الفصل  الثالث - أفضل  صاحب  وأكمل  صديق

أليس الإنسان العاقل يبحث دائماً في كلّ شيء عمّـا هو الأجود والأحسن والأضل والأرقى ؟

فهذه مسألة فطريّة يقرّ ويعترف بها كلّ واحد من ذوي الألباب والنهى ، وفي عالم الصحبة والصداقة ، لا بدّ أن نبحث أيضاً عن أفضل صاحب ، وأكمل صديق ، وخير الإخوان.

فقيل للنبيّ الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) : أيّ الأصحاب أفضل ؟ قال : إذا ذكرت أعانك ، وإذا نسيت ذكّرك ».

وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « المعين على الطاعة خير الأصحاب » . وفي الحديث النبويّ الشريف : « خير الأصحاب من قلّ شقاقه وكثر وفاقه » . و « إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له وزيراً صالحاً ، إن نسي ذكّره وإن ذكر أعانه » . وقال الأمير (عليه السلام) في غرر حكمه : خير الإخوان : أقلّهم مصانعة في النصيحة ، من عنّفك في طاعة الله سبحانه ، من واساك ، وخير منه من كفاك ، من إذا احتجت إليه كفاك ، وإذا احتاج إليك أعفاك ، من واساك بخيره ، وخير منه من أغناك عن غيره ، من كانت في الله مودّته ، ومن لم تكن على الدنيا اُخوّته ، من إذا فقدته لم تحبّ البقاء بعده ، من سارع إلى الخير وجذبك إليه وأمرك بالبرّ وأعانك عليه ، من دعاك إلى صدق المقال بصدق مقاله ، وندبك إلى أفضل الأعمال بحسن أعماله ، من أعانك على طاعة الله وصدّك عن معاصيه وأمرك برضاه ، من دلّك على هدىً وأكسبك تقىً وصدّك عن اتّباع الهوى ، المساعد على أعمال الآخرة ، من أعان على المكارم ، من لم يكن على اخوّته مستقصياً ، من كثر إغضابه لك في الحقّ ، من لا يحوج إخوانه إلى سواه ، من أهدى إليكم عيوبكم.

وما أروع ما يقوله الإمام الحسن (عليه السلام) في وصف الأخ ، فقال (عليه السلام) : أ يّها الناس ، إنّما اُخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه ، كان خارجاً من سلطان بطنه ، فلا يشتهي ما لا يجد ، ولا يكثر إذا وجد ، كان خارجاً من سلطان فرجه ، فلا يستخفّ له عقله ولا رأيه ، كان خارجاً من سلطان الجهالة ، فلا يمدّ يده إلاّ على ثقة لمنفعة ، كان لا يتشهّى ولا يتسخّط ولا يتبرّم ، كان أكثر دهره صمّاتاً ، فإذا قال بذّ القائلين ، كان لا يدخل في مراء ولا يشارك في دعوى ، ولا يدلي بحجّة حتّى يرى قاضياً ، وكان لا يغفل عن إخوانه ، ولا يخصّ نفسه بشيء دونهم ، كان ضعيفاً مستضعفاً فإذا جاء الجدّ ، كان ليثاً عادياً . كان لا يلوم أحداً فيما يقع العذر في مثله ، حتّى يرى اعتذاراً ، كان يفعل ما يقول ويفعل ما لا يقول ، كان إذا ابتزّه أمران لا يدري أ يّهما أفضل ، نظر إلى الهوى فخالفه ، وكان لا يشكو وجعاً إلاّ عند من يرجو عنده البرء ، ولا يستشير إلاّ من يرجو عنده النصيحة ، كان لا يتبرّم ، ولا يتسخّط ، ولا يتشكّى ، ولا يتشهّى ، ولا ينتقم ، ولا يغفل عن العدوّ ، فعليكم بمثل هذه الأخلاق الكريمة إن أطقتموها ، فإن لم تطيقوها كلّها ، فأخذ القليل خيرٌ من ترك الكثير ».

