ختامه
مسك :
وختاما من الكرامات
والمقامات التي أعطاها
اللّه تعالى لرسوله
الأكرم
محمّد
صلىاللهعليهوآله أ
نّه تعالى أوجب على
المسلمين والمؤمنين أن
يصلّوا على نبيّهم في كلّ
صلاة مفروضة ومندوبة ،
فقال عزّ وجلّ :
--------------------------------------------------------------------------------
(1) النساء : 77 .
(2) فضائل الخمسة من
الصحاح الستّة 1 : 141 .
(24) ··· من نسيم المبعث
النبوي
--------------------------------------------------------------------------------
« إنَّ اللّهَ
وَمَلائِكَـتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أ يُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيما
»(1) .
هذا من أجمل التكريم
الإلهي لنبيّه الأعظم ،
فإنّه لم يحظَ به أحد من
الأوّلين والآخرين حتّى
الأنبياء والمرسلين
عليهمالسلام .
لقد سأل يهودي أمير
المؤمنين عليّ
عليهالسلام عن فضل
النبيّ
صلىاللهعليهوآله على
سائر
الأنبياء عليهمالسلام
وذكر له أنّ اللّه أسجد
ملائكته لآدم عليهالسلام
فقال أمير المؤمنين
عليهالسلام :
وقد أعطى اللّه محمّدا
صلىاللهعليهوآله أفضل
من ذلك وهو أنّ اللّه
صلّى عليه ، وأمر ملائكته
أن
يصلّوا عليه ، وتعبّد
جميع خلقه بالصلاة عليه
إلى يوم القيامة ، فقال
جلّ ثناؤه :
« إنَّ اللّهَ
وَمَلائِكَـتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أ يُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ
وَسَلِّمُوا تَسْلِيما »
.
فلا يصلّي عليه أحد في
حياته ولا بعد وفاته ،
إلاّ صلّى اللّه عليه
بذلك
عشرا ، وأعطاه من الحسنات
عشرا بكلّ صلاة صلّى عليه
، ولا يصلّي عليه أحد
بعد وفاته إلاّ وهو يعلم
بذلك ، ويرد على المصلّي
السلام مثل ذلك ، لأنّ
اللّه جلّ
وعزّ جعل دعاء اُمّته
فيما يسألون ربّهم جلّ
ثناؤه موقوفا على الإجابة
، حتّى
يصلّوا عليه
صلىاللهعليهوآله ،
فهذا أكبر وأعظم ممّا
أعطى اللّه آدم(2) .
ثمّ أدام اللّه الرسالة
المحمّديّة بالإمامة
العلويّة ، فكرّم اللّه
سبحانه
( آل محمّد ) تكريما
خاصّا يدلّ على إمامتهم
على الناس بعد رسول
اللّه
صلىاللهعليهوآله
وعلى أفضليّتهم على سائر
الخلق بعد رسول اللّه ،
وذلك بأن أمر الناس
بالصلاة
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الأحزاب : 56 .
(2) مستدرك الوسائل :
الباب 31 من أبواب الذكر
، الحديث 11 .
تقديم ··· (25)
--------------------------------------------------------------------------------
عليهم في كلّ صلاة .
يقول المحقّق الكبير
السيّد عبد الحسين شرف
الدين في كتابه القيّم
( المراجعات )(1) :
وحسبنا إيثارهم على من
سواهم إيثار اللّه عزّ
وجلّ إيّاهم حتّى
جعل الصلاة عليهم جزءا من
الصلاة المفروضة على جميع
عباده ، فلا تصحّ بدونها
صلاة أحد من العالمين
صدّيقا كان أو فاروقا أو
ذا نورا ونورين أو أنوار
، لا بل
لكلّ من عبد اللّه
بفرائضه أن يعبده في
أثنائها بالصلاة عليهم ،
كما يعبده
بالشهادتين .
اللهمّ صلّ وسلّم على خير
خلقك وأشرف رسلك وأوصيائك
محمّد وآله
الطاهرين المعصومين صلاةً
دائمةً نامية طيّبة
مباركة باقية ، لا انقطاع
لأمدها ،
ولا منتهى لأبدها ، واجعل
ذلك سببا لشفاعتهم ،
ومغفرةً لذنوبنا وقربنا
منك ومن
أوليائك في مقعد صدق من
جنّاتك ورضوانك برحمتك يا
أرحم الراحمين .
