الصور النشاطات السيرة  
الصور النشاطات السيرة  
الصوتيات المرئيات الکتب  
الصوتيات المرئيات الکتب  
الإتصال بنا القائمة العامة الإستفتائات  
الإتصال بنا القائمة العامة الإستفتائات  
       
 
   علوی.نت . العربیة . مکتبة الکتب . رسالات الإسلامیة . المجلد الثالث و العشرون - 23 . فاطمة الزهراء - س - مشکاة الأنوار . 25 .  

بعد  فهرست  قبل 
(90) ··· فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
فاطمة الزهراء عليهاالسلام
اُسوة وقدوة
من القضايا التي تبحث في ( علم النفس ) المعاصر ، كما أ نّها ذات أهمية
بالغة في الثقافة الإسلامية وقاموس الإسلام ، مسألة ( القدوة والاُسوة ) ، فإنّ
الإنسان منذ نعومة أظفاره من فطرته وغريزته أ نّه يبحث عن اُسوة يقتدي به في
أقواله وأفعاله ، أي من طبيعته الأوّلية ومن ذاتياته الفطريّة أ نّه يتشبّه بشخص آخر
بعد ميله القلبي نحوه ، فإنّه إذا أحبّه وتعلّق به ينطبع بطابعه ، وتظهر على سلوكه
وحركاته وسكناته آثار وأفعال حبيبه الذي أخذه قدوة واُسوة في حياته .
فالطفل في أيام صباه ، ثمّ في سنّ المراهقة وطليعة الشباب يقتدي بمن يراه
قدوة ، فيتأثّر بطباعه وأخلاقه وسلوكه ، فمن ضروريّات الحياة ( الاُسوة ) فيها ، إلاّ
أ نّه مَن المقتدى ؟ ومَن المتأسّى به ؟ فمن هو القائد ؟
ذهب علماء النفس كما هو الواقع أنّ الإنسان ـ أعمّ من الذكور والاناث ـ
يقتدي أوّلاً باُمّه ، فإنّ الاُمّ لها دور فعّال في حياة الشخص من جهة الاقتداء
والتأسّي . ثمّ يقتدي بأبيه أو إخوته وأخواته ، أي من يعيش معهم في نطاق الاُسرة
والعائلة . ثمّ يأتي دور الأصدقاء ، حتّى يعرف المرء بخليله ، وقل من تصاحب
حتّى أقول من أنت ؟ فإذا كانت علقة الصداقة والمحبّة بين اثنين ، فإنّ الصديق
(91)
--------------------------------------------------------------------------------
يسلك مسلك صديقه ، ويقتدي به . ثمّ المصداق الثالث للتأسّي والاقتداء هو المعلّم
والمربّي ، حتّى في بعض الموارد يتأثّر الطالب باُستاذه ، فيعرف من خلال حركاته
أ نّه من تلامذة الاُستاذ الفلاني ، وهذا ما يحدث في الحوزات العلمية كثيرا ، وكذلك
في الجامعات الأكاديميّة ، ثمّ المصداق الآخر لاقتداء الشباب يتمثّل بطبقة
الرياضيين كلاعب كرة القدم ، وما يعبّر عنه بالفنّانين من النجوم السينمائية ، وهذا
ما يحدث عند البنات غالبا ، ثمّ السياسيين لمن كان يميل إلى السياسة .
هذه مجموعة من يقتدى بهم في حياتنا المعاصرة في كلّ العالم وبصورة
عامّة وطبيعية ، ويودّ الإنسان أن يكون قائده واُسوته يمتاز بخصائص تفرزه عن
الآخرين ، وتعطي طابع الحقّانية في كونه اُسوة له ، فيحبّ أن يكون اُسوته أكمل
من غيره ، كما يكون أعلم، فإذا كانت الاُمّ تحمل شهادة الماجستير فإنّ الولد الذي
يقتدي بها يودّ أن يحمل شهادة الدكتوراه ، كما يودّ أن يكون اُسوته باختياره ،
فمتى ما أراده يكون عنده حاضرا ليستشيره ويقتدي به في سيرته ، ويودّ أن يكون
جامعا للكمال والجمال ، ومثل هذه الصفات لا تجتمع في مَن ذكر من مصاديق
القدوة إلاّ في المعصومين من الأنبياء والأوصياء عليهم‏السلام ، فهم أكمل الناس وأعلمهم
وأجمعهم في صفات الجمال والكمال ، فلا يضاهيهم أحد من الناس في عصرهم ،
فهم الحجّة على الخلق ، وقد أمرنا اللّه‏ أن نأخذهم اُسوة وقدوة :
« اُولئك الذين هدى اللّه‏ فبهداهم اقتده »(1) .
