الصور النشاطات السيرة  
الصور النشاطات السيرة  
الصوتيات المرئيات الکتب  
الصوتيات المرئيات الکتب  
الإتصال بنا القائمة العامة الإستفتائات  
الإتصال بنا القائمة العامة الإستفتائات  
       
 
   علوی.نت . العربیة . مکتبة الکتب . رسالات الإسلامیة . المجلد الثالث و العشرون - 23 . من نسیم المبعث النبوی . 3 .  

بعد  فهرست  قبل 
 من نسيم بعثة خاتم النبيّين محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله :
وأمّا بالنسبة إلى خصوص بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله فيقول عليه‏السلام كما يصوّر لنا الوضع الجاهلي آنذاك :
واشهدوا أنّ محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بالدين المشهور والعَلَم المأثور
والكتاب المسطور والنور الساطع والضياء اللامع والأمر الصادع ، إزاحةً
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الخطبة 144 .
(2) الخطبة 91 .
(16) ··· من نسيم المبعث النبوي
--------------------------------------------------------------------------------
للشبهات ، واحتجاجا بالبيّنات وتحذيرا بالآيات ، وتخويفا بالمثلات ، والناس
في فتن انجذم فيها حبل الدين ، وتزعزعت سواري اليقين ، واختلف النجر ،
وتشتّت الأمر ، وضاق المخرج وعَمِيَ المصدر ، فالهدى خامل والعمى شامل ،
عصى الرحمن ونُصر الشيطان وخُذِل الإيمان ، فانهارت دعائمه وتنكّرت معالمه
ودرست سبله ، وعفت شُرُكُه ، أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه ووردوا مناهله ،
بهم سارت أعلامه وقام لواؤه ، في فتن داستهم بأخفافهما ووطئتهم بأظلافها ،
وقامت على سنابكها ، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون في خير دارٍ
وشرّ جيران ، نومهم سهود وكحلهم دموع ، بأرض عالِمها ملجم ، وجاهلها
مكرم(1) .
وقال عليه‏السلام : أرسله على حين فترة من الرسل ، وطول هجعة من الاُمم
واعتزام من الفتن ، وانتشار من الاُمور ، وتلظّ من الحروب ، والدنيا كاسفة النور ،
ظاهرة الغرور ، على حين اصفرار من ورقها ، وإياس من ثمرها ، واغورار من
مائها ، قد درست منارُ الهدى ، وظهرت أعلام الردى ، فهي متهجّمة لأهلها ، عابسة
في وجه طالبها ، ثمرها الفتنة ، وطعامها الجيفة ، وشعارها الخوف ، ودثارها
السيف(2) .
وقال عليه‏السلام : إنّ اللّه‏ بعث محمّدا صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم نذيرا للعالمين ، وأمينا على التنزيل ،
وأنتم معشر العرب على شرّ دين ، وفي شرّ دار ، منيخون بين حجارةٍ خُشن ،
وحَيّاتٍ صُمّ ، تشربون الكدر ، وتأكلون الجَشِب ، وتسفكون دماءكم ، وتقطعون
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الخطبة 2 .
(2) الخطبة 89 .
تقديم ··· (17)
--------------------------------------------------------------------------------
أرحامكم ، الأصنام فيكم منصوبة ، والآثام بكم معصوبة(1) .
وقال أيضا عليه‏السلام : إنّ اللّه‏ بعث محمّدا صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وليس أحد من العرب يقرأ كتابا ،
ولا يدّعي نبوّةً ، فساق الناس حتّى بوّأهم محلّتهم ، وبلّغهم منجاتهم ، فاستقامت
قناتهم ، واطمأنّت صفاتهم(2) .
