العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
  1. النوران الزهراء والحوراء
  2. الأقوال المختارة في احکام الصلاة سنة 1436هـ
  3. الکافي في اصول الفقه سنة 1436هـ
  4. في رحاب الخير
  5. الغضب والحلم
  6. إیقاظ النائم في رؤیة الامام القائم
  7. الضيافة الإلهيّة وعلم الامام
  8. البداء بين الحقيقة والافتراء
  9. سيماء الرسول الأعظم محمّد (ص) في القرآن الكريم
  10. لمعة من النورین الامام الرضا (ع) والسیدة المعصومة(س)
  11. الدوّحة العلوية في المسائل الافريقيّة
  12. نور الآفاق في معرفة الأرزاق
  13. الوهابية بين المطرقة والسندانه
  14. حلاوة الشهد وأوراق المجدفي فضيلة ليالي القدر
  15. الوليتان التكوينية والتشريعية ماذا تعرف عنها؟
  16. الصّارم البتّار في معرفة النور و النار
  17. بريق السعادة في معرفة الغيب والشهادة
  18. الشخصية النبوية على ضوء القرآن
  19. الزهراء(س) زينة العرش الإلهي
  20. مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
  21. نور العلم والعلم نور
  22. نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل
  23. دروس الیقین فی معرفة أصول الدین
  24. في رحاب اولى الألباب
  25. الله الصمد في فقد الولد
  26. في رواق الاُسوة والقدوة
  27. العلم الإلهامي بنظرة جديدة
  28. أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم
  29. الانسان على ضوء القرآن
  30. إجمال الكلام في النّوم والمنام
  31. العصمة بنظرة جديدة
  32. الشباