المحاضرة الثانية ···
(33)
--------------------------------------------------------------------------------
في ظلال تفسير وتأويل آية
النور :
لمّا بدأ الصراع بين
الحقّ والباطل والنور
والظلمة والخير والشرّ ،
وذلك منذ
أن خلق اللّه آدم صفوته
، ثمّ أمر اللّه
الملائكة أن يسجدوا له ،
فأبى إبليس واستكبر
وكان من الكافرين ، ثمّ
اُهبط مع آدم إلى الأرض
ليكون الشيطان عدوّ
الإنسان ،
وإنّ آدم يمثّل الرحمن في
أسمائه وصفاته .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 35 .
(34)
--------------------------------------------------------------------------------
وبدأ الصراع بين آدم
وبينه الرحمانيّ ، وبين
إبليس وأعوانه الشيطانيّ
،
ثمّ سبحانه وتعالى أتمّ
حجّته البالغة على الخلق
بالهداية العامّة
والخاصّة ،
بإنزال الكتب السماويّة
وإرسال الرسل ، وبعث
الأنبياء ، ومن ثمّ
ورثتهم الذين
أمرهم اللّه بحفظ
الرسالة النبويّة السمحاء
من الأوصياء والعلماء
الصالحين .
وميّز الخبيث من الطيّب
والمؤمن من الكافر ،
وأبان الحقائق وأظهرها في
كلّ
زمرة وطائفة .
ومن هذا المنطلق نرى
سبحانه في سورة النور
وآياته من قوله تعالى :
« اللّهُ نُورُ
السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ »
إلى قوله : « وَاللّهُ
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ
إلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ »(1)
، يحكي لنا مقايسة بين
المؤمنين والكفّار ،
بحقيقة الإيمان
الذي هو نور خاصّ وحقيقة
الكفر الذي هو ظلمة
وظلمات فوقها فوق بعض .
فالمؤمنون يمتازون بالهدى
والنور ، وأ نّهم مهديّون
بأعمالهم الصالحة إلى
نور من ربّهم ، يفيدهم
ويزيدهم معرفة اللّه عزّ
وجلّ ، ويسلك بهم إلى
أحسن
الجزاء والفضل والكرامة
من اللّه سبحانه في
الدنيا والآخرة ، فإنّه
يحييهم حياة
طيّبة ويجازيهم بأحسن ما
عملوا ، فينكشف عن قلوبهم
وأبصارهم الغطاء ،
وتتنوّر جوارحهم وجوانحهم
بالنوايا الصالحة
والصادقة والأعمال
الطيّبة
والأفعال الحسنة . أمّا
الكفّار فلا تسلك بهم
أعمالهم إلاّ إلى سراب لا
حقيقة له ،
وهم في ظلمات بعضها فوق
بعض ولم يجعل اللّه لهم
نورا وإماما صالحا فما
لهم
من نور .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النور : 35 ـ 46 .
المحاضرة الثالثة ···
(35)
--------------------------------------------------------------------------------
ثمّ يتّصف اللّه سبحانه
بالرحمة الرحمانيّة
العامّة للمؤمنين
والكفّار في
الدنيا ، والرحمة
الرحيميّة المختصّة
بالمؤمنين في الدنيا
والآخرة ، فبيّن في آية
النور هذه الحقيقة بأنّ
له تعالى نورا عامّا
وخاصّا ، والأوّل :
تستنير به السماوات
والأرض ، فتظهر به في
الوجود بعدما لم تكن
ظاهرة فيه .
والنور تعريفه وماهيّته أ
نّه الظاهر بنفسه والمظهر
لغيره كالنور الحسّي .
وظهور شيء بشيء يتطلّب أن
يكون المظهر ظاهرا بنفسه
أيضا ، فالظاهر بذاته
المظهر لغيره هو النور .
