المراد بالنور في قوله : « اللّه‏ُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » نوره
تعالى من حيث يشرق منه النور العامّ الذي يستنير به كلّ شيء وهو مساوٍ لوجود
كلّ شيء وظهوره في نفسه ولغيره وهي الرحمة العامّة(3) .
ومثل هذه المعاني الفلسفيّة الدقيقة يصعب فهمها على مثل اُولئك الأعراب ،
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 41 .
(2) الإسراء : 44 .
(3) الميزان 18 : 122 .
المحاضرة الثالثة ··· (45)
--------------------------------------------------------------------------------
فإنّهم بالأمس كانوا يعبدون الأوثان والأصنام التي يصنعونها بأيديهم من التمر
وإذا جاعوا أكلوا ربّهم ، وكانوا يئدون بناتهم ويكرهونهم على البغاء ، واليوم يطرق
أسماعهم قوله تعالى : « اللّه‏ُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ » .
فرفقا وهدايةً ولطفا بالناس ، يضرب اللّه‏ الأمثال لهم حتّى ينتفع الجميع وتتمّ
الحجّة الإلهيّة . فيضرب اللّه‏ مثلاً لنوره ، والمقصود من هذا النور الثاني هو النور
الخاصّ كما هو الظاهر ، فإنّ إضافة النور إلى الضمير الراجع إليه تعالى دليل على
أنّ المراد ليس هو وصف النور الذي هو اللّه‏ ، بل النور المستعار الذي يفيضه ليمثّل
نور اللّه‏ ، فليس هو النور العام المستعار الذي يظهر به كلّ شيء وهو الوجود الذي
يستفيضه منه الأشياء وتتّصف به . والدليل عليه قوله بعد تتميم المثل : « يَهْدِي اللّه‏ُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ »(1) .
فلو كان المراد النور العام فإنّه لم يختصّ به شيء دون شيء كما ذكرنا ،
بل المراد هو نوره الخاصّ بالمؤمنين بحقيقة الإيمان والهداية والإمامة والمعرفة
على ما يظهر من الكلام في آيات عديدة . فإنّه نسب تعالى إلى نفسه نورا كما في
قوله : « يُرِيدُونَ لِـيُـطْفِئُوا نُورَ اللّه‏ِ بِأ فْوَاهِهِمْ وَاللّه‏ُ مُـتِمُّ نُورِهِ »(2) ، وقوله : « أوَ
مَنْ كَانَ مَيْتا فَأحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ
لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا »(3) ، وقوله : « يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَـتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورا
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 35 .
(2) الصفّ : 8 .
(3) الأنعام : 122 .
(46) ··· فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
تَمْشُونَ بِهِ »(1) ، وقوله : « أفَمَنْ شَرَحَ اللّه‏ُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ
رَبِّهِ »(2) ، وهذا هو النور الذي يجعله اللّه‏ لعباده المؤمنين يستضيئون به في طريقهم
إلى ربّهم وهو نور الإيمان والمعرفة المستقاة من الرسالة والإمامة .
ثمّ العلاّمة الطباطبائي يقول : وليس المراد بالنور في خصوص هذه الآية
القرآن كما قاله بعضهم ، فإنّ الآية تصف حال عامّة المؤمنين قبل نزول القرآن
وبعده ، على أنّ هذا النور وصف لهم يتّصفون به كما يشير إليه قوله : « لَهُمْ أجْرُهُمْ
وَنُورُهُمْ »(3) ، وقوله : « يَـقُولُونَ ربَّـنَا أتْمِمْ لَـنَا نُورَنَا »(4) ، والقرآن ليس وصفا
لهم ، نعم إن لوحظ باعتبار ما يكشف عنه من المعارف رجع إلى ما قلناه .
ثمّ في كلّ تشبيه لا بدّ من أركانه : من المشبّه والمشبّه به ووجه الشبه ،
فالمشبّه به ليس المشكاة وحسب ، بل مجموع ما ذكر من قوله تعالى : « كَمِشْكَاةٍ
فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ » ، وهذا كثير في تمثيلات القرآن الكريم .
ثمّ تشبيه « الزُّجَاجَةُ كَأ نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ »(5) من جهة ازدياد لمعان نور
المصباح وشروقه وانعكاسه بتركيب الزجاجة على المصباح فتزيد الشعلة بذلك
سكونا من غير اضطراب بتموّج الأهوية والأرياح ، فتكون الزجاجة حافظة
ومانعة من ضرب الأرياح ، فهي كالكوكب الدرّي في شعاعها وتلألؤ نورها
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الحديد : 28 .
(2) الزمر : 22 .
(3) الحديد : 19 .
(4) التحريم : 8 .
(5) النور : 35 .
المحاضرة الثالثة ··· (47)
--------------------------------------------------------------------------------
وثبات شروقها .
وقوله تعالى : « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » خبر بعد خبر للمصباح ، أي المصباح يشتعل
ويستمدّ شعلته من شجرة مباركة زيتونة ، أي أ نّه يشتعل من دهن زيت مأخوذ
منها ، والمراد بكون الشجرة لا شرقيّة ولا غربيّة أ نّها ليست نابتة في الجانب
الشرقي ولا في الجانب الغربي حتّى تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار
ويفيء الظلّ عليها في الطرف الآخر فلا تنضج ثمرتها ، فلا يصفوا الدهن المأخوذ
منها ، فلا تجود الإضاءة ، بل هي في ضاحية تأخذ من الشمس حظّها طول النهار
فيجود دهنها لكمال نضج ثمرتها . ويدلّ على هذا المعنى قوله تعالى : « يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » فالمراد به صفاء الدهن وكمال استعداده
للاشتعال وأنّ ذلك متفرّع على الوصفين : لا شرقيّة ولا غربيّة(1) .
وقيل : « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ » أي يشتعل من دهن شجرة
مباركة ، وهي الزيتونة الشاميّة ، قيل : لأنّ زيتون الشام أبرك .
والبركة بمعنى الخير المستقرّ والمستمرّ .
وقيل : وصفت بالبركة لأنّ الزيتون يورق من أوّله إلى آخره .
وقوله : « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » قيل : معناه لا شرقيّة بشروق الشمس
عليها فقط ، ولا غربيّة بغروبها عليها فقط ، بل هي شرقيّة غربيّة تأخذ حظّها من
الأمرين ، فهو أجود لزيتها . وقيل : معناه أ نّها وسط البحر . وقيل : هي ضاحية
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الميزان 15 : 134 .
(48) ··· فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
للشمس ، وقيل : ليست من شجر الدنيا .
« يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ » أي زيتها من صفائه وحسنه
يكاد يضى‏ء من غير أن تمسّه نار وتشتعل فيه(1) .
وقوله : « نُورٌ عَلَى نُورٍ » خبر لمبتدأ محذوف وهو ضمير راجع إلى نور
الزجاجة المفهوم من السياق ، والمعنى نور الزجاجة المذكور نور عظيم على نور
كذلك أي في كمال الإشراق والتلمّع . وقيل : المراد من كون النور على النور هو
تضاعف النور لا تعدّده ، فليس المراد به أ نّه نور معيّن أو غير معيّن فوق نور آخر
مثله ، ولا أ نّه مجموع نورين اثنين فقط ، بل إنّه نور متضاعف من غير تحديد
لتضاعفه . وهذا التعبير شائع في الكلام كما في قوله : « فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ
فُطُورٍ »(2) .
وهذا معنى لا يخلو من جودة ، وإن كان إرادة التعدّد أيضا لا تخلو من لطف
ودقّة ، فإنّ للنور الشارق من المصباح نسبة إلى المصباح بالأصالة والحقيقة ، فيقال
نور المصباح ، وهذا من الاستعمال الحقيقي ، ونسبة إلى الزجاجة أيضا التي على
المصباح وهذه النسبة بالاستعارة والمجاز ، فيقال نور الزجاج وهذا من
الاستعمال المجازي ، ويتغاير النور بتغاير النسبتين ويتعدّد بتعدّدهما ، وإن لم يكن
بحسب الحقيقة إلاّ للمصباح ، والزجاجة فللزجاجة بالنظر إلى تعدّد النسب نور
غير نور المصباح وهو قائم بالمصباح ومستمدّ منه .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) التبيان 7 : 138 .
(2) الملك : 3 .
المحاضرة الثالثة ··· (49)
--------------------------------------------------------------------------------
وهذا المعنى اللطيف والاعتبار الظريف جارٍ بعينه في الممثّل له والمشبّه به ،
فإنّه كما ذكرنا أنّ من مصاديق النور هو نور الإيمان والمعرفة ، كما أنّ من أتمّ
مصاديق المصباح كما سنذكر هو الرسول الأعظم صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، وأنّ الزجاجة أمير
المؤمنين عليّ عليه‏السلام ـ كما ورد في بعض الأحاديث ـ فنور أمير المؤمنين من نور
رسول اللّه‏ ونور الرسول من نور اللّه‏ سبحانه ، وخلق النور من النور .
