ربما يزعم الإنسان أنّه جرم صغير حينما يرى سعة الكون ورحبه ، ولكنّ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول في الديوان المنسوب إليه :
أتزعم أ نّك جرمٌ صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر
ومثل الإنسان في عالم الإمكان لكثير ، ممّـا يتصوّره الإنسان أنّه ذو حجم صغير لا قيمة له ، ولكن يرى أنّه يصنع العجائب والغرائب ، وكذلك الأمر في عالم الصداقة ، فهناك اُمور صغيرة في بداية الأمر ، ربما يتصوّر أن لا أثر لها ولا قيمة ، ولكن يمكنها أن تصنع المعجزات في أواصر العلاقة مع الناس ، وتكسب المزيد من الأصدقاء ، وتوطّد العلاقة الحميمة معهم.
فمنها : الهدية فإنّها رمز المحبّة ، فإنّ الصدقة تحرم على النبيّ الأكرم وأهل بيته ، ولكن يستحبّ أن يهدي له بهدية ، ويقول (صلى الله عليه وآله) : « لو اُهدي لي كراع لقبلت » ، ويقول الإمام الكاظم (عليه السلام) : « لو حمل إلينا زكاة وعلمنا أنّها زكاة رددناها ، وإذا كانت هديّة قبلناها » ، فتكرم أخاك وصديقك بالهديّة وليست في قيمتها المادية بل في قيمتها المعنوية.
ومن حقّ الاُخوّة قبول الهدايا ، فقد قال رسول الله في حقوق الأخ : « أن يقبل تحفته ، ويتحفه بما عنده ، ولا يتكلّف له شيء » ، فإنّ الهديّة أقصر الطرق إلى قلوب الناس ، فإنّك تعقد حبل المودّة بينك وبينهم ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « الهدية تورث المحبّة » ، كما إنّ الهديّة تجدّد العلاقة بين الأصدقاء ، يقول النبيّ الأكرم : « الهديّة تجدّد الاُخوّة وتذهب بالضغينة » ، وقال : « تهادوا فإنّ الهدية تغسل السخائم ( الأحقاد ) كما إنّها تقضي الحاجات » ، قال النبي الأعظم : « نعمت الهدية عند الحاجة » . « الهدية مفتاح الحوائج » ، « الهدية تفتح الباب المصمت ».
فإذا انغلقت الأبواب فعليك بالهدايا ، فإنّها خير مفتاح ، وهي تخالف الرشوة فإنّها لفتح الباب عليك من دون أن تغلق أبواب الآخرين ، ولكنّ الرشوة تعني غلق باب الآخرين ، وهضم الحقوق ، ومخالفة الحقوق . ثمّ الهدية ردّ جميل على الهدايا ، والرسول الأكرم يقول : « تهادوا وتحابّوا » ، فتردّ الهدية بهدية ، وهذا ممّـا يزيد في المحبّة ، وجاء في الحديث الشريف : « إنّ التهادي من عمل حور العين ».
ويقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « ما استعطف السلطان ولا استسلّ سخيمة الغضبان ، ولا استميل المهجور ، ولا استنجح صعاب الاُمور ، ولا استدفعت الشرور بمثل الهدية » ، وليس المطلوب أن تكون الهدايا مادية ، فربما تكون كلمة طيّبة وقول معروف ، والله يقول : ( قَوْلٌ مَعْروفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَة يَتْبَعُها أذىً )[1].
ويقول الرسول الأكرم : « ما أهدى المرء المسلم إلى أخيه هدية أفضل من حكمة يزيده الله بها هدىً أو يردّ عنه ردى » ، « إنّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان ، فاهدوا إليها طرائف الحكم » ، وقال جبرئيل لرسول الله : إنّ الله أرسلني إليك بهديّة لم يعطها أحداً قبلك ، فقال النبيّ : وما هي ؟ فقال جبرئيل : الصبر ، وأحسن منه الرضى.
