الخاتمة - حقوق  الاُسرة  والأقرباء

( الأقربون أولى بالمعروف ).

ومن هذا المنطلق الإسلامي كلّما تحدّثنا عن حدود الصداقة وآدابها ومعالمها ، فإنّ الأقربين أولى بها ، فإذا تقيّدنا والتزمنا بقواعد الصداقة مع الغرباء على أنّه كما ورد في الخبر الشريف : « ربّ أخ لك لم تلده لك اُمّك » ، ولكنّ الاُسرة والعائلة والعشيرة والجيران أولى بهذه القواعد والاُسس والسنن الإسلامية الصحيحة ، وهذا ما يشهد عليه الوجدان والبرهان ، من العقل والسنّة والقرآن.

فالعلاقة مع الأبوين ، ثمّ الزوجة والأولاد ، ومع الإخوة والأعمام والأخوال وأبنائهم ، ليست علاقة نسبيّة وسببيّة ميكانيكية خالصة ، بل علينا أن نكون أصدقاء معهم ، تربطنا إضافة إلى العلاقة النسبية والسببية ، علاقات إنسانية شامخة ، وصداقات حميمة ، ترفل عليها رايات الحبّ والمودّة والتفادي والإخلاص والالتزام بكلّ ما تتطلّبه الصداقة مع الأغراب ، فقد ورد في الحديث الشريف : « القرابة إلى المودّة أحوج من المودّة إلى القرابة » ، فالمودّة والمحبّة فوق القرابة وأهمّ منها ، فإنّ القرابة تحتاج إلى المودّة ولا عكس.

وإذا أردنا أن نراعي حقوق الاُسرة والعائلة من الأبوين والزوجة والأولاد ، فما أروع ما يقوله الإمام السجّاد زين العبّاد علي بن الحسين (عليهما السلام) في رسالة الحقوق قائلا : « وأمّا حقّ اُمّك : فأن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً ، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي لأحد أحداً ، ووقتك بجوارحها ، ولم تبالِ أن تجوع وتطعمك ، وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك ، وتضحي وتظلّك ، وتهجر النوم لأجلك ، ووقتك الحرّ والبرد لتكون لها ، فإنّك لا تطيق شكرها إلاّ بعون الله وتوفيقه.

وأمّا حقّ أبيك : فتعلم أنّه أحبّك وأنّه لولاه لم تكن ، فمهما رأيته في نفسك ممّـا يعجبك ، فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك ، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك.

وأمّا حقّ ولدك : فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه ، إن عمل ابنك عملا حسناً قال له الناس : رحم الله أباك ، وإن عمل سوءاً قال الناس : لعن الله أباك ، وأ نّك مسؤول عمّـا وليّته به ، من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزّ وجلّ والمعونة على طاعته ، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان ، معاقب على الإساءة إليه ».

ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « لا يلعننّ أحدكم أباه ، قالوا : يا رسول الله ، وهل يلعن أحدٌ منّا أباه ؟ قال : نعم ، يصنع عملا سيّئاً فيلعن الناس أباه ، فكأنّه هو الذي لعنه » ، فعلى الآباء رعاية حسن آداب أبنائهم بمصادقتهم وتربيتهم وتعليمهم اُصول الأخلاق والدين ، وإرشادهم إلى الحقّ والصواب ، فإنّ الآباء يشاركون أبنائهم في الثواب والعقاب ، ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما » ، ثمّ القاعدة العامّة في الإسلام تجاه الوالدين هي قاعدة الإحسان لا قاعدة العدل ، والقول الكريم لا قاعدة البرهان والدليل . قال الله تعالى : ( قُلْ تَعالوا أتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أنْ لا تُشْرِكوا بِهِ شَيْئاً وَبِالوالِدَيْنِ إحْساناً وَلا تَقْتُلوا أوْلادَكُمْ مِنْ إمْلاق نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإيَّاهُمْ )[1] ، وقال عزّ من قائل : ( وَوَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً )[2] ، وقال سبحانه : ( وَقَضى رَبُّكَ ألاّ تَعْبُدوا إلاّ إيَّاهُ وَبِالوالِدَيْنِ إحْساناً )[3] ، فإنّه سبحانه قارن بين عبادته والإحسان إلى الوالدين ، وهذا يدلّ على عظمة الإحسان إليهما ، فإنّ فلسفة الحياة هي عبادة الله لقوله تعالى : ( ما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدونِ )[4] ، فالإحسان إلى الأبوين يضاهي فلسفة الحياة ، وقال عزّ وجلّ : ( إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرُ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما اُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلا كَريماً وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلٍّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُما كَما رَبَّياني صَغيراً )[5].

