العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
  1. النوران الزهراء والحوراء
  2. الأقوال المختارة في احکام الصلاة سنة 1436هـ
  3. الکافي في اصول الفقه سنة 1436هـ
  4. في رحاب الخير
  5. الغضب والحلم
  6. إیقاظ النائم في رؤیة الامام القائم
  7. الضيافة الإلهيّة وعلم الامام
  8. البداء بين الحقيقة والافتراء
  9. سيماء الرسول الأعظم محمّد (ص) في القرآن الكريم
  10. لمعة من النورین الامام الرضا (ع) والسیدة المعصومة(س)
  11. الدوّحة العلوية في المسائل الافريقيّة
  12. نور الآفاق في معرفة الأرزاق
  13. الوهابية بين المطرقة والسندانه
  14. حلاوة الشهد وأوراق المجدفي فضيلة ليالي القدر
  15. الوليتان التكوينية والتشريعية ماذا تعرف عنها؟
  16. الصّارم البتّار في معرفة النور و النار
  17. بريق السعادة في معرفة الغيب والشهادة
  18. الشخصية النبوية على ضوء القرآن
  19. الزهراء(س) زينة العرش الإلهي
  20. مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
  21. نور العلم والعلم نور
  22. نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل
  23. دروس الیقین فی معرفة أصول الدین
  24. في رحاب اولى الألباب
  25. الله الصمد في فقد الولد
  26. في رواق الاُسوة والقدوة
  27. العلم الإلهامي بنظرة جديدة
  28. أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم
  29. الانسان على ضوء القرآن
  30. إجمال الكلام في النّوم والمنام
  31. العصمة بنظرة جديدة
  32. الشباب عماد البلاد
  33. الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين
  34. النور الباهر بين الخطباء والمنابر
  35. التوبة والتائبون علی ضوء القرآن والسنّة
  36. القصاص علی ضوء القرآن والسّنة الجزء الثاني
  37. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الثالث
  38. القول الرشید فی الإجتهاد و التقلید 2
  39. القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد 1
  40. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الاول
  41. الأقوال المختارة في أحكام الطهارة الجزء الأوّل
  42. أحكام السرقة على ضوء القرآن والسنّة
  43. الهدى والضلال على ضوء الثقلين
  44. في رحاب حديث الثقلين
  45. المأمول في تكريم ذرية الرسول 9
  46. عصمة الحوراء زينب 3
  47. عقائد المؤمنين
  48. النفحات القدسيّة في تراجم أعلام الكاظميّة المقدّسة
  49. قبس من أدب الأولاد على ضوء المذهب الإمامي
  50. حقيقة الأدب على ضوء المذهب
  51. تربية الاُسرة على ضوء القرآن والعترة
  52. اليقظة الإنسانية في المفاهيم الإسلامية
  53. هذه هی البرائة
  54. من لطائف الحجّ والزيارة
  55. مختصر دليل الحاجّ
  56. حول دائرة المعارف والموسوعة الفقهية
  57. رفض المساومة في نشيد المقاومة
  58. لمحات قراءة في الشعر والشعراء على ضوء القرآن والعترة :
  59. لماذا الشهور القمرية ؟
  60. فنّ الخطابة في سطور
  61. ماذا تعرف عن العلوم الغريبة
  62. منهل الفوائد في تتمّة الرافد
  63. سهام في نحر الوهّابية
  64. السيف الموعود في نحراليهود
  65. لمعة من الأفكار في الجبر والاختيار
  66. ماذا تعرف عن الغلوّ والغلاة ؟
  67. الروضة البهيّة في شؤون حوزة قم العلميّة
  68. النجوم المتناثرة
  69. شهد الأرواح
  70. المفاهيم الإسلامية في اُصول الدين والأخلاق
  71. مختصر دليل الحاجّ
  72. الشهيد عقل التاريخ المفكّر
  73. الأثر الخالد في الولد والوالد
  74. الجنسان الرجل والمرأة في الميزان
  75. الشاهد والمشهود
  76. محاضرات في علم الأخلاق القسم الثاني