فهو سبحانه وتعالى نور ـ
كما أنّ من أسمائه الحسنى
النور ـ
يظهر السماوات والأرض
بإشراقه عليها . كما أنّ
الأنوار الحسّية تظهر
الأجسام
الكثيفة للحسّ بإشراقها
عليها ، إلاّ أنّ الفرق
الجوهري بين النور الحسّي
ونور اللّه
سبحانه : أنّ ظهور
الأشياء بالنور الإلهي
عين وجودها ، وظهور
الأجسام الكثيفة
بالأنوار الحسيّة غير أصل
وجودها . وهذا النور
العامّ من الرحمة
الرحمانيّة .
وأمّا الثاني أي النور
الخاصّ : فإنّه الرحمة
الرحيميّة يستنير به
المؤمنون
ويهتدون إليه بأعمالهم
الصالحة .
وهو نور العلم والمعرفة
الذي ستستنير به قلوبهم
وأبصارهم يوم تتقلّب فيه
القلوب والأبصار ،
فيهتدون به إلى سعادتهم
الخالدة « وَأمَّا
الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي
الجَنَّةِ خَالِدِينَ
فِيهَا »(1) ، فيشاهدون
فيه شهود عيان ما كان في
غيب عنهم في
الدنيا ، وفيها ما تشتهي
الأنفس وتلذّ الأعين وما
لم يخطر على قلب بشر .
ثمّ مثّل تعالى هذا النور
بمصباح في زجاجة في مشكاة
، ثمّ يشتعل
--------------------------------------------------------------------------------
(1) هود : 108 .
(36) ··· فاطمة الزهراء
مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
من زيت في غاية الصفاء
والطهارة ، فتتلألأ
الزجاجة كأ نّها كوكب
درّي فتزيد
نورا على نور ، وهذا
المصباح الإلهي النوري قد
وضعه اللّه في بيوت
العبادة ،
التي يسبّح فيها رجال من
المؤمنين ، لا تلهيهم عن
ذكر ربّهم وعبادته تجارة
ولا بيع .
فهذه صفة النور الإلهي
الذي أكرم اللّه به
المؤمنين وحرّمه على
الكافرين ،
فتركهم في ظلمات لا
يبصرون ، وهذا لطف من
اللّه فمن اشتغل به
وأعرض عن
الدنيا الدنيئة ، فإنّه
يخصّه بنوره من عنده ،
واللّه يفعل ما يشاء ،
له الملك وإليه
المصير ، يحكم بما أراد ،
وينزل الودق والبرد من
سحاب واحد ، ويقلّب الليل
والنهار ، ويجعل من
الحيوان من يمشي على بطنه
ومن يمشي على رجلين ومن
يمشي على أربع ، وقد خلق
الكلّ من ماء ـ كلّ هذا
بقدرته وعلمه عزّ وجلّ ـ
.
ثمّ التفسير بمعنى كشف
القناع عن الظاهر من
الألفاظ والمعاني في
القرآن
الكريم ، والتأويل هو كشف
القناع عن الباطن ، فإنّ
القرآن يحمل بطون ، مثل
سبعة
بطون ، ولكلّ بطن سبعين
بطنا ، بل ويزيد إلى ما
علمه عند اللّه سبحانه ،
ثمّ النبيّ
قائل على التنزيل والإمام
الوصيّ على التأويل ، ومن
التأويل والتطبيق وبيان
المصاديق لمفاهيم القرآن
الكريم ، وما يعلم تأويل
القرآن إلاّ الراسخون في
العلم
وهم الرسول الأعظم
وخلفائه الأطهار
عليهمالسلام ومن يحذو
حذوهم ، الأمثل فالأمثل
الذين يقتبسون من نورهم
عليهمالسلام الذي هو
مظهر نور اللّه سبحانه .
وبهذا نرى أئمّتنا
الصادقين عليهمالسلام قد
فسّروا لنا آية النور
بذكر أتمّ
المصاديق كما سيتّضح هذا
المعنى من خلال عرض بعض
الروايات الشريفة في
المقام .