وهذا يعني أنّه نحاول في كسب الفضائل والمكارم أوّلا ، كما نبحث مهما أمكن عن الأخ والصديق الذي تجتمع فيه هذه الصفات أو بعضها ، وإلاّ فإنّ الأصدقاء طبقات كما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) : « إنّ الذين تراهم لك أصدقاء إذا بلوتهم وجدتهم على طبقات شتّى ، فمنهم كالأسد في عظم الأكل وشدّة الصولة ، ومنهم كالذئب في المضرّة ، ومنهم كالكلب في البصبصة ، ومنهم كالثعلب في الروغان والسرقة ، صورهم مختلفة والحرفة واحدة ، ما تصنع غداً إذا تركت فرداً وحيداً ، لا أهل لك ولا ولد ، إلاّ الله ربّ العالمين ».

ويقول (عليه السلام) : « إذا كان الزمان زمان جور ، وأهله أهل غدر ، فالطمأنينة إلى كلّ أحد عجز » ، وفي حديث : « الطمأنينة إلى كلّ أحد قبل الاختبار عجز » ، و « لا تثق بالصديق قبل الخبرة ».

ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) : « تجنّب عدوّك واحذر صديقك من الأقوام ، إلاّ الأمين من خشي الله ».

ويقول الأمير (عليه السلام) : « إبذل لصديقك كلّ مودّة ، ولا تبذل له كلّ الطمأنينة ، وأعطه من نفسك كلّ المواساة ، ولا تفضي إليه بكلّ أسرارك » . وقال (عليه السلام) : « لا يعرف الناس إلاّ بالاختبار ، فاختبر أهلك وولدك في غيبتك ، وصديقك في مصيبتك ، وذا القرابة عند فراقك ، وذا التودّد والملق عند عطلتك ، لتعلم بذلك منزلتك عندهم » ، وقال (عليه السلام) : « قدّم الاختيار وأجدّ الاستظهار في اختيار الإخوان ، وإلاّ ألجأك الاضطرار إلى مقارنة الأشرار ».

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « اختبروا إخوانكم بخصلتين ، فإن كانتا فيهم وإلاّ فاعزب ثمّ اعزب : المحافظة على الصلوات في مواقيتها ، والبرّ بالإخوان في العسر واليسر ».

وقال الرسول الأكرم : « إذا رأيت من أخيك ثلاث خصال فارجه : الحياء والأمانة والصدق ، وإذا لم ترها فلا ترجه ».

أجل علينا أن نبحث عن الأخ الكامل والصديق الوفي ، ولكن لا يعني هذا العزلة عن الناس إذا لم نجدهم ، فإنّ الإمام الصادق (عليه السلام) يقول : « من لم يواخِ إلاّ من لا عيب فيه قلّ صديقه » ، و « لا تفتّش الناس عن أديانهم فتبقى بلا صديق ».

ويقول الأمير (عليه السلام) : « من حاسب الإخوان على كلّ ذنب قلّ أصدقائه ».

وقال الرسول الأكرم : « يأتي على الناس زمان إذا سمعت باسم الرجل خيرٌ من أن تلقاه ، فإذا لقيته خير من أن تجرّبه ، ولو جرّبته أظهر لك أحوالا ».

فعلينا بالاختبار إذا أردنا من الصديق ، أن يكون لنا أخ في الثقة ، فإنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يقول : « أقلّ ما يكون في آخر الزمان أخ يوثق به أو درهم من حلال » ، « يأتي على الناس زمان ليس فيه شيء أعزّ من أخ أنيس ».

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « إحذر أن تواخي من أرادك لطمع أو خوف أو ميل أو للأكل والشرب ، واطلب مواخاة الأتقياء ، وإن أفنيت عمرك في طلبهم ».

ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) : « بئس الأخ أخ يرعاك غنياً ، ويقطعك فقيراً ».

ويقول الأمير (عليه السلام) : « ليس لك بأخ من احتجت إلى مداراته » ، و « لا ترغبنّ فيمن زهد فيك ، ولا تزهد فيمن رغب فيك » ، و « لا خير في صحبة من لم يرَ لك مثل الذي يرى لنفسه » ، و « لا تواخِ من يستر مناقبك وينشر مثالبك ».