  77. مقتل الإمام الحسين 7
  78. من ملكوت النهضة الحسينيّة
  79. في ظلال زيارة الجامعة
  80. محاضرات في علم الأخلاق
  81. دروس في علم الأخلاق
  82. كلمة التقوى في القرآن الكريم
  83. بيوتات الكاظميّة المقدّسة
  84. على أبواب شهر رمضان المبارک
  85. من وحي التربية والتعليم
  86. حبّ الله نماذج وصور
  87. الذكر الإلهي في المفهوم الإسلامي
  88. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  89. شهر رمضان ربيع القرآن
  90. فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
  91. منية الأشراف في كتاب الإنصاف
  92. العين الساهرة في الآيات الباهرة
  93. عيد الغدير بين الثبوت والإثبات
  94. بهجة الخواصّ من هدى سورة الإخلاص
  95. من نسيم المبعث النبويّ
  96. ويسألونک عن الأسماء الحسنى
  97. النبوغ وسرّ النجاح في الحياة
  98. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  99. نسيم الأسحار في ترجمة سليل الأطهار
  100. لمحة من حياة الإمام القائد لمحة من حياة السيّد روح الله الخميني ومقتطفات من أفكاره وثورته الإسلاميّة
  101. قبسات من حياة سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي «قدّس سرّه الشريف »
  102. طلوع البدرين في ترجمة العلمين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الأمام الخميني 0
  103. رسالة من حياتي
  104. الكوكب السماوي مقدّمة ترجمة الشيخ العوّامي
  105. الكوكب الدرّي في حياة السيّد العلوي 1
  106. الشاكري كما عرفته
  107. كيف أكون موفّقآ في الحياة ؟
  108. معالم الصديق والصداقة في رحاب أحاديث أهل البيت
  109. رياض العارفين في زيارة الأربعين
  110. أسرار الحج والزيارة
  111. القرآن الكريم في ميزان الثقلين
  112. الشيطان على ضوء القرآن
  113. الاُنس بالله
  114. الإخلاص في الحجّ
  115. المؤمن مرآة المؤمن
  116. الياقوت الثمين في بيعة العاشقين
  117. حقيقة القلوب في القرآن الكريم
  118. فضيلة العلم والعلماء
  119. سرّ الخليقة وفلسفة الحياة
  120. السرّ في آية الاعتصام
  121. الأنفاس القدسيّة في أسرار الزيارة الرضويّة
  122. الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف وطول العمر في نظرة جديدة
  123. أثار الصلوات في رحاب الروايات
  124. رسالة أهل البيت علیهم السلام سفينة النجاة
  125. الأنوار القدسيّة نبذة من سيرة المعصومين
  126. السيرة النبوية في السطور العلوية
  127. إشراقات نبويّة قراءة موجزة عن أدب الرسول الأعظم محمّد ص
  128. زينب الكبرى (سلام الله علیها) زينة اللوح المحفوظ
  129. الإمام الحسين (علیه السلام) في عرش الله
  130. رسالة فاطمة الزهراء ليلة القدر
  131. رسالة علي المرتضى (علیه السلام) نقطة باء البسملة
  132. الدرّ الثمين في عظمة أمير المؤمنين - علیه السلام
  133. وميض من قبسات الحقّ
  134. البارقة الحيدريّة في الأسرار العلويّة
  135. رسالة جلوة من ولاية أهل البيت
  136. هذه هي الولاية
  137. رسالتنا
  138. دور الأخلاق المحمّدية في تحكيم مباني الوحدة الإسلاميّة
  139. أخلاق الطبيب في الإسلام
  140. خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
  141. طالب العلم والسيرة الأخلاقية
  142. في رحاب وليد الكعبة
  143. التقيّة في رحاب العَلَمَين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الإمام الخميني
  144. زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار
  145. طالب العلم و السیرة الأخلاقیّة
  146. فاطمة الزهراء سلام الله علیها سرّ الوجود