ولقد سئل الإمام الصادق (عليه السلام) : ما معنى الإحسان ؟ فقال : « الإحسان أن تحسن صحبة والديك ، وأن تكون صحبتك معهما وثيقة ومتينة ، وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئاً ممّـا يحتاجان إليه ، وأضاف (عليه السلام) : وأمّا قوله ( إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرُ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما اُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما ) يعني : إن أضجراك فلا تقل لهما اُفٍّ ، ولا تنهر والدك حتّى ولو ضربك ، ولا تملّ عينيك من النظر إليهما إلاّ برحمة ورأفة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ، ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تتقدّم أمامهما ، وهذا هو الإحسان » ، وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : « ثلاث لم يجعل الله لأحد فيهنّ رخصة : أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين » ، نعم كما قال الله تعالى : ( وَإنْ جاهَداكَ عَلى أنْ تُشْرِكَ بي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلـْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلا مَعْروفاً ) ، فلا بدّ من إطاعة الوالدين إلاّ إذا كان يوجب تحريم الحلال ، أو تحليل الحرام ، فإنّه من الشرك المنهي عنه ، وقل لهما قولا معروفاً وكريماً وبالتي هي أحسن . يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « أربع من كنّ فيه نشر الله عليه كنفه وأدخله الجنّة في رحمته : حسن خلق يعيش به في الناس ، ورزقاً بالمكروب ، وشفقة على الوالدين ، وإحساناً إلى المملوك ».

ثمّ لا يخفى أنّ الله تارةً يأمر أن نقول للناس قولا حسناً ، ولكن مع الوالدين نقول قولا كريماً ، والفرق بينهما أنّ الكلام الحسن ما كان فيه المنطقية والاستدلال والبرهان ، فمع الناس لا بدّ أن يكون كلامنا مبتنياً على الاستدلال والبرهان ، فإنّه كما يقال : نحن أبناء الدليل ، أينما مال نميل ، ولكن مع الأبوين يختلف لحن الكلام ، فإنّ الله يأمرنا أن نتكلّم معهم بقول كريم ، بمعنى أن نقبل قولهما ونرضخ لهما ونخفض جناح الذلّ لهما ، حتّى ولو لم يكن كلامهما منطقياً . فلا يقال ـ كما نشاهد من بعض الشباب في محاورتهم مع الآباء ـ أنّ كلامهما لا يبتني على الاستدلال والبرهان العقلي ، فلا بدّ من مخالفتهما والوقوف أمامهما ومعارضتهما ، حتّى يصل الأمر إلى عقوقهما الذي يوجب النار والخسران والحرمان من التوفيقات الإلهية ، فهذا من المنطق الشيطاني وليس من الكلام الإلهي الرحماني ، فإنّ الله أمرنا أن نتكلّم معهما بقول كريم ونتعامل معهما بلطف وخضوع وأن نتصاغر أمامهما ونتواضع ، فكلّما ازددنا تواضعاً لهما زادنا الله رفعة ، ووفّقنا في حياتنا العلمية والعمليّة ، كما جرّبنا ذلك تكراراً ومراراً ، وما أكثر اُولئك الذين فشلوا في حياتهم لا سيّما مع أبناءهم لسوء معاملتهم مع آباءهم ، فإنّ الدنيا دار المكافاة ، فتدان كما تدين ، وبالعكس . فلا تغفل وليكن ديدنك مع الوالدين القول الكريم والمعاشرة الكريمة ، وقبولهما بكرامة ، وإطاعتهما في كلّ شيء ، حتّى ولو قالا للأبيض أسوداً أو بالعكس ، ما دام لم يصل إلى حدّ الشرك ، فإنّه إن جاهداك على أن تشرك بالله فلا تطعهما ، ومفهومه عليك بإطاعتهما مطلقاً إلاّ الشرك ، فتدبّر.