ثمّ احفظ قديم الإخوان والأصدقاء ، فقال الأمير (عليه السلام) : « إختر من كلّ شيء جديده ، ومن الإخوان أقدمهم » ، و « من كرم المرء بكائه على ما مضى من زمانه ، وحنينه إلى أوطانه ، وحفظ قديم إخوانه ».

ويقول النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) : « إنّ الله تعالى يحبّ المداومة على الإخاء القديم فداوموا عليه ».

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « إنّ أخاك حقّاً من غفر زلّتك ، وسدّ خلّتك ، وقبل عذرك ، وستر عورتك ، ونفى وجلك ، وحقّق أملك » ، « أخوك الذي لا يخذلك عند الشدّة ، ولا يغفل عنك عند الجريرة ولا يخدعك حين تسأله ».

وخلاصة الكلام كما مرّ أنّ الإخوان صنفان : إخوان الثقة وإخوان المكاشرة ، فإذا كنت من صديقك وأخيك على ثقة ، فابذل له مالك وبدنك ، وصافِ من صافاه وعادِ من عاداه واكتم سرّه وعيبه وأظهر منه الحسن.

ويقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « من لم تكن مودّته في الله فاحذره ، فإنّ مودّته لئيمة ، وصحبته مشؤومة » ، و « كلّ مودّة مبنيّة على غير ذات الله سبحانه ضلال ، والاعتماد عليها محال » ، و « من آخى في الله غنم ، ومن آخى للدنيا حُرم » ، و « على قدر التواخي في الله تخلص المحبّة » ، و « إخوان الدين أبقى مودّة ، وإخوان الصدق أفضل عدّة » ، و « الإخوان في الله تدوم مودّتهم لدوام سببها » ، و « الأخ المكتسب في الله أقرب الأقرباء ، وأرحم من الاُمّهات والآباء » ، و « لكلّ إخاء منقطع ، إلاّ إخاء كان على غير الطمع » ، و « كلّ مودّة عقدها الطمع حلّها اليأس » ، و « مودّة أبناء الدنيا تزول لأدنى عارض » ، و « من ودّك لأمر ولّى عند انقضائه » ، و « أسرع المودّات انقطاعاً مودّات الأشرار » ، و « الناس إخوان ، فمن كانت اُخوّته في غير ذات الله فهي عداوة ، وذلك قوله عزّ وجلّ : ( الأخِلاّءُ يَوْمَئِذ بَعْضُهُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ إلاّ المُتَّقينَ ) ».

وبهذا أ يّها القارئ الكريم تعرف لماذا تكون علاقة حميمة بين اثنين ، أو يصادقك شخص أو تصادقه ، ثمّ سرعان ما ينقلب الأمر وينعكس وتنقطع المودّة ، بل في بعض الموارد ـ والعياذ بالله ـ يكون الصديق عدوّاً ، وربما من ألدّ أعدائك.

فالعمدة أن يكون الإخاء والصداقة في الله سبحانه ، يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « بالتواخي في الله تثمر الاُخوّة » ، و « من فقد أخاً في الله فكأ نّما فقد أشرف أعضاءه ».

ويقول الإمام الباقر (عليه السلام) : « من استفاد أخاً في الله على إيمان الله ووفاء بإخائه ، طلباً لمرضاة الله ، فقد استفاد شعاعاً من نور الله » . ويقول الإمام الرضا (عليه السلام) : « من استفاد أخاً في الله عزّ وجلّ ، استفاد بيتاً في الجنّة ».

وقال الرسول الأكرم : « النظر إلى الأخ تودّه في الله عزّ وجلّ عبادة ».

فعلينا بإخوان الصدق ، لله وفي الله ، قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « عليك بإخوان الصدق ، فأكثر من اكتسابهم فإنّهم عدّة عند الرخاء ، وجنّة عند البلاء » ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « من لم يرغب في الاستكثار من الإخوان ابتلي بالخسران » ، « المرء كثير بأخيه » ، وقال الرسول الأكرم : « من جدّد أخاً في الإسلام بنى الله له برجاً في الجنّة » ، وقال الأمير (عليه السلام) : « أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان ، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم » ، وقال (عليه السلام) : « أخ تستفيده خير من أخ تستزيده » ، ويقول النبيّ : « استكثروا من الإخوان ، فإنّ لكلّ مؤمن شفاعة يوم القيامة ».