يا محمّد ويا علي

يا محمّد ويا علي

 

قالوا: قولكم في الدّعاء الشريف : «يا مُحَمَّدُ يا عَليُّ يا عَلِيُّ يا مُحَمَّدُ اِكْفِياني فَاِنَّكُما كافِيايَ، واُنْصُراني فَاِنَّكُما ناصِرايَ» من الشرک وإنّه يتنافي مع التوحيد الخالص !![1]

 

نقول : إجمالا وتفصيلا:

ليس الأمر كما قالوا، بل المقصود بالخطاب والنداء (يا محمد يا علي) إنّما هو باعتبار مقام النبوّة والإمامة ، فما فلسفة البعثة النبويّة ، وحافظة الرسالة من الإمامة والخلافة ، إلّا هداية النّاس وإرشادهم إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة ، وليقوم الناس بالقسط والعدالة ، فأنت يا رسول الله محمد، وأنت يا أميرالمؤمنين علي ، تكفيان أن تكونا ممّن يدّلنا على الهداية والوصول إلى الحق والحقيقة .

فيا محمد ويا علي بالنبوّة والإمامة ، وبالبرهان اللّمي والوصول من العلة إلى المعلول ، ويا علي ويا محمد بالإمامة والنبوّة وبالبرهان الإنّي والوصول من


المعلول إلى العلّة ، إكفيان في أمر الهداية والسير والسلوک إلى الله سبحانه وتعالى ، فإنكما كافيان ، ولا أحتاج إلى غير كما إلّا بأمر كما وإذ نكما، كالرجوع إلى القرآن الكريم والعترة الطاهرة ، كما في حديث الثقلين الثابت والمتواتر عند الفريقين ـالسنة والشيعة ـ.

كما أنكما تنصرانني في حياتي العلميّة والعمليّة ، المعاشية والمعادية ، في الوصول إلى السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة ، فإذا نصر تماني بمدد كما ومعونتكما الإرشادية والهادويّة ، فإني أبلغ قمّة الكمال وكمال القمة .

وهذا من أصل التوحيد وخلوصه ، كما في أوّل الدّعاء نفسه نتوجّه بكلّ وجودنا ومن أعماقنا إلى الله سبحانه ونقول بتضرع وخشية : «اَللّهُمَّ عَظُمَ الْبَلاَّءُ وَبَرِحَ الْخَفاَّءُ وَانْكَشَفَ الْغِطاَّءُ وَضاقَتِ الاَرْضُ بِما وَسِعَتِ السَّماَّءُ وَاِلَيْکَ يا رَبِّ الْمُشْتَكى وَعَلَيْکَ الْمُعَوَّلُ فِي الشِّدَةِ وَالرَّخاَّءِ».

فتأمّل وتدبّر في قولنا ودعائنا، فإنه أوّلا: نتوجّه إلى الله سبحانه بنحو الاستقلال ، فان الله أوّلا وبالذات هو المقصود والمعول عليه في الشدّة والرّخاء، ولكن ثانيآ وبالعرض وبإذن من الله وأمره المولوي والإرشادي نتوسّل ونستشفع برسوله محمّد  6 ووليّه علي  7 ونحو ذلک .

فيا محمد ويا علي إكفياني بإذن الله عزّوجلّ وبأمره تعالى في قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[2] .

 

فندعوه ونطلب منه سبحانه وتعالى بالوسيلة في الشدائد والنوائب ، وفي
الرّخاء والسرّاء، وفي عظيم البلاء وبرح الخفاء، وانكشاف الغطاء... وانصراني فيما ضاقت علىّ الأرض بما رحبت ، ومنعت السماء رحماتها لكثرة ذنوبنا ومعاصينا، فحبست علينا الدّعاء، وأظلمت بنا الهواء، وأنزلت علينا البلاء، فإلى الله المشتكى وعليه المعوّل والتكلان وبكم التّوسل ، ومنكم الشفاعة ، فانتم أنجح الوسائل وأكمل الشفاعة الّتي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نصل إليه وإلى رحمته الواسعة بها، فأنتم الواسطة المطلقة في الفيض الإلهي ، بكم بدء الله وبكم يختم ، وأبى الله. أن يجري الأُمور إلّا بأسبابها ووسائطها، وذلک من النظام الأحسن الحاكم على الكون كلّه ـ كما هو ثابت في محلّه ـ وليس التوحيد الخالص ـ كما تدعيه الفرقة الضّالة والمضلّة ـ أن ننكر الوسائط والأسباب ، فإن هذا يتنافى مع حكمة الله ولطفه وروح شريعته ، بل إنكار السبب والسببيّة يلزمه إنكار المسبب ، كإنكار المعلول اللازم لإنكار علّته ، فيكون بمنزلة الإرتداد والكفر، فكيف يكون من التوحيد الخالص ؟!
(أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)[3] .