إنّ الصلاة على النبيّ
وآله الأطهار دعاء يمثّل
الصلة التكوينيّة
والتشريعيّة
بين العبد وربّه ، وبين
النبيّ واُمّته ،
والموالي وأولياء النعمة
والهداية ، كما يمثّل
الشكر والعرفان بالجميل
لهم صلوات اللّه عليهم
أبد الآبدين على ما بذلوه
من أجل
الدين وهداية الناس إلى
سعادة الدارين .
وعبادة اللّه إنّما تتمّ
وتكمل بمعرفة النبيّ
والأئمّة من بعده وقبول
ولايتهم
والبراءة من أعدائهم .
عن أبي حمزة الثمالي قال
: قال لي أبو جعفر
عليهالسلام : إنّما يعبد
اللّه من يعرف
اللّه ، فأمّا من لا
يعرف اللّه فإنّما يعبده
هكذا ضلالاً ، قلت : جعلت
فداك ، فما معرفة
--------------------------------------------------------------------------------
(1) المراجعات : 51 .
(26) ··· من نسيم المبعث
النبوي
--------------------------------------------------------------------------------
اللّه ؟ قال : تصديق
اللّه عزّ وجلّ وتصديق
رسوله
صلىاللهعليهوآله
وموالاة عليّ عليهالسلام
والائتمام
به وبأئمّة الهدى
عليهمالسلام والبراءة
إلى اللّه عزّ وجلّ من
عدوّهم ، هكذا يعرف
اللّه
عزّ وجلّ(1) .
فالمعرفة الواجبة
والكاملة هي الإيمان
باللّه والرسول والأئمّة
الاثنى عشر
من بعده كلّهم من قريش .
عن جابر بن عبد اللّه
الأنصاري أ نّه قال :
لمّا أنزل اللّه عزّ
وجلّ على نبيّه
محمّد
صلىاللهعليهوآله : «
أطِيعُوا اللّهَ
وَأطِيعُوا الرَّسُولَ
وَاُوْلِي الأمْرِ
مِنْكُمْ »(2) ، قلت :
يا رسول اللّه ، عرفنا
اللّه ورسوله ، فمن
اُولي الأمر الذين قرن
اللّه طاعتهم
بطاعتك ؟
فقال صلىاللهعليهوآله
: هم خلفائي يا جابر ،
وأئمّة المسلمين من بعدي
، أوّلهم عليّ بن
أبي طالب ، ثمّ الحسن ،
ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن
الحسين ، ثمّ محمّد بن
عليّ
المعروف في التوراة
بالباقر ، وستدركه يا
جابر ، فإذا لقيته فاقرأه
منّي السلام ، ثمّ
الصادق جعفر بن محمّد ،
ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ
عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد
بن
عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد
، ثمّ الحسن بن عليّ ،
ثمّ ابن الحسن بن عليّ
سميّي وكنيّي
حجّة اللّه في أرضه
وبقيّة اللّه في بلاده ،
ذلك الذي يفتح اللّه
تعالى ذكره على يده
مشارق الأرض ومغاربها ،
ذلك الذي يغيب عن شيعته
وأوليائه غيبة لا يثبت
فيها
على القول بإمامته إلاّ
من امتحن اللّه قلبه
للإيمان .
قال جابر : فقلت له : يا
رسول اللّه ، فهل يقع
لشيعته الانتفاع به في
غيبته ؟
--------------------------------------------------------------------------------
(1) اُصول الكافي 1 : 180
.
(2) النساء : 59 .
تقديم ··· (27)
--------------------------------------------------------------------------------
قال صلىاللهعليهوآله
: إي والذي بعثني
بالنبوّة إنّهم يستضيئون
بنوره ، وينتفعون بولايته
في غيبته كانتفاع الناس
بالشمس وإن تجلاّها سحاب
.
ثمّ قال : يا جابر ، هذا
من مكنون سرّ اللّه ،
ومخزون علم اللّه ،
فاكتمه إلاّ عن
أهله .
هذا ، والهدف من خلقة
الإنسان وفلسفة الحياة هو
إيصال الإنسان إلى
الكمال والسعادة المعبّر
عنه في القرآن الكريم
بالرحمة في قوله تعالى :
« وَلا يَزَالُونَ
مُخْتَلِفِينَ * إلاَّ
مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ
وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ
»(1) ، أي خلقهم
للرحمة .