وأمّا أهلك وأقرباءك وأحبّاءك وعشيرتك التي ورد في نهج أمير المؤمنين (عليه السلام)إنّهم بمنزلة جناحيك التي تطير بهما ، فعليك أن تبرّهم ، وتؤدّي حقوقهم وتواسيهم وتصلهم ، حتّى لو آذوك وقطعوك وحرموك ، فكن في حياتك كالنخلة ، كلّـما ضربها الأطفال بالحجارة ألقت عليهم رطباً شهياً حلواً ، والإنسان أعظم المخلوقات وأشرفها فهو أكرم من النخلة ، فما من أحد آذاك إلاّ وأحسنت إليه وألقيت عليه من رطبك الشهيّ وكلماتك الحلوة وأخلاقك الحسنة ، فلا ترفض الأقرباء والأهل إلاّ فيما أمرك الله بذلك ، وذلك في موارد خاصّة ، كما لو كان الإنسان القاطع في مقام إصلاحهم وتربيتهم تربية إسلامية صحيحة ، وإلاّ فلا يحقّ لك الرفض حتّى ولو يصل أذاهم إليك.

وجاء في الحديث الشريف : جاء رجل إلى رسول الله وقال : إنّ لي أهلا قد كنت أصلهم وهم يؤذوني ، وقد أردت رفضهم . فقال له رسول الله : إذن يرفضكم الله جميعاً ! فقال : فكيف أصنع ؟ فقال له رسول الله : « تعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ، وتعفو عمّن ظلمك ، فإذا فعلت ذلك كان الله لك ظهيراً ».

وأمّا الآيات والروايات في صلة الرحم فإنّها كثيرة جدّاً ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من سرّه أن يمدّ الله في عمره ، ويبسط في رزقه ، فليصل رحمه ، فإنّ الرحم تقول : يا ربّي ، صِل من وصلني واقطع من قطعني ، والرجل يرى بسبيل خير إذا أتته الرحم التي قطعها فتهوي به إلى أسفل قعر في النار ».

فعلى كلّ واحد أن يصل أرحامه بالصداقة ومراعاة حقوق الاُخوّة والرحم بإيصال المعروف إليهم ، ولا يصحّ أن تكون علاقة الإنسان بالناس جيّدة ، ولكن مع أهله سيئة ، قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام) : « لا يكوننّ أهلك أشقى الخلق بك » ، وقال رسول الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله) : « خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي » ، وقال الأمير (عليه السلام) : « الاستهتار بالنساء حمق » ، وقال : « الزوجة الصالحة أحد الكسبين » ، ومن سعادة المرء الزوجة الصالحة المطيعة إذا نظر إليها سرّته لأمانتها وأخلاقها وتدبيرها الحسن ، وقال الرسول الأكرم : « ما زال جبرئيل يوصيني بالنساء حتّى ظننت أنّه سيحرّم طلاقهنّ » ، وفي آخر : « ما أظنّ رجلا يزداد في الإيمان خيراً إلاّ ازداد حبّاً للنساء » ، و « كلّ من اشتدّ لنا حبّاً اشتدّ للنساء حبّاً » ، و « كلّما ازداد المرء إيماناً ازداد حبّاً بالنساء » ، و « المرأة ريحانة وليست قهرمانة » ، فإنّها وردة الحياة وزهرتها وريحانتها ، مرهفة الأحاسيس والعواطف كالقوارير والزجاج البلّور ن سرعان ما تنكسر وتجرح الأيدي لو لم نراعِ حقوقها ومشاعرها وخصائصها.