 

فيا محمد ويا علي ، يا عليّ يا محمد إنّما هو من معطيات التوحيد الخالص والكامل ، ومن تداعياته .

بل نقول كما قال مولانا الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين الإمام على بن الحسين  8 في صحيفته السجاديّة زبور آل محمد في الدعاء (49) «اللّهم فإنّي أتقرّب إليک بالمحمّدية الرفيعة والعلويّة البيضاء واتوجّه إليک بهما...».


وكما جاء في دعاء علقمة عن الإمام الصادق  7 بعد زيارة عاشوراء «أسئلک بحقّ محمّد وعليٍ وبحقّ فاطمة بنت نبيّک ، وبحقّ الحسن والحسين ، فإنّي أتوجّه إليک في مقامي هذا وبهم أتوسّل ، وبهم أتشفّع إليک ...».

فإنّي جعلتهم  : في طول عبادتي لله عزّوجلّ لا في عرضها حتّى يستلزمه الشّرک ، فمالكم كيف تفهمون وكيف تحكمون ، أم على قلوبكم أقفالها، فلا تبصرون ولاتفقهون !!

إنّ دنيانا هذه هي دنيا الأسباب والمسبّبات ، وهذا من الضروريات الّتي لا ينكرها إلّا من كان أعمى القلب ، ولم يَر البديهيات ، فضلا عن النظريات .

لقد ورد في الحديث الشريف في ذيل قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوکَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً)[4] .

 

إن رجلا في عصر النبي  6 أذنب وأساء الأدب ، فخاف أن يدخل على رسول الله  6 فأخفى نفسه برهة من الزّمن ، وفي يوم رأى الحسنين  8 فرفعهما على كتفيه ودخل على رسول الله  6 وقال : يا رسول الله إنّي مستجير بالله وبهما.

فضحک النبي  6 ثم عفى عنه ، وقال لسبطيه : «قبلت شفاعتكما».

وفي غزوة أُحد قد نصر الله المؤمنين بالملائكة وبجنود لم تروها، فهل هذا النصر والوساطة من الشرک ؟!!


ومن هذا المنطق التوحيدي نقرء في دعاء الندبة «اَيْنَ بابُ اللَّهِ الَّذي مِنْهُ يُوْتي اَيْنَ وَجْهُ اللَّهِ الَّذي اِلَيْهِ يَتَوَجَّهُ الاَْوْلِياَّءُ اَيْنَ السَّبَبُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الاَْرْضِ وَالسَّماَّءِ...»[5] .

إنّ إنكار السبب إنكار المسبب ، للتضايف بينهما، وهذا الإنكار من الكفر الواضح وستر الحق الثابت ، فإن المطر بسبب السحّاب والأرياح ، وإنّ الحرارة والدّفىء بسبب الشمس أو النّار، وإن المعادن في قلب الجبال تتكون بسبب الحرارة والهواء والبرودة والرطوبة ، وكلّ هذه الأسباب ترجع في حدوثها وبقائها إلى ربّ الأرباب  6 ومسبّب الأسباب ، علّة العلل ونور الأنوار جلّ جلاله ، وعظم نواله وكبر الآءه .

فليس التوحيد الخالص إنكار الأسباب والوسائط سواء الماديّة أو المعنويّة ، وما يتعلّق بالطبيعة والمشهودات ، أو بما وراء الطبيعة من المغيبات .

بل كلّ هذه الجمادات وغيرها من المخلوقات ترجع في الفيض عليها لحدوثها وبقائها بواسطة الإنسان الكامل والمخلوق الأوّل : محمد وآل محمد: ـكما هو ثابت في محلّه في قوله  6 «أوّل ما خلق الله نوري »ـ ومن ثمّ نقرء في الزيارة الجامعة الكبرى : «وَبِكُمْ فَتَحَ اللَّهُ ، وَبِكُمْ يَخْتِمُ ، وَبِكُمْ يُنَزِّلُ اللَّهُ الْغَيْثَ ، وبكم تُمْسِکُ السَّماَّءَ اَنْ تَقَعَ عَلَى الاْرْضِ ...»[6] . وهذا ما

أراده الله وتعلّقت به مشيته في نظام خلقه الأحسن .