« لقد كان لكم فيهم اُسوة حسنة لمن كان يرجو اللّه‏ »(2) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الأنعام : 90 .
(2) الممتحنة : 6 .
(92) ··· فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
ونحن المسلمين اُسوتنا رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله كما أمرنا اللّه‏ بذلك :
« لقد كان لكم في رسول اللّه‏ اُسوة حسنة »(1) .
ثمّ من بعد الرسول الأعظم اُسوتنا وقدوتنا من خلّفهما الرسول الأكرم صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ،
أعني الثقلين : كتاب اللّه‏ وعترة النبيّ المختار عليهم‏السلام ، كما ورد في حديث الثقلين
المتواتر عند الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ فإنّ رسول الرحمة والإسلام لم يترك
الناس سدى من بعده ، بل خلّف فيهم الثقلين كتاب اللّه‏ وعترته ، ما إن تمسّكنا بهم
لن نضلّ أبدا ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا الحوض .
ثمّ نعتقد بحياة القرآن الكريم :
« يا أ يّها الذين آمنوا استجيبوا للّه‏ وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم »(2) .
كما نعتقد بحياة الأئمة الأطهار واُمّهم فاطمة الزهراء عليهم‏السلام ، فإنّهم أحياء
عند ربّهم يرزقون ، شهداء على الخلق وعلى هذه الاُمّة ، يرون أعمالهم .
ثمّ كما أنّ الرسول والأمير عليهماالسلام أبوا هذه الاُمّة كما قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : ( أنا
وعليّ أبوا هذه الاُمّة ) ، فإنّ فاطمة الزهراء كذلك اُمّهم ، كما هي اُمّ أبيها ، فهي قدوة
واُسوة كأبيها وبعلها وبنيها ، فكلّهم نور واحد في طريق الهدى ، وفي مقام التأسّي
والاقتداء .
إنّ فاطمة الزهراء سيّدة النساء عليها سلام اللّه‏ أبد الآبدين هي اُمّ المؤمنين
والمؤمنات على طول التاريخ البشري ، فهي اُمّ الأئمة النجباء عليهم‏السلام ، كما هي اُمّ
شيعتهم الكرام ، اُمّهم وقدوتهم في عالم المعنى والوجود والطينة .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الأحزاب : 21 .
(2) الأنفال : 24 .
فاطمة الزهراء عليهاالسلام اُسوة وقدوة ··· (93)
--------------------------------------------------------------------------------
فالزهراء عليهاالسلام اُسوة وقدوة ، إلاّ أن من يبغي الاقتداء بها تارة يتبلور ذلك
عنده بقراءة سيرتها ومطالعة حياتها ، فيتشبّه ـ الرجل ـ أو تتشبّه ـ المرأة ـ بها
عليها سلام اللّه‏ ، إلاّ أ نّه ربما يصعب ـ كما هو الحال ـ انطباق عصرنا الحاضر بما
فيه من التطوّر التكنولوجي والصناعي على زمانها ، فيعيش الحالة التضادّية أو
الانعزاليّة والانفرادية ، وتارةً يقتدي بها في أحاديثها وأقوالها الشريفة ، ولكن
يأتي الإشكال السابق مرّةً اُخرى ، فمن أقوالها : « خير النساء أن لا ترى الرجال
ولا يراها الرجال » ، وكيف ينطبق هذا على عصرنا الحاضر ؟ !