وأمّا الحديث عن الزوجة وتربية الأولاد فهو من الأحاديث التي يصعب الإلمام به ولو في مصنّفات قطورة ، ولكن إنّما نذكر كجرعة من ذلك البحر الموّاج ، وكخطوة اُولى لمن أراد أن يسير ألف ميل ، فالزوجة إنّما هي شريكة الحياة وزميلة الرجل في العيش ، كلّ واحد يكمّل الآخر ، وخير صاحب في الدنيا لو كانت تفهم وتدرك زوجها ، كما يدركها الزوج ، ولو قدّم للجائع الأكل في مزبلة فإنّه لا يطيقه ، ويفضّل الجوع على الأكل ، لأنّه لا ينسجم مع روحه ، وإن كان بدنه يشتاق إلى الطعام ، فالإنسان مركّب من روح وجسد ، وآداب الروح أقوى من الجسد ، فالرجل يبحث عن الجنس ، ولكن لا بأيّ شكل من الأشكال ، بل يبغي الجنس الذي يتلائم مع روحه ، كما يشبع شبقه الجنسي ، فهو يريد أن يشبع رغباته المادية والمعنوية ضمن الإطار الإنساني ، وكذلك المرأة من دون تفاوت في هذا المضمار أصلا ، وهذه من سنن الحياة ، من تلك السنن الإلهية التي لن تجد لسنّة الله تحويلا ولا تبديلا ، هكذا خلق الله الذكور والإناث ، فعلى كلّ واحد أن يساهم في عقد المودّة والصداقة ويكون الاحترام المتبادل بينهما ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « لو كان السجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها » ، وقال الله تعالى : ( وِمِنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْواجاً لِتَسْكُنوا إلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَة )[6] ، فما أسعد الحياة لو كان يسودها الرحمة والعطف والحنان ، والزوجة الناجحة هي التي تقدّر منجزات زوجها ضمن الإطار الشرعي ، وكذلك الزوج ، وعليه أن يمنح التقدير المخلص لها ، وأن تثق بنفسها ، ويشكر خدماتها ، ولا يستعمل الزوج الغلظة والفضاضة والغضاضة ، بل يستعين بالكياسة واللين وحسن الكلام ومراعاة الآداب والرفق ، فلا نجرح مشاعرها بكلمات جارحة ، ولا نقاطعها في الحديث ، ونعطي لها تمام شخصيتها ، ونحترم كيانها ، وكلّ واحد يسعد بالآخر ، وما أروع ما قاله أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « ولا يكوننّ أهلك أشقى الخلق بك » ، فكيف يكون العطف والرفق للغريب ، ولا يكون للقريب ؟ ! وعلينا أن نخلع همومنا وأحزاننا التي نبتلي بها خارج الدار عند دخولها ، كما نخلع أحذيتنا عند عتبة الدار ، فلا نؤذي الاُسرة بمشاكلنا الخارجية ، ثمّ لو أثنينا ومدحنا أزواجنا على الخيرات والأعمال الصالحة فإنّ ذلك يكون دافعاً قويّاً للإلتزام بها ، ويقول الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رسالة الحقوق : « وأمّا حقّ زوجتك فأن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها لك سكناً واُنساً » ، فهي نعمة عظيمة من نعم الله الجسام ، فواجبك أن تشكر هذه النعمة بالقول والعمل ،
وإن شكرتم لأزيدنّكم بحياة سعيدة وهانئة ، وعيشة راضية مرضيّة ، « وإن كان حقّك عليها أوجب » ، كما قاله الإمام السجّاد (عليه السلام) ، ثمّ قال : « إنّ عليك أن ترحمها لأنّها أسيرتك ، ولا بدّ أن تطعمها وتكسوها وإذا جهلت عفوت عنها » ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « اتّقوا الله في النساء ، فإنّهن عوان ( أي أسيرات ) بين أيديكم ، أخذتموهنّ على أمانات الله لما استحللتم من فروجهنّ بكلمة الله وكتابه ، فإنّ لهنّ عليكم حقّاً واجباً ، كما استحللتم من أجسامهنّ ، وبما واصلتم من أبدانهنّ ، ويحملن أولادكم في أحشائهنّ ، فأشفقوا عليهنّ وطيّبوا قلوبهنّ » ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « لا غنىً لزوج عن ثلاثة فيما بينه وبين زوجته : الأوّل : الموافقة ، الثاني : حسن الخلق معها واستمالة قلبها بالهيئة الحسنة ، الثالث : توسعته عليها » ، وهذا ممّـا يزيد في الرزق كما ورد في الأخبار الشريفة ، وأمّا حقّ الزوج فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « أ يّما امرأة لم ترفق بزوجها ، وحملته على ما لا يقدر عليه وما لا يطيق لم تقبل منها حسنة ، وتلقى الله وهو عليها غضبان » ، فلا بدّ من الانسجام الكامل بين الزوجين كلّ واحد يراعي حقوقه تجاه الآخر ، ويعمل بحسب الموازين الشرعية والإنسانية ، والظروف الزمانية والمكانية ، والعاقل تكفيه الإشارة ، فدع زوجتك تنطلق على سجيّتها لتشعر بالسعادة ، ما دام لم تخالف الشرع المقدّس ، ودعي زوجك ينطلق على سجيّته ، فإنّ لكلّ واحد أسبابه الخاصّة للشعور بالسعادة ، فلا نحاول أن نكون عقبة كؤودة في طريق الآخرين ، ودع التوافه فإنّها تجدها في قرارة كلّ شقاء زوجي كما قيل ، وإيّاك والنكد فإنّه يؤدّي إلى الشعور بالشقاء ، فدع القلق وابدأ الحياة وعش سعيداً رغيداً نشيطاً ، واعلم أنّ الإسلام دين الله القويم قد اهتمّ وبكلّ تأكيد بالنوعيّة والكيفيّة ، وبالزمان والمكان ، وبالاُمور المرتبطة بالعلاقات الزوجية العامّة والخاصّة ، بما فيها اُمور الجنس وقضايا التمتّع بين الزوجين ، ولقد أثبتت التجارب أنّ كثيراً من أسباب هدم صرح البيت والعشّ الذهبي الزوجي ، إنّما هو نتيجة جهل الزوجين ، فعليهما ببذل الجهد والسعي لتكاملهما بالعلم والعمل الصالح.

ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « أعظم الناس حقّاً على المرأة زوجها ، وأعظم الناس حقّاً على الرجل اُمّه » ، وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : « لا شفيع للمرأة أنجح عند ربّها من رضا زوجها ، ولمّـا ماتت فاطمة (عليها السلام) قام عليها أمير المؤمنين (عليه السلام)وقال : اللّهم إنّي راض عن ابنة نبيّك ، اللّهم إنّها قد أوحست فآنسها » ، وفي الحديث النبوي الشريف : « ويلٌ لامرأة أغضبت زوجها ، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها » ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال ، وهنّ : صيانة نفسها عن كلّ دنس حتّى يطمئنّ قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه ، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّة تكون منها ، وإظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه » ، وأمّا حق الزوجة فقد قال رسول الله : « حقّ المرأة على زوجها يسدّ جوعتها وأن يستر عورتها ولا يقبّح لها وجهاً » ، وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : « وأمّا حقّ الزوجة فأن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها لك سكناً واُنساً ، فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها وإن كان حقّك عليها أوجب ، فإنّ لها عليك أن ترحمها ».

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « إنّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلّفها وإن لم يكن في طبعه ذلك : معاشرة جميلة ، وسعة بتقدير ، وغيرة بتحصّن » ، وقال نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله) : « قول الرجل للمرأة إنّي اُحبّك لا يذهب من قلبها أبداً » ، ما أروع هذا الاُسلوب في التعامل الزوجي ، فإنّه انطلاقاً من كلمة الحبّ ، يكفيك أن تملك مشاعر زوجتك إلى آخر الحياة لو قلت لها بإخلاص وصدق : ( إنّي اُحبّكِ ) ، فإنّها أجمل كلمة عند المرأة ، كما إنّ أمرّ كلمة وأشقى كلمة ( كلمة الطلاق ) ( اُطلّقكِ ) ، فإنّ الدنيا تسودّ في عينيها ، إسألوا نساءكم في حقيقة هاتين الكلمتين : كلمة الحبّ والوفاق ، وكلمة البغض والفراق ...

وعن إسحاق بن عمّـار قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : « ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً ؟ قال : يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها ».

ولا بدّ من الخدمة المتبادلة بين الزوجين ، سألت اُمّ سلمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)عن فضل النساء في خدمة أزواجهنّ ، فقال : أ يّما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلاّ نظر الله إليها ، ومن نظر الله إليه لم يعذّبه » ، وقال الإمام الكاظم (عليه السلام) : « جهاد المرأة حسن التبعّل » ، وقال (عليه السلام) : « ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلاّ كان خيراً لها من عبادة سنة » ، وقال رسول الله : « إذا سقى الرجل امرأته اُجر » ، وقال : « لا يخدم العيال إلاّ صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة » ، « اتّقوا الله في الضعيفين : اليتيم والمرأة ، فإنّ خياركم خياركم لأهله » ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « من حسن برّه بأهله زاد الله في عمره » ، وقال رسول الله : « جلوس المرء عند عياله أحبّ إلى الله تعالى من اعتكافه في مسجدي هذا » ، و « إنّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى فم امرأته » ، وهناك كثير من الروايات تبيّن ثواب وأجر الخدمة ، وإذا كان للخدمة مثل هذا الثواب والآثار الاُخرويّة ، فما ظنّك بالآثار الوضعيّة في الدنيا ، فما أسعد الزوجين اللذين يلقم أحدهما الآخر لقمة الحبّ والمودّة ، وما أسعد الأولاد الذين يعيشون في مثل هذه الأجواء التي تسودها الصفاء والصداقة والحنان والشفقة.

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمّه ، وسعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه ، وتطيعه في جميع أحواله » ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ، ولا سنة من عملها حتّى تعينه وترضيه ، وإن صامت الدهر ، وعلى الرجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مؤذياً ظالماً » ، « ألا وإنّ الله ورسوله بريئان ممّن أضرّ بامرأة حتّى تختلع منه » ، وقال (عليه السلام) : « إنّي أعجب ممّن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها ».