فإنكار ذلک إنكار لحكمته ولطفه ، وإنّه الحكيم اللطيف . ومن ينكر ذلک فانه
ينكر توحيده في الصفات والأفعال ، وإنكارهما إنكار الذات .

أيّها المسلمون الكرام وأيّها القرّاء الأعزّاء: فمَن المشرک اليوم ومن الموّحد المخلص ؟!

من يقول : يا محمد يا علي يا عليّ يا محمد اكفيان وانصران بإذن الله وبأمره ، أو يرى ذلک من الشرک فينكر الوسائط والوسائل والأسباب ، كما ينكر اللطف والحكمة الإلهيّة ؟!

هل تعلم أنّ سليمان النبي كان عنده العلم الّذي عند وصيّه آصف بن برخيا، وكان بإمكانه أن يأتي بعرش بلقيس ، فلماذا لم يفعل ذلک ، وإنّما فعله آصف ، لأنّه كان يحمل علم من الكتاب ، وليس علم كلّ الكتاب ؟ فأذن سليمان لأصف ان يفعل ذلک حتّى يعلم مقامه ووصايته من بعده .

إن كان ذلک لحكمة ، فكذلک في نصرة النبي والوصيّ  8 لمن يتوسّل بهما، فان ما عندهما هو من عند الله الحميد المحمود والعليّ الأعلى ، إلّا أنّ الله أذن لهما في قضاء حاجة من توسّل بهما بإذنه وعلمه وأمره لحكمة ربانيّة ، كبيان عظمة مقامهما وعلّو مكانتهما عند الله عزّوجلّ ، فجعلهما من أبرز وأكمل الوسيلة الّتي نبتغى الله بهما إذ أنهما أشرف خلق الله.

فإذا كان آصف فعل ما فعل بطرفة عين إنطلاقآ من الولاية التكوينية أن يأتي بعرش بلقيس ، فما بالک بمن عنده علم الكتاب كلّه الّذي وصفهم الله سبحانه بأُولى العلم في قوله تعالى : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)[7] .

 


وكذلک في قوله تعالى : (كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)[8] .

 

فإنّها نزلت في حق أميرالمؤمنين علي  7 فهو عنده علم الكتاب كما أشار إلى ذلک جملة من المفسّرين من السنة والشيعة ، من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين .

ولا يمكن أن يدعي أحد لا من قبله ولا من بعده ، أنه عنده علم كلّ الكتاب إلّا محمّدآ وآل محمّد الراسخين في العلم  :.

إذا قيل جهلا كما تقول به الوهابيّة الجهلاء: أنّ آصف كان حيّآ فيستعان بالحي دون الميت .

فكيفيكهم أن يلقموا حجرآ من كتاب الله وسنة رسوله ، فان الله جعل الّذين قتلوا في سبيله أحياء عنده يرزقون ، ويفرحون ويستبشرون .

بل إن حياة البرزخ لأعظم من حياة الدنيا، فانه لا موت في البرزخ دون الدنيا، فانه دار الموت والحياة (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)[9] .

 

ثم ياترى أليس الإمام الحسين بن علي  8 سيّد الشهداء؟ بل أليس أميرالمؤمنين علي  7 هو الشهيد في محراب صلاته ؟!

ان القلقنشدي صاحب كتاب (صبح الأعشى) وهو من أعلام جمهور السنة
والجماعة عندما يذكر أميرالمؤمنين في كتابه يذكره بكلّ إكبار وإجلال ويقول  : «إمام الأُمّة وأبو الأئمّة وسيّد الشهداء».

فان أهل البيت  : سادة الخلق ، وانهم في الشهداء سادة الشهداء، أحياء عند ربهم يرزقون .

بل الحياة البرزخية لا يختص بالشهداء، وإنّما تعمّ الكفّار، فانّهم أحياء عند ربهم ، إلّا انهم معذّبون مكبّلون بسلاسل .