فنور الإيمان والمعرفة نور مستعار مشرق على قلوب المؤمنين مقتبس من
نوره تعالى قائم به ، مستمدّ منه .
فقد تحصّل أنّ الممثّل له هو نور اللّه‏ المشرق على قلوب المؤمنين ، والمثل
وهو المشبّه به النور المشرق من زجاجة على مصباح ، موقد من زيت جيّد صاف
وهو موضوع في مشكاة وكوّة غير نافذة ، لا يضطرب بضرب الأرياح وتموّج
الأهويّة . ثمّ نور المصباح المشرق من الزجاجة والمشكاة تجمعه وتعكسه على
المستنيرين به ، يشرق عليهم في نهاية القوّة والجودة .
فأخذ المشكاة للدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة ، وانعكاسه إلى
جوّ البيت ، واعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة ، للدلالة على
صفاء الدهن وجودته المؤثّر في صفاء النور المشرق عن اشتعاله وجودة الضياء ،
على ما يدلّ عليه كون زيته يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار ـ أي كأ نّه من كماله
يظهر كماله ، حتّى ولو لم يكن له تأثير من الخارج ـ واعتبار كون النور على النور
للدلالة على تضاعف النور ، أو كون الزجاجة مستمدّة من نور المصباح في
إنارتها .
ولا يخفى أنّ هذه المعلومات ووجود الشبه ، لها تأثير في بيان المصاديق
(50) ··· فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
وأحوالها وحقائقها ، يقف عليها الألمعي الذكي حين التطبيق .
وقيل : قوله « نُورٌ عَلَى نُورٍ » معناه : نور الهدى إلى توحيده ، على نور
الهدى بالبيان الذي أتى به من عنده ، وقيل معناه : يضيء بعضه بعضا ، وقيل معناه :
أ نّه يتقلّب المؤمن في خمسة أنوار : فكلامه نور ، وعلمه نور ، ومدخله نور ،
ومخرجه نور ، ومسيره نور إلى النور يوم القيامة إلى الجنّة . وقيل : ضوء النار على
ضوء النور على ضوء الزيت على ضوء المصباح على ضوء الزجاجة .
وقوله : « يَهْدِي اللّه‏ُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ » أي يهدي اللّه‏ لدينه وإيمانه من يشاء
بأن يفعل له لطفا يختار عنده الإيمان إذا علم أنّ له لطفا . وقيل : معناه يهدي اللّه‏
لنبوّته من يشاء ممّن يعلم أ نّه يصلح لها ، إذا كان من أهل الأعمال الصالحة
والأفعال الحسنة ، اختيارا من دون جبر وتفويض . وقيل : معناه « يَهْدِي اللّه‏ُ
لِنُورِهِ » أي يحكم بإيمانه لمن يشاء ممّن آمن به(1) .
قال العلاّمة الطباطبائي قدس‏سره : قوله تعالى : « يَهْدِي اللّه‏ُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ »
استئناف يعلّل به اختصاص المؤمنين بنور الإيمان والمعرفة وحرمان غيرهم ،
فمن المعلوم من السياق أنّ المراد بقوله : « مَنْ يَشَاءُ » القوم الذين ذكرهم بقوله
بعد : « رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه‏ِ »(2) إلى آخره ، فالمراد بمن
يشاء المؤمنون بوصف كمال إيمانهم .
والمعنى أنّ اللّه‏ إنّما هدى المتلبّسين بكمال الإيمان إلى نوره دون
--------------------------------------------------------------------------------
(1) التبيان 7 : 438 .
(2) النور : 37 .
المحاضرة الثالثة ··· (51)
--------------------------------------------------------------------------------
المتلبّسين بالكفر ـ الذين سيذكرهم بعد ـ لمجرّد مشيّته ، وليس المعنى أنّ اللّه‏
يهدي بعض الأفراد إلى نوره دون بعض بمشيّته ذلك ، حتّى يحتاج في تتميمه إلى
القول بأ نّه إنّما يشاء الهداية إذا استعدّ المحلّ إلى الهداية بحسن السريرة والسيرة ،
وذلك ممّا يختصّ به أهل الإيمان دون أهل الكفر . فافهمه .
والدليل على ذلك ما سيأتي من قوله : « وَللّه‏ِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالأرْضِ »(1) إلى آخر الآيات بالبيان الآتي إن شاء اللّه‏(2) . انتهى كلامه رفع اللّه‏
مقامه .
بعد  فهرست  قبل 
نسخ الرابط :  
 ." جميع الحقوق محفوظة للمؤسسة الإسلامِة العالمية " التبليغ و الإرشاد .
   
العربية    فارسي    English