ومنها : زيارة الأصدقاء والأحبّة ، فإنّ الابتعاد يجعل الإنسان منسيّاً ، كما في الزيارة ثواب وأجر ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « سر سنتين برّ والديك ، وسر سنة صل رحمك ، وسر ميلا عد مريضاً ، وسر ميلين شيّع جنازة ، وسر ثلاثة أميال أجب دعوة ، وسر أربعة أميال زر أخاك لله ، وسر خمسة أميال اُنصر مظلوماً ، وسر ستّة أميال أغث ملهوفاً ، وعليك بالاستغفار » ، وقال : « من زار أخاه في بيته قال تعالى : أنت ضيفي وزائري وقد أوجبت لك الجنّة لزيارتك إيّاه ».
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « تزاوروا فإنّ زيارتكم إحياء لقلوبكم ، وإحياء القلوب وذكر الأحاديث يعطف بعضكم على بعض ، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، فإن تركتموها ظلمتم وهلكتم ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم » ، وقال (عليه السلام)لبعض أصحابه : « أبلغ من ترى من مواليي السلام ، وأوصهم بتقوى الله العظيم ، وأن يعود صحيحهم على مريضهم ، وأن يعطف غنيّهم على فقيرهم ، وأن يشهد حيّهم جنازة ميّتهم ، وأن يتلاقوا في بيوتهم ، فإنّ لقاء بعضهم لبعض حياة لأمرنا ، فرحم الله عبداً أحيا أمرنا ».
ويقول أبو الحسن (عليه السلام) : « ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في الله بعضهم لبعض ».
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « ملاقاة الإخوان نشرة العقل وإن كان نزراً قليلا » ، وقال (عليه السلام) : « إنّ من روح الله تعالى ثلاثة : التعبّد في الليل ، وإفطار الصائم ، ولقاء الإخوان » ، وفي آخر : « زر أخاك في الله فإنّما منزلة أخيك منزلة يديك تزور هذه عن هذه ».
وعن رسول الله : « إنّ ملكاً لقي رجلا قائماً على باب دار فقال له : يا عبد الله ، ما حاجتك في هذه الدار ؟ قال : أخٌ لي فيها أردت أن اُسلّم عليه ، قال الملك : هل بينك وبينه رحم ماسّة ؟ أو نزعتك إليه حاجة ؟ فقال لرجل : ما لي إليه حاجة غير أ نّي أتعهّده في الله ربّ العالمين . فقال له الملك : إنّي رسول الله إليك ، وهو يقرأك السلام ويقول : إيّاي زرت فقد أوجبت لك الجنّة ، وقد عافيتك من غضبي ومن النار لحبّك إيّاه فيّ » ، وفي حديث آخر : « إنّ الله يوم القيامة يعاتب بعض الناس قائلا لهم : مرضت فلم تعودوني واحتجت فلم تعطوني ؟ فيقولون : كيف مرضت وأنت ربّ العزّة ؟ وكيف احتجت وأنت خالق السماوات والأرض ؟ فيقول تعالى : عبدي المؤمن صار مريضاً ، إنّ زيارته زيارتي ، وقضاء حاجته قضاء حاجتي ، فلِمَ لم تزوروه ولم تقضوا حاجته ؟ ».
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : ثلاثة من خاصّة الله عزّ وجلّ يوم القيامة : رجل زار أخاه في الله فهو زائر الله ، وعلى الله أن يكرمه ويعطيه ما سأل ، ورجل دخل المسجد فصلّى ثمّ عقّب فيه انتظاراً للصلاة الاُخرى ، والثالث الحاجّ والمعتمر فهما وفد الله وحقّ على الله أن يكرم وفده » . ويقول (عليه السلام) : « إنّ العبد ليخرج إلى أخيه في الله ليزوره ، فما يرجع حتّى تغفر له ذنوبه ، وتقضى له حوائج الدنيا والآخرة ».
وقال الإمام السجّاد (عليه السلام) : « نظر المؤمن في وجه المؤمن للمودّة والمحبّة عبادة » ، وفي آخر : « النظر إلى وجه المؤمن عبادة ».
وإنّما تكون الزيارة واللقاء معتدلا بلا إفراط ولا تفريط ، فإذا رأينا الإحراج في زيارة الصديق فلنقلّل منها ، قال رسول الله : « زر غُبّاً تزدد حبّاً ».
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « من كثرت زيارته قلّت بشاشته » ، وقال (عليه السلام) : « إغباب الزيارة أمان من الملالة ».
ومنها : المصافحة والمعانقة ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائكة » فمن يبتسم في وجه الآخرين ويصافحهم بحرارة ، ويعانقهم بمودّة ، ويقبّلهم بإخلاص ، يكون ناجحاً مع الناس وفي عالم الصداقة ، والمصافحة من رموز المحبّة ، قال رسول الله : « إذا لقي أحدكم أخاه فليصافحه وليسلّم عليه ، فإنّ الله أكرم بذلك الملائكة » ، وقال : « تصافحوا فإنّه يذهب بالسخيمة » ، وفي آخر : « المصافحة تذهب الغلّ » ، « مصافحة المؤمن بألف حسنة ».
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « إنّ المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فينظر الله إليهما والذنوب تحات عنهما حتّى يفترقا كما تحتّ الريح الشديد الورق عن الشجر » ، وقال (عليه السلام) : « إنّ المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله بينهما مئة رحمة ، تسعة وتسعون منها لأشدّهما حبّاً لصاحبه ، وإذا اعتنقا غمرتهما الرحمة ».
وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : « إنّ المؤمن إذا صافح المؤمن تفرّقا من غير ذنب » ، فحيّي أصدقاءك بابتسامة مشرقة ، وبثّ فيهم روح الصداقة في كلّ مصافحة ، ويقول المثل الصيني القديم : ( إنّ الرجل الذي لا يعرف كيف يبتسم لا ينبغي له أن يفتّح متجراً ) ، فالابتسامة والمصافحة والمعانقة لا تكلّف شيئاً ، ولكن تعود عليك بالخير الكثير في الدنيا والآخرة ، وأمّا تقبيل الصديق كما لو كان في سفر ، فإنّ المصافحة في الحضر والتقبيل في السفر ، كما ورد في الخبر الشريف ، فله أثر بالغ في تعميق المحبّة ، وأفضل موضع لتقبيل المؤمن هو بين عينيه ، أي موضع النور من جبهته.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام) : « بني ، إذا رأيت مؤمناً ، فقبّل موضع النور من جبهته » ، فهو موضع السجود لله فلِمَ لا يقبّل.
ومنها : إطعام الطعام ، ( فَلـْيَعْبُدوا رَبَّ هذا البَيْتِ الَّذي أطْعَمَهُمْ مِنْ جوع وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف )[2] ، فالإطعام من خلق الله ، وقد ورد في الحديث الشريف : « تخلّقوا بأخلاق الله » ، فإنّ الإطعام له أثر كبير في توطيد دعائم الصداقة والاُخوّة في المجتمع ، كما عليه الأجر والثواب الكثير ، قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « لئن أصنع صاعاً من طعام وأجمع عليه إخواني في الله أحبّ إليَّ من أن أعتق رقبة ».
قال أبو بصير : قلت للإمام الصادق (عليه السلام) : لا أتغدّى ولا أتعشّى إلاّ ومعي اثنان أو ثلاثة أو أقلّ أو أكثر ، فقال (عليه السلام) : فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم . فقلت : جعلت فداك كيف وأنا اُطعمهم طعامي واُنفق عليهم من مالي ويخدمهم خدمي وأهلي وهم أصحاب الفضل عليّ ؟ ! فقال الإمام (عليه السلام) : « إنّهم إذا دخلوا عليك دخلوا برزق كثير وإذا خرجوا خرجوا بالفقر ، فالضيف يدخل برزقه ويذهب بذنوب أهل الدار ، فهو صاحب الفضل عليك ، وهذا الرزق ليس من عندك بل هو من عند الله عزّ وجلّ وفي بيتك على كلّ لقمة مكتوب : هذا لفلان بن فلان لا يأكل رزقك غيرك ولن تأكل رزق الآخرين ».
ويقول الإمام الرضا (عليه السلام) : « إنّهم يأكلون أرزاقهم ويخرجون بذنوبك وذنوب عيالك ».
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنّة ، ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ».
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « ثلاثة من أفضل الأعمال : شبعة جوعة المؤمن وتنفيس كربته وإكساء عورته » ، « المنجيات التي تنجي الإنسان من العذاب : إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام ».
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « ما من مسلم أكرم أخاه المسلم بتكرمة ، يريد بها وجه الله إلاّ نظر الله إليه ».
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « من لقم مؤمناً لقمة حلاوة صرف الله بها عنهما مرارة يوم القيامة ».
وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : « والذي نفس محمّد بيده ، لا يؤمن بي عبد يبيت شبعاناً وأخاه المسلم جائع » ، وقال : « من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ».
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « إنّ أشدّكم حبّاً لنا أحسنكم أكلا عندنا ».
ومنها : الدعاء للصديق ، فإنّ الصداقة في الإسلام علاقة حقيقية وحميمة بين المؤمنين ، فالدعاء جزء من حقّ الأخ على أخيه والصديق على صديقه : « اللّهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات » ، والدعاء بظهر الغيب وللآخرين أقرب للاستجابة ، يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « لا تستحقروا دعوة أحد فإنّه يستجاب لليهودي فيكم ، ولا يستجاب له في نفسه ».
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « الدعاء يردّ القضاء بعد ما اُبرم إبراماً ، فأكثروا من الدعاء إنّه مفتاح كلّ رحمة ونجاح كلّ حاجة ولا ينال ما عند الله إلاّ بالدعاء » ، قال الله تعالى : ( قُلْ ما يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ )[3].
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «من قدّم أربعين رجلا من إخوانه قبل أن يدعو لنفسه ، استجيب له فيهم وفي نفسه » ، « دعوة الرجل لأخيه في ظاهر الغيب لا تردّ ».
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « أربعة لا تردّ لهم دعوة : الإمام العادل لرعيّته ، والأخ لأخيه بالغيب ، ويوكل له ملك يقول : ولك مثل ما دعوت لأخيك ، والوالد لولده ، والمظلوم » ، وقال (عليه السلام) : « من دعا لأخيه المؤمن رفع الله عنه البلاء وردّ عليه الرزق ».
ومنها : إخبار الصديق بحبّك إيّاه ، فإنّ ذلك ممّـا يثير مشاعر الحبّ المتبادل ، فإنّ كلمة ( اُحبّك ) وإن كانت صغيرة إلاّ أنّها تترك أثراً كبيراً في النفس والقلب ، قال رسول الله : « إذا أحبّ أحدكم أحداً فليخبره » ، وقال : « من كان له في قلب أخيه المؤمن مودّة ولم يعلنه فقد خان » ، وقال رسول الله : « إذا أحبّ أحدكم أخاه فليعلمه ، فإنّه أصلح لذات البين ».
وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : « فإنّه أبقى للمودّة وخير في الأنفة وأكثر في الاجتماع ».
ومنها : المبادلة بين الأصدقاء ، فالتحيّة يبادلها بتحيّة مثلها أو أحسن منها ، والهدية بهدية ، والحبّ بالحبّ ، والكلمة بالكلمة الطيّبة ، والاحترام بالاحترام ، وهكذا في كلّ شيء ، فلا تعني الصداقة الأخذ فقط ، بل أخذ وعطاء وعطاء وأخذ ، ويقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « فليس بأخ من ضيّعت حقوقه ».
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من صاحب الناس كالذي يحبّ أن يصاحبوه ، كان عدلا ».
وقال الأمير (عليه السلام) : « لأخيك عليك مثل الذي لك عليه » ، « إن لم تحبّ أخاك فلست أخاه ».
وقال الإمام السجّاد (عليه السلام) : « وأن تكرمه كما يكرمك وتحفظه كما يحفظك ».
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « لا خير في صحبة من لم يرَ لك مثل الذي يرى لنفسه » ، « ما أقبح رجل أن يعرف أخوه حقّه ، ولا يعرف حقّ أخيه » ، وقال (عليه السلام) : « أيسر حبّ المؤمن ما تحبّه له وما تحبّه لنفسك ، وأن تكره له ما تكره لنفسك » ، والمؤمن مرآة أخيه المؤمن ، يهب له نفسه ، ويعيره ماله ، ويتبع رضاه ، ويتجنّب سخطه ، ما دام في طاعة الله سبحانه.
ومنها : إدخال السرور في قلب الصديق ، فيملأ قلبه غبطة وثقة وانشراحاً ، ذات مرّة أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود النبي (عليه السلام) قائلا : يا داود إنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فاُبيح له جنّتي واُحكّمه فيها ، قال داود : وما تلك الحسنة ؟ قال : يدخل على عبدي المؤمن السرور . فقال داود : يا ربّ ، حقّ لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك ».
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج ( مثال ) يقدم أمامه ، وكلّما رأى المؤمن هولا من أهوال يوم القيامة ، قال له المثال : لا تفزع ولا تخف ولا تحزن وأبشر بالسرور والكرامة من الله عزّ وجلّ ، فما يزال يبشّره بالكرامة من الله عزّ وجلّ حتّى يقف بين يدي الله ، ويحاسبه الله حساباً يسيراً ، ويؤمر به إلى الجنّة ، والمثال أمامه ، فيقول له المؤمن : رحمك الله نعم الخارج معي أنت من قبري ما زلت تبشّرني بالسرور والكرامة من الله عزّ وجلّ أوصلتني إلى الجنّة فمن أنت ؟ فيقول له المثال : أنا السرور الذي أوصلته إلى قلب المؤمن في دار الدنيا ».
ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك سروراً ، أو تقضي عنه دينه ».
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « يا بن جندب ، من سرّه أن يزوّجه الله من الحور العين ويتوجّه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور ».
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله) : « من لقي أخاه المؤمن بما يسوؤه ، أساءه الله ، وبعّده الله يوم القيامة ».
ومنها : أن تتحدّث معه فيما يهمّه ويخصّه ، فإنّ التكلّم فيما يتّصل باهتماماته سوف تجده ينساق إليك ويرتاح من مجلسك ، فابدأ في ما يهتمّ به ثمّ عرّج على ما تهتمّ به أنت ، فالسبيل المؤدّي إلى القلب أن تتحدّث فيما يسرّه ، ثمّ تبلّغه رسالتك ، ثمّ عليك أن تكتم سرّه . يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « إنّما المجالس بالأمانة ، ولا يحلّ لأحد أن يفشي على صاحبه سرّه » ، وقال لأبي ذرّ الغفاري : « يا أبا ذرّ : المجالس بالأمانة ، وإفشاء سرّ أخيك خيانة ».
وقال الأمير (عليه السلام) : « لا تثق بمن يضيّع سرّك ، ومن الخيانة أن تحدّث بسرّ أخيك » ، وقال (عليه السلام) ، وما أروع ما قال : « ولا تطلع صديقك من سرّك ، إلاّ على ما لو اطّلع عليه عدوّك لن يضرّك » ، وقال (عليه السلام) : « لا تودع سرّك إلاّ مؤمناً وفيّاً ».
ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) : « قم بالحقّ ، والتزم ما لا يعنيك ، وتجنّب عدوّك ، واحذر صديقك من الأقوام إلاّ المؤمنين ».
ثمّ عليك بمصادقة أصدقاء صديقك ومعاداة أعدائه ، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)يقول : « أصدقاؤك ثلاثة ، واعداؤك ثلاثة : فأصدقاؤك : صديقك وصديق صديقك وعدوّ عدوّك ، وأعداؤك ثلاثة : عدوّك وعدوّ صديقك وصديق عدوّك ».