نعم ، يبقى التأسّي بها عليهاالسلام من حيث العلقة والارتباط الروحي والوجودي
والمعنوي ، فإنّها ـ روحي فداها ـ اُمّي في الوجود والمعنى والروح ، والاُمّ بالمعنى
الأوّل والثاني إنّما هي من ( الاُمّ المنفعلة ) أي نحن نذهب إليها فنأخذ من سيرتها
أو أقوالها ، ولكن بالمعنى الثالث من ( الاُمّ الفعّالة ) ، فهي التي تبارينا وتحفظنا
وترعانا بعينها وحضورها وحياتها ، فتراعينا بإمداداها الغيبي المستمدّ من اللّه‏
سبحانه وأنفاسها القدسيّة ، وإذا كنّا لا نحسّ بذلك في حياتنا الفعليّة ، فإنّ السبب
هو أ نّه أخرجنا يدنا من يدها ، فضعنا وتهنا وانحرفنا وسقطنا عند الانزلاق ، كما
يضيع الطفل ويتيه وينزلق ويسقط عندما يفارق اُمّه ، أو يريد أن يستقلّ عنها ، فإذا
كانت يدي بيد اُمّي فإنّي لا أضيع في حياتي المعاصرة ، ومتى ما تعثّرت رجلاي
فأهوى السقوط ، فإنّ اُمّي ترفعني وتحفظني من العثرة والسقوط والهبوط ،
فالعمدة أن نحكّم الأواصر والعلقة الوجوديّة بيننا وبين اُمّنا الزهراء عليهاالسلام ، بأن
نكون فاطميين في المعتقد والسلوك والمعنى والوجود والروح .
ثمّ الانتساب نسبا إلى فاطمة الزهراء عليهاالسلام وإن كان عند المشهور من
فقهائنا الأعلام من جهة الأب ، إلاّ أنّ ذلك باعتبار الأحكام الفقهيّة من أخذ
(94) ··· فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
--------------------------------------------------------------------------------
الخمس أو حرمة الصدقة عليهم ، وإلاّ فمن جهة الشرافة والاُمومة والتحريم
لا فرق بين ذرّية الزهراء عليهاالسلام ذكورا وإناثا ، فكلّهم من طرف الأب أو الاُم
ينتسبون إليها ، أضف إلى ذلك الانتساب السببي من جهة المصاهرة أو الرضاع ،
وحينئذٍ باعتبار ( حساب الاحتمالات ) المعروفة في علم الرياضيات والاُسس
المنطقيّة للاستقراء نرى أنّ أكثر شيعة العراق وإيران وحوالهيما ممّن ينتسبون إلى
بنت رسول اللّه‏ فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، إمّا سببا وإمّا نسبا من جهة أجدادهم
الماضين .
فإذا كانت فاطمة الزهراء عليهاالسلام قبل أربعة عشر قرنا ، وكان كلّ جيل من
الأجيال يقدّر بثلاثين عام ، فيكون بيننا وبينها 46 جيلاً تقريبا ، وإذا كان المولود
من فاطمة الزهراء نصفه ذكورا ونصفه اناثا ـ كما كان بوجود الحسنين
والزينبين عليهم‏السلام ـ فإنّه في النسل الخامس يلزم أن يكون السيّد الأبي نفرين
والباقي 30 نفرا من طرف الاُم ، ومع حساب الاحتمالات يلزم أن يكون في
عصرنا هذا برقم يتكوّن من تسعة أرقام تقريبا ، أي بمقدار سكّان الأرض في
الوقت الحاضر تقريبا ، فتدبّر .
وتبقى فاطمة الزهراء عليهاالسلام اُسوة وقدوة لكلّ البشريّة ، لا سيّما لشيعتها
الكرام ، بكلّ ما للاُسوة والقدوة من معاني ومصاديق ، فهي الاُم معنىً ووجودا
وجسدا وطينة ، وهي المعلّمة والمربّية ، وهي الصدّيقة الصادقة المصدّقة ، وهي
نجم الكون الزاهر وسرّ الوجود الباهر .
بعد  فهرست  قبل 
نسخ الرابط :  
 ." جميع الحقوق محفوظة للمؤسسة الإسلامِة العالمية " التبليغ و الإرشاد .
   
العربية    فارسي    English