وهذا يعني بكلّ وضوح ، أنّه لا بدّ من كثرة الأصدقاء والإخوان ، ولكن بشرطها وشروطها ـ كما وقفت على جملة منها من خلال الفصول التي مرّت ، فراجع كرّة اخرى ، فإنّ في كلام أهل البيت نور ، وفي أمرهم رشد ، ووصيّتهم التقوى ، وفعلهم الخير ـ وعلينا أن نودّ الإخوان بكلّ صفاء وإخلاص ، فقد قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « إذا لم تحبّ أخاك فلست أخاه » ، و « لا يكوننّ أخوك أقوى منك على المودّة » ، « أحبب الإخوان على قدر التقوى ».

وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) : « ألا وإنّ المؤمنين إذا تحابّا في الله عزّ وجلّ وتصافيا في الله كانا كالجسد الواحد ، إذا اشتكى أحدهما من جسده وجد الآخر ألم ذلك ».

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « من حبّ الرجل دينه حبّه أخاه ».

وعلينا أن نراعي حقوق الاُخوّة ، وأدب الإخاء وحدود الصداقة كما مرّ ذلك ، ويقول أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) : « لا تضيعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك وبينه ، فإنّه ليس لك بأخ من أضعت حقّه ».

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : « تحتاج الاُخوّة فيما بينهم إلى ثلاثة أشياء ، فإن استعملوها وإلاّ تباينوا وتباغضوا ، وهي : التناصف والتراحم ونفي الحسد ».

ويقول الإمام الحسين (عليه السلام) : « احفظ عليك لسانك تملك به إخوانك ».

وقال الحارث الأعور لأمير المؤمنين (عليه السلام) : « يا أمير المؤمنين أنا والله اُحبّك ، فقال له : يا حارث ، أمّا إذا أحببتني فلا تخاصمني ولا تلاعبني ولا تجاريني[1]ولا تمازحني ولا تواضعني ولا ترافعني ».

وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) : « إذا أخى أحدكم رجلا ، فليسأله عن اسمه ، واسم أبيه ، وقبيلته ومنزله ، فإنّه من واجب الحقّ وصافي الإخاء ، وإلاّ فهي مودّة حمقاء » ، وقال : « إلقَ أخاك بوجه منبسط » ،

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « لا يسيء محضر إخوانه إلاّ من ولد على غير فراش أبيه » . كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأله عنه ، فإن كان غائباً دعا له ، وإن كان شاهداً زاره ، وإن كان مريضاً عاده.

ولنا في رسول الله وأهل بيته الأطهار اُسوة حسنة وقدوة صالحة . وعلينا أن نسعى في خدمة الصديق الوفيّ والأخ المؤمن ، نعم ، إذا رأيت أخاك يستخدمك فلا تخدمه ، كما ورد في الحديث الشريف.