ومن الأدب حفظ اسم الصديق ، ولنذكر أحبّ الأسماء إليه ، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « إذا جاءك الرجل فاسأله عن اسمه واسم أبيه وممّن هو ، فإنّه أوصل للمودّة » ، وقال : « ثلاثة يصفّين ودّ المرء لأخيه المسلم : يلقاه بالبشر وطلاقة الوجه ، ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه ، ويذكره بأحبّ الأسماء إليه » ، فإنّ بعض المجتمعات يكون الاحترام فيها للإسم الأوّل ، وبعضها فيها للكنية كما في العراق أو اللقب كما في إيران.
ثمّ علينا أن نفي بالوعد مع الله ومع أنفسنا ومع الصديق ، فإنّ للمؤمن ثلاث علامات : إذا أوعد لم يخلف ، وإذا حدّث لم يكذب ، وإذا ائتمن لم يخن ، وللمنافق ثلاث علامات وإن صلّى وصام : إذا أوعد أخلف ، وإذا حدّث كذب ، وإذا ائتمن خان ، وهذا من الصحيح في الخبر الشريف عن الصادقين (عليهما السلام) ، ولا يخفى أنّ المراد من المنافق في العمل ، كما عندنا منافق في العقيدة والإيمان ، وبينهما عموم من وجه ، فتأمّل.
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « ولا تعتمد على مودّة من لا يوفي بعهده » ، وقال (عليه السلام) : « الوفاء توأم الأمانة وزين الاُخوّة » ، وقال رسول الله : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليفي إذا وعد » ، ويقول الأمير (عليه السلام) : « سبب الائتلاف الوفاء » ، وقال (عليه السلام) : « من أحسن الوفاء استحقّ الاصطفاء ».
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « عدة المؤمن أخاه نذر ، لا كفّارة له ، فمن أخلف ، بخلف الله بدأ ولنقمته تعرّض ».
ثمّ إنّ الله سبحانه كما ورد في الخبر الشريف : « جميل ويحبّ الجمال » ، فقال (عليه السلام) : « إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ الجمال والتجمّل ، ويبغض البؤس والتباؤس » ، وفي آخر : « إنّ الله يحبّ الجمال والتجمّل ، فإنّ الله إذا أنعم على عبده بنعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها ، قيل : كيف ذلك ؟ قال : ينظّف ثوبه ويطيّب ريحه ويجصّص داره ويكنس أفنيته ، حتّى أنّ السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر ويزيد في الرزق » . فمن الأولى أن يتزيّن الإنسان لأصدقائه وأصحابه ويتجمّل ويتعطّر ، فإنّ ذلك يوجب الراحة ودوام الصداقة.
كان رسول الله ينظر في المرآة أو في الماء ويرجل جمّته ويتمشّط ، وكان يتجمّل لأصحابه فضلا على تجمّله لأهله ، ويقول : « إنّ الله يحبّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل » ، وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « التجمّل من أخلاق المؤمن » ، « التجمّل مروءة ظاهرة » ، وفي سيرة النبيّ الأكرم كان ينفق أكثر من نصف ماله الشخصي في شراء الطيب ، وإذا مشى في زقاق ملأ المكان رائحة طيّبة ، ولنا في رسول الله حبيبنا وطبيب نفوسنا اُسوة حسنة.
وأخيراً عليك أن تتعرّف على مكان الصديق ، واُسرته ، وعنوان داره ، وعمله ، وهاتفه ، فإنّ من صحب مؤمناً أربعين خطوة سأله الله عنه يوم القيامة ، ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « إذا آخى أحدكم رجلا فليسأله عن اسمه واسم أبيه وقبيلته ومنزله ، فإنّه من الحقّ الواجب وصدق الإخاء ، وإلاّ فهي مودّة حمقاء » ، وبمثل هذه الأخلاق العالية والآداب السامية تدوم الصداقة والخلّة ، وتتجذّر في النفوس والأرواح المؤتلفة ، وتنفع في الدنيا والآخرة ، ولمثلها فليتنافس المتنافسون.
[1]البقرة : 263.
[2]قريش : 3.