ولا يكون هذا الأمر إلاّ
بالعلم والعبادة ، فإنّه
سبحانه :
« خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي
الأرْضِ جَمِيعا »(2) .
« وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ
وَالإنسَ إلاَّ
لِـيَعْبُدُونِ »(3) ، أي
ليعرفون ، كما عند
الإمام الباقر
عليهالسلام .
عن الإمام الحسين سيّد
الشهداء عليهالسلام :
إنّ اللّه ما خلق العباد
إلاّ ليعرفوه ،
فإذا عرفوه عبدوه
واستغنوا بعبادته عن سواه
، فقال له رجل : بأبي أنت
واُمّي
فما معرفة اللّه ؟ فقال
عليهالسلام : معرفة أهل
كلّ زمان إمامهم الذي تجب
عليهم
طاعته(4) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) هود : 118 ـ 119 .
(2) البقرة : 29 .
(3) الذاريات : 56 .
(4) موسوعة كلمات الإمام
الحسين عليهالسلام : 540
.
(28) ··· من نسيم المبعث
النبوي
--------------------------------------------------------------------------------
فإنّه ورد في حديث النبيّ
ـ كما هو ثابت عند
الفريقين السنّة والشيعة
أ نّه قال : من مات ولم
يعرف إمام زمانه مات ميتة
الجاهليّة ، ميتة الكفر
والضلال .
وإنّما نحتفل في كلّ عام
في ليلة المبعث النبويّ
الشريف في يومه المبارك
لنعرف ديننا ونقترب من
نبيّنا وإمام زماننا ،
ونعلن البيعة والطاعة له
، وبهذا نفوز
بسعادة الدارين .
اللهمّ إنّا نرغب إليك في
دولة كريمة تعزّ بها
الإسلام وأهله ، وتذلّ
بها النفاق
وأهله ، وتجعلنا فيها من
الدعاة إلى طاعتك والقادة
إلى سبيلك ، وترزقنا فيها
كرامة الدنيا والآخرة .
اللهمّ ما عرّفتنا من
الحقّ فحمّلناه ، وما
قصُرنا عنه فبلّغناه ،
اللهمّ المُم به
شعثنا واشعب به صدعنا ،
وارتق به فتقنا ، وكثّر
به قلّتنا ، وأعزز به
ذلّتنا ، وأغنِ به
عائلنا ، واقضِ به عن
مغرمنا ، واجبر به فقرنا
، وسدّ به خلّتنا ، ويسّر
به عسرنا ،
وبيّض به وجوهنا ، وفكّ
به أسرنا ، وأنجح به
طلبتنا ، وأنجز به
مواعيدنا ، واستجب
به دعوتنا ، وأعطنا به
سُؤلنا ، وبلّغنا به من
الدنيا والآخرة آمالنا ،
وأعطنا به فوق
رغبتنا ، يا خير
المسؤولين وأوسع المعطين
.
اشفِ به صدورنا ، وأذهب
به غيظ قلوبنا ، واهدنا
به لما اختُلف فيه من
الحقّ
بإذنك ، إنّك تعدي من
تشاء إلى صراط مستقيم .
وانصرنا به على عدوّك
وعدوّنا إله الحقّ آمين .
اللهمّ إنّا نشكو إليك
فقد نبيّنا
صلواتك عليه وآله ، وغيبة
وليّنا ، وكثرة عدوّنا ،
وقلّة عددنا ، وشدّة
الفتن بنا ،
وتظاهر الزمان علينا ،
فصلّ على محمّد وآله ،
وأعنّا على ذلك بفتحٍ منك
تعجّله
وبضرٍّ تكشفه ونصرٍ تعزّه
وسلطان حقّ تظهره ،
ورحمةٍ منك تجلّلناها ،
وعافيةٍ منك
تقديم ··· (29)
--------------------------------------------------------------------------------
تلبسناها ، برحمتك يا
أرحم الراحمين(1) .