وأمّا فضيلة قضاء حاجة الإخوان فقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله له يوم القيامة مئة ألف حاجة » . وقال (عليه السلام) : « إذا ضاق أحدكم فيُعلم أخاه ولا يعين على نفسه » ، وقال : « الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه » ، و « كفى بالمرء اعتماداً على أخيه أن ينزل به حاجته » ، « أ يّما مؤمن أوصل إلى أخيه المؤمن معروفاً فقد أوصل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) » . وقال الإمام الكاظم (عليه السلام) : « من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يجره ، بعد أن يقدر عليه ، فقد قطع ولاية الله عزّ وجلّ » ، وقال (عليه السلام) : « إنّ لله حسنة ادّخرها لثلاثة : إمام عادل ، ومؤمن حكّم أخاه في ماله ، ومن سعى لأخيه المؤمن في حاجته » . وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : « قضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتّقين » . وقال الرسول الأكرم في إكرام الإخوان : « من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها ومجلس يكرمه به لم يزل في ظلّ الله عزّ وجلّ ممدوداً عليه بالرحمة ما كان في ذلك » . وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : « من أتاه أخوه المؤمن فأكرمه فإنّما أكرم الله عزّ وجلّ » ، « من قال لأخيه مرحباً كتب الله له مرحباً إلى يوم القيامة » ، « لا يعظّم حرمة المسلمين إلاّ من عظّم الله حرمته على المسلمين ، ومن كان أبلغ حرمةً لله ورسوله كان أشدّ حرمة للمسلمين » ، « من عظّم دينه عظّم إخوانه ، ومن استخفّ بدينه استخفّ بإخوانه » . وقال الرسول الأكرم : « ما في اُمّتي عبد ألطف أخاه في الله بشيء من لطف ، إلاّ أخدمه الله من خدم الجنّة » ، جعلنا الله وإيّاكم من أهل الجنّة ، وذلك نهاية السعادة كما قال الله تعالى : ( وَأمَّا الَّذينَ سُعِدوا في الجَنَّةِ خالِدينَ فيها )[2].

وأخيراً وليس بآخر ، قال الإمام الحسين (عليه السلام) : « أمّا حقّ الصاحب فأن تصحبه بالتفضّل والإنصاف ، وتكرمه كما يكرمك ، ولا تدعه يسبق إلى مكرمة ، فإن سبق كافأته ، وتودّه كما يودّك ، وتزجره عمّـا يهمّ به من معصية ، وكن عليه رحمة ، ولا تكن عليه عذاباً » . وقال (عليه السلام) : « وحقّ الخليط أن لا تغرّه ولا تغشّه ولا تخدعه وتتّقي الله تبارك وتعالى في أمره » . وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « لا تقطع صديقاً وإن كفر » ربما كفران النعمة والفضل الذي بدرته بهما ، فليكن ما فعلته لله سبحانه وتعالى ، ولا تنتظر من صديقك الشكر والمكافأة ، وإن كان جزاء الإحسان إحساناً ، فمن وظيفته الدينية والأخلاقية والإنسانية أن يعوّض ما فعلته من الفضل والنعمة بالشكر والإحسان ، لا بالكفر والخذلان ، ولكن كن في ما قدّمته إليه مخلصاً لله سبحانه ـ لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً ـ فلا تقطع صديقاً وإن كفر في مقام العمل ، ولم يجازي معروفك وإحسانك . وعن المفضل قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي : من صحبك ؟ فقلت : رجل من إخواني . قال : فما فعل ؟ فقلت : منذ دخلت المدينة لم أعرف مكانه . فقال لي : أما علمت أنّ من صحب مؤمناً أربعين خطوة ، سأله الله عنه يوم القيامة ؟

فماذا تقول يا صاحبي الكريم أ يّها القارئ الجليل ؟ لعلّك تقول ما ذكر في مثل هذه الأحاديث الشريفة ، إنّما نلمسها ونراها في مثل المدينة الفاضلة التي يدعو إليها الفلاسفة ، ولكن ليس كذلك ، فإنّ ما جاء في الأخبار لم يكن من التكليف بما لا يطاق ، بل صفات جميلة ، لا بدّ لنا أن نتحلّى بها ، ونبحث عن أصحابها للصداقة والمعاشرة ، وليس ذلك بعزيز ، فمن جدّ وجد ، ومن طرق الباب ولجّ ، ولج ـ أي دخل بعد كثرة الطروقة ـ فاطلب الأتقياء ، فإنّهم أحقّ بالإخاء ، وابحث عن سعادتك وعمّن فيه نجاتك في الدارين.


[1]هي أن يجري الإنسان مع غيره في المناظرة ليظهر علمه إلى الناس رياءً وسمعة وترفّعاً ، وفي بعض النسخ « ولا تحاربني » ، وفي ثالث : « ولا تجازيني » ، وفي رابع : « ولا تجاربني » . ( ميزان الحكمة 1 : 45 ).

[2]هود : 108.

الفصل الرابع