« بعثه والناس ضُلاّل في حيرةٍ ، وحاطبون في فتنةٍ ، قد استهوتهم الأهواء ،
واستزلّتهم الكبرياء ، واستخفّتهم الجاهليّه الجهلاء ، حيارى في زلزالٍ من الأمر ،
وبلاءٍ من الجهل ، فبالغ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في النصيحة ، ومضى على الطريقة ، ودعا إلى الحكمة
والموعظة الحسنة »(3) .
وقال في خطبةٍ اُخرى : أمّا بعد ، فإنّ اللّه‏ سبحانه بعث محمّدا صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وليس
أحد من العرب يقرأ كتابا ، ولا يدّعي نبوّةً ولا وحيا ، فقاتل بمن أطاعه من عصاه ،
يسوقهم إلى منجاتهم ، ويبادر بهم الساعة أن تنزل بهم ، يحسر الحسير ويقف
الكسير ، فيقيم عليه حتّى يلحقه غايته ، إلاّ هالكا لا خير فيه . حتّى أراهم منجاتهم
وبوّأهم محلّتهم ، فاستدارت رحاهم واستقامت قناتهم(4) .
هذا ، وكلّما يمعن الباحث المحقّق النظر ، ويسبر في مثل هذه الكلمات
النورانيّة والعبائر العلويّة ، وأمثالها الكثير من معدن النبوّة وأئمّة أهل البيت
الأطهار عليهم‏السلام يقف على حقائق جديدة ومعارف سامية ، تفتح آفاقا يشعّ منها
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الخطبة 89 .
(2) الخطبة 33 .
(3) الخطبة 95 .
(4) الخطبة 104 .
(18) ··· من نسيم المبعث النبوي
--------------------------------------------------------------------------------
أنوار الصباح المبارك . ويعرف أنّ الدين الإسلامي نبيّه الأعظم محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله إنّما هو
الدين الكامل الذي من يبتغِ غيره فلن يقبل منه ، وإنّه الدين الخالد إلى يوم القيامة
يتماشى في أحكامه وقوانينه الفطريّة مع كلّ زمانٍ ومكان ، وعلى العلماء الأعلام
أن يستنطقوا كتاب الإسلام القرآن الكريم أوّلاً ، وسنّة نبيّ الإسلام محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ثانيا ، وأحاديث أهل بيته الأطهار العترة الهداة الأبرار عليهم‏السلام ثالثا ، فإنّ القرآن
والعترة هما الثقلان بعد رسول اللّه‏ ما إن تمسّكنا بهما في كلّ مجالات الحياة في
العقائد والفقه والأخلاق وغيرها فلن نضلّ أبدا ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا
الحوض يوم القيامة(1) .
فالنبيّ الأعظم محمّد أبرز شخصيّة خالدة في التاريخ الإنساني وفي الكون
كلّه ، قد تجمّعت في هذه الشخصيّة المتميّزة فيما سوى اللّه‏ سبحانه كلّ معاني
الجلال والجمال والكمال والفضيلة والمعالي ، فإنّه الإنسان الكامل جامع الجمع
مرآة أسماء اللّه‏ وصفاته .
فاق النبيّين في خَلقٍ وفي خُلقٍ ولم يدانوه في فضلٍ وفي كرمِ
وكلٌّ من رسول اللّه‏ِ مرتشفٍ غرفا من البحر أو رشفا من الديمِ
ــــــــــــــــــــــــــــــ بلغ العلى بكماله كشف الدجى بجماله
حسنت جميع خصاله صلّوا عليه وآله
ــــــــــــــــــــــــــــــ --------------------------------------------------------------------------------
(1) ذكرت حديث الثقلين بالتفصيل سندا ومتنا ودلالةً في كتاب ( في رحاب حديث
الثقلين ) ، مطبوع فراجع .
تقديم ··· (19)
--------------------------------------------------------------------------------
واستطاع رسول اللّه‏ وحبيبه محمّد المصطفى صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أن يوجد اُمّة حضاريّة
ومتمدّنة قائمة على العلم والفنّ والفكر والحرّيّة والمساواة واحترام حقوق
الإنسان وكلّ المكارم والفضائل الفرديّة والاجتماعيّة ، بعد أن كانت تعيش
الجاهليّة الجهلاء والظلاميّة في جميع مجالات حياتها .