أين ابن النبيّ المصطفى ،
وابن عليّ المرتضى ، وابن
فاطمة الزهراء ، وابن
خديجة الكبرى ؟ أين باب
اللّه الذي منه يؤتى ؟
أين وجه اللّه الذي إليه
يتوجّه
الأولياء ؟ أين السبب
المتّصل بين الأرض
والسماء ؟ أين صاحب يوم
الفتح
وناشر راية الهدى ؟ أين
مؤلّف شمل الصلاح والرضا
؟ أين الطالب بذحول
الأنبياء
وأبناء الأنبياء ؟ أين
الطالب بدم المقتول
بكربلاء ؟
بأبي أنت واُمّي ، ونفسي
لك الوقاء والحمى ، ليت
شعري أين استقرّت بك
النوى ؟ بل أيّ أرض تقلّك
أو ثرى ؟ عزيزٌ عليَّ أن
أرى الخلق ولا تُرى ،
ولا أسمع لك حسيسا ولا
نجوى ، عزيزٌ عليّ أن
تحيط بك دوني البلوى ولا
ينالك
منّي ضجيج ولا شكوى ...
يا مولاي وابن مولاي ،
إلى متى وأيّ خطاب أصف
فيك وأيّ نجوى ؟ عزيزٌ
عليّ أن اُجاب دونك
واُناغى ، عزيزٌ عليّ أن
أبكيك
ويخذلك الورى ... هل من
معين فاُطيل معه العويل
والبكاء ... ؟ هل إليك يا
ابن
أحمد سبيل فتلقى ؟ هل
يتّصل يومنا منك بعدة
فنحظى ؟ متى نرد مناهلك
الرويّة
فنروى ؟ متى ننتفع من عذب
مائك فقد طال الصدى ؟ متى
ترانا ونراك وقد نشرت
لواء النصر ؟ أترانا نحفّ
بك وأنت تؤمّ الملا وقد
ملأت الأرض عدلاً وأذقت
أعدائك هوانا وعقابا
وأبرت العُتاة وجحدة
الحقّ وقطعت دابر
المتكبّرين
واجتثثت اُصول الظالمين ؟
ونحن نقول الحمد للّه
ربّ العالمين(2) .
اللهمّ إنّي أسألك
بالتجلّي الأعظم في هذه
الليلة من الشهر المعظّم
والمرسل
--------------------------------------------------------------------------------
(1) من دعاء الافتتاح في
ليالي شهر رمضان ، مفاتيح
الجنان : 299 .
(2) من دعاء الندبة ،
مفاتيح الجنان : 537 .
(30) ··· من نسيم المبعث
النبوي
--------------------------------------------------------------------------------
المكرّم أن تصلّي على
محمّد وآله ، وأن تغفر
لنا ما أنت به منّا أعلم
، يا من يعلم
ولا نعلم . اللهمّ بارك
لنا في ليلتنا هذه التي
بشرف الرسالة فضّلتها
وبكرامتك
أجللتها وبالمحلّ الشريف
أحللتها . اللهمّ فإنّا
نسألك بالمبعث الشريف
والسيّد
اللطيف والعنصر العفيف أن
تصلّي على محمّد وآله ،
وأن تجعل أعمالنا في هذه
الليلة وفي سائر الليالي
مقبولة وذنوبنا مغفورة ،
وأرزاقنا من لدنك باليسر
مدرورة ...
اللهمّ فصلّ على محمّد
وآله ، واجعل اليقين في
قلبي والنور في بصري
والنصيحة في صدر ، وذكرك
بالليل والنهار على لساني
، ورزقا واسعا غير ممنون
ولا محظور ، فارزقني
وبارك لي فيما رزقتني ،
واجعل غناي في نفسي
ورغبتي
فيما عندك برحمتك يا أرحم
الراحمين(1) .
اللهمّ وبارك لنا في
يومنا هذا الذي فضّلته
وبكرامتك جلّلته ،
وبالمنزل
العظيم الأعلى أنزلته ،
صلّ على من فيه إلى عبادك
أرسلته ، وبالمحلّ الكريم
أحللته . اللهمّ صلّ عليه
صلاة دائمة تكون لك شكرا
ولنا ذخرا ، واجعل لنا من
أمرنا يُسرا ، واختم لنا
بالسعادة إلى منتهى
آجالنا ، وقد قبلت اليسير
من أعمالنا ،
وبلّغتنا برحمتك أفضل
آمالنا ، إنّك على كلّ
شيء قدير ، وصلّى اللّه
على محمّد
وآله وسلّم(2) .
وآخر دعوانا أن الحمد
للّه ربّ العالمين .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) مفاتيح الجنان : 151
، من دعاء ليلة المبعث 27
رجب .
(2) مفاتيح الجنان : 154
، من دعاء يوم المبعث .