إن دار الآخرة لهي دار الحيوان ـ بفتح الياء المعجمة ـ ليدلّ على الحياة الأبدية الّتي لا موت فيها بعدئذٍ، كما يدلّ على حياتهم قوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً)[10] .

فإنّه إشارة إلى الحياة البرزخيّة ، الّتي ترتبط بالدنيا كذلک ، فإنّها من عالم المثال الّذي يمتاز بوجود الصور فيها دون المادة ، فتشترک مع الدنيا في ذلک فإنها مادة وصورة ، فيعرضون على النّار في الغداة والمساء، ثم تتصل حياتهم هذه بحياة يوم المحشر ويوم القيامة (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)[11] .

 

فليس للإنسان عدمآ وفوتآ، بل فيه الوفاة والتوفي ، وكم فرق بين التوفي الّذي بمعنى الأخذ التام ، فان الله سبحانه يتوفى الأنفس بأخذها التام من الجسد حين موتها وانتقالها من دار إلى دار، وان النوم من أخذ الروح والتوفي أيضآ، إلّا أنّه من الناقص ، ومن ثم كان النّوم هو الموت الأصغر.

فالتوفّي أخذ الرّوح ذات الحياة من عالم إلى عالم آخر، فلا فناء بمعنى العدم
ولا موت بمعنى اللا شيءٌ، بل حياة بعده حياة بعده حياة ، أي الدنيا، ثم البرزخ ، ثم القيامة .

فالشهداء أحياء بل وآبائنا وأُمهاتنا أحياء، وإلّا فلماذا نستغفر لهم ونصلّي عنهم ، ونرسل إليهم المثوبات والخيرات ، فانّهم لو كان الموت بمعنى العدم فلا معنى لإرسال المثوبات إليهم ، فانه لا يُهدى إلى من كان فانيآ ومعدومآ في موته أو شهادته حتّى يقول الجهلاء: أن النبي ميت ، والميت لا ينفع ولا يضر، فالنبي لا ينفع ولا يضر بعد موته بل تكون عصاه أنفع من النبي كما نسب ذلک إلى الأعمى القلب والبصر في مدينة الرسول الأعظم  6.

بل من يدعو عند قبر أبيه فانه ينفعه ذلک ، فان والده في عالم البرزخ يدعوله ، في حلّ مشكلات حياته ، ورفع الصعوبات عنه .

فلا يقول المسلم المؤمن الّذي خرج من دنياه أنه ميت ، وانقطع عن دنياه ، فهو معدوم لا ينفع ولا يضرّ، فإن هذه المقولة من مقولات الدهرّيين والمشركين وفي عصرنا هذا من مقولات الشيوعيين والعلمانيين ، فليس من مقولة المسلمين أصحاب المبادي والقيم والمُثل .

فالحق والحقيقة أنّ من مات فانه ينتقل في واقعه ، من دار إلى أُخرى كالمسافر، ويكون حينئذٍ حيّآ بأعماله وأوصافه ، قبره إمّا روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران ، فإذا كان الميت معدومآ، فلا معنى لأمثال هذه الروايات المعتبرة المروية عن رسول الله  6 عند جميع المسلمين .

فالعجب كل العجب من هولاء الجهّال ، فانه لعدائهم مع الشيعة أنكروا مثل
هذه البديهيات والضروريات العقائدية والدينية ، وقالوا ما تقوله الشيوعية من حيث لا يشعرون، فعقروا ناقة صالح الّتي تطعم اللبن اللذيذ والنّافع بغضآ بصالح
 7.



[1] ()  الدعاء في مفاتيح الجنان ، والقائلون هم الوهابية المعاصرة ومن يحذو حذوهم من الجّهالالمحسوبين على الشيعة هداهم الله لمعرفة الحقّ فالحقيقة ، ونوّر الله قلوبهم بنور الإيمان الكامل .

[2] ()  المائدة : 35.

[3] ()  يونس : 35.

[4] ()  النساء: 64.

[5]

[6] (1 و )  مفاتيح الجنان .

[7] ()  العنكبوت : 49.

[8] ()  الرعد: 43.

[9] ()  آل عمران : 169.

[11] (1 و )  غافر: 46.