يقول الكاتب ( ويل ديورانت ) في كتابه المعروف ( قصّة الحضارة ) :
وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إنّ محمّدا
كان من أعظم عظماء التاريخ ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي
والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجيّة حرارة الجوّ وجدب الصحراء ، وقد
نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحا لم يدانه فيه أيّ مصلح آخر في التاريخ كلّه ...
ودين بلاده القديم دينا سهلاً واضحا قويّا ... واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في
مئة معركة ، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة ، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوّة
ذات خطر عظيم في نصف العالم .
وقال الدكتور ( مايكل هارت ) الفلكي المعروف في هيئة الفضاء الأمريكيّة
في كتابه ( المائة الأوائل ) وهو تقويم لأعظم الناس أثرا في التاريخ : إنّ اختياري
لمحمّد ليكون في رأس القائمة التي تضمّ الاختيار ربما أدهش كثيرا من القرّاء إلى
حدّ أ نّه قد يثير بعض التساؤلات ، ولكن في اعتقادي أنّ محمّدا كان الرجل
الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني
والدنيوي . لقد أسّس محمّد ونشر أحد أعظم الأديان في العالم ، وأصبح أحد
الزعماء العالميّين السياسيّين العظام ، ففي هذه الأيّام وبعد مرور ثلاثة عشر قرنا
تقريبا على وفاته ، فإنّ تأثيره لا يزال قويّا وعارما ومتجدّدا .
ويقول الكاتب الكبير ( برنارد شو ) : إنّي اُكنّ كلّ تقدير لدين محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله (20) ··· من نسيم المبعث النبوي
--------------------------------------------------------------------------------
لحيويّته العجيبة ، فهو الدين الوحيد الذي يبدو لي أنّ له طاقة هائلة لملاءمة أوجه
الحياة المتغيّرة ، وصالح لكلّ العصور ، لقد درست حياة هذا الرجل العجيب ، وفي
رأيي أ نّه يجب أن يسمّى منقذ البشريّة .
أجل ، هذا ما يشهد به غير المسلمين من العلماء والعباقرة ، وأمّا نحن
المسلمون فمن منّا يمكنه أن يصف نبيّه ويعرف مقامه ويقف على فلسفة بعثته ،
فما عندنا إلاّ نسيم وشميم من تلك الواحة التي تسع الكون وما وراءه ، فإنّ اللّه‏
سبحانه قد فضّله على خلقه وكرّمه بكرامات لا تعدّ ، وخصّه بمزايا عظيمة
لا تحصى ، وحباه بفضائل كثيرة ، وأعطاه من المقامات الرفيعة والمنازل العالية
منذ أن خلقه ما لم يعطه لأحد من قبله ولا من بعده ، حتّى الأنبياء والمرسلين ،
فلولاه لما خلق اللّه‏ الأفلاك .
وقد أعطاه الوسيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود ، والكوثر بكلّ ما
للكوثر من معنى ، ورفع ذكره في الدنيا والآخرة :
« وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ »(1) .
فلا يذكر اللّه‏ تعالى بالتوحيد إلاّ ويذكر من بعده محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله بالرسالة والنبوّة .
ولم يناده اللّه‏ تعالى باسمه وإنّما ناداه بأشرف الأوصاف فقال تعالى :
« يَا أ يُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إلَيْكَ »(2) .
وقال عزّ وجلّ :
« يَا أيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّه‏ُ »(3) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الانشراح : 4 .
(2) المائدة : 67 .
(3) الأنفال : 64 .
تقديم ··· (21)
--------------------------------------------------------------------------------
وقد خاطب الأنبياء من قبل بأسمائهم فقال :
« يَا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ »(1) .
« يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا »(2) .
« يَا إبْرَاهِيمُ أعْرِضْ عَنْ هَذَا »(3) .
« يَا دَاوُودُ إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً »(4) .
« يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي »(5) .
أجل ، إنّ اللّه‏ قد ذكر الأنبياء وخصّ منهم خمسة اُولي العزم وقدّم النبيّ
عليهم مع تقدّم زمانهم ، وإنّما فعل ذلك لبيان فضله وشرفه وتقدّمه على الجميع ،
فقال سبحانه :
« وَإذْ أخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإ بْرَاهِيمَ وَمُوسَى
وَعِيسَى ا بْنِ مَرْيَمَ وَأخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقا غَلِيظا »(6) .
وقد زكّاه تعالى بقوله :
« وَمَا أرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ »(7) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) البقرة : 35 .
(2) هود : 48 .
(3) هود : 76 .
(4) ص : 26 .
(5) المائدة : 110 .
(6) الأحزاب : 7 .
(7) الأنبياء : 107 .
(22) ··· من نسيم المبعث النبوي
--------------------------------------------------------------------------------
وزكّى عقله فقال :
« مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى »(1) .
وزكّى فؤاده فقال :
« مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأى »(2) .
وزكّى بصره فقال :
« مَا زَاغَ الـبَصَرُ وَمَا طَغَى »(3) .
وزكّى لسانه فقال :
« وَمَا يَـنْطِقُ عَنِ الهَوَى »(4) .
وزكّى خلقه فقال :
« وَإنَّكَ لَعَلى خُـلُقٍ عَـظِيمٍ »(5) .
وزكّى دينه فقال :
« إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى »(6) .
ثمّ من يصل إلى مقام تزكية الخلق من قبل ربّ العالمين إلاّ النبيّ الأعظم
الذي أدّبه اللّه‏ فأحسن تأديبه ، فتخلّق بأخلاق اللّه‏ وتجلّت فيه أسماؤه الحسنى
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النجم : 2 .
(2) النجم : 11 .
(3) النجم : 17 .
(4) النجم : 3 .
(5) القلم : 4 .
(6) النجم : 4 .
تقديم ··· (23)
--------------------------------------------------------------------------------
وصفاته العليا ، حتّى قرب من ربّه قاب قوسين أو أدنى .
وأ نّى لنا أن نصف النبيّ الأعظم ، وقد مدحه اللّه‏ ووصفه فانقطع الخطاب .
إنّ يهوديّا من فصحاء اليهود قال لأمير المؤمنين عليّ عليه‏السلام : أخبرني عن
أخلاق رسولكم ؟
فقال له عليه‏السلام : صف لي متاع الدنيا حتّى أصف لك أخلاقه .
قال اليهودي : هذا لا يتيسّر لي .
فقال عليه‏السلام : عجزت عن وصف متاع الدنيا ، وقد شهد اللّه‏ على قلّته في قوله
تعالى : « قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ »(1) ، فكيف أصف لك أخلاق النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وقد شهد
اللّه‏ تعالى بأ نّه عظيم في قوله : « وَإنَّكَ لَعَلى خُـلُقٍ عَـظِيمٍ »(2) .
لقد أكمل اللّه‏ دينه بالإسلام ، وختم البعثة والنبوّة بحبيبه وعبده ورسوله
محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، وما السعادة في الدنيا والآخرة إلاّ بتطبيق دين محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ، فمن نسيم
بعثته تحيى النفوس وتتكامل العقول وتزكّى القلوب وتطيب الأرواح ، ويسعد
الإنسان في معاشه ومعاده على كلّ الأصعدة والمجالات .
بعد  فهرست  قبل 
نسخ الرابط :  
 ." جميع الحقوق محفوظة للمؤسسة الإسلامِة العالمية " التبليغ و الإرشاد .
   
العربية    فارسي    English