هذا تقريع من الإمام المعصوم (عليه السلام) لاُولئك الرجال الذين يرون رجولتهم إنّما تتكامل لا سيّما أمام النساء والضعيفات ، ولا سيّما زوجته الأسيرة بين يديه ، إنّما تتجلّى بالخشونة والضرب والإهانة والغلظة ، فكلّما ضرب زوجته يحسّ باللذّة ، ويتصوّر أنّه الرجل حقّاً ، وأنّه أدرك حقيقة الرجولة ، ووصل إلى قمّة الكمال والسعادة.

مسكين مثل هذا الرجل الغافل الشقيّ ، فإنّه أولى بالضرب من زوجته ، فهو الذي يستحقّ التربية الإنسانية ، لأنّه يعيش في نطاق حيواني ، وتغلّبت عليه القوّة السبعيّة والكلبيّة ، فهو أولى بها من التربيّة . فتدبّر ثمّ عليك بالصبر عند سوء خلق الزوجة.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه أعطاه الله بكلّ مرّة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيّوب (عليه السلام) على بلائه ، وكان عليها من الوزر في كلّ يوم وليلة مثل رمل عالج ، ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها مثل ثواب آسية بنت مزاحم ».

وما أجمل الحياة وأسعد الرجل لو كانت شريكة حياته زوجة صالحة ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عزّ وجلّ خيراً له من زوجة صالحة » ، « خير متاع الدنيا المرأة الصالحة » ، « من سعادة المرء الزوجة الصالحة » ، « الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة  ، وقال الإمام الباقر (عليه السلام) : « ما أفاد عبد فائدة خيراً من زوجة صالحة ، إذا رآها سرّته ، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله » ، « شرّ الأشياء المرأة السوء » ، « أغلب الأعداء للمؤمن زوجة السوء » ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « كان من دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أعوذ بك من امرأة تشيّبني قبل مشيبي » ، وفي تفسير قوله تعالى : ( رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ ) قال أمير المؤمنين : حسنة الدنيا المرأة الصالحة ، وقنا عذاب النار : المرأة السيّئة الخلق.

ثمّ على الزوج أن يفيض الخير والإحسان على أهله وعياله ، ويكون مظهراً تامّاً لربوبيّة الله ، فإنّ الرجل ربّ البيت والاُسرة ، فلا بدّ أن تظهر أسماء الله الحسنى في مقام تربية الاُسرة ، فإنّه يقال : لله سبحانه ألف وواحد من الأسماء ، فالتي تدلّ على الغضب كالقهّار والمنتقم تعدّ بالأصابع ، وأمّا باقي أسمائه الكريمة كالجواد والودود والشفيق والرحيم والبصير والسميع والعليم واللطيف والرحمن والغفّار والستّار وغيرها كما في ( دعاء جوشن ) فإنّها تدلّ على الرحمة العامّة والخاصّة ، فيما من سبقت رحمته غضبه ، وخيره إلينا نازل وشرّنا إليه صاعد ، ولا بدّ لربّ الاُسرة أن يتّصف بهذه الصفات الإلهيّة والأخلاق الربّانية ( تخلّقوا بأخلاق الله ) ، فلا بدّ من التفضيل والإسباغ والتكرّم على الاُسرة.

وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : « إنّ أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله » ، وقال رسول الله : « إنّ المؤمن يأخذ بأدب الله إذا أوسع الله عليه اتّسع ، وإذا أمسك عنه أمسك » ، و « من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله ، كان كحامل صدفة إلى قوم محاويج ، وليبدأ بالإناث قبل الذكور » ، وهذا يعني أنّه يراعي العواطف والأحاسيس ، ثمّ يستعين بالله تعالى على تربية أولاده كما قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) : « اللّهم أعنّي على تربية أولادي » ، فإنّ التربية من الصعب المستصعب ، لها آدابها وحدودها ومعالمها الخاصّة ، طرق أبوابها لا يسعها مثل هذه الرسالة الموجزة ، إنّما نرجع القرّاء الكرام إلى علماء الأخلاق والنفس والتربية والتعليم ، ومصنّفاتهم القيّمة ، ومؤلّفاتهم الثمينة.

وما توفيقنا إلاّ بالله العليّ العظيم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.


[1]الأنعام : 151.

[2]العنكبوت : 8 .

[3]البقرة : 83 .

[4]الذاريات : 56.

[5]الإسراء : 23.

[6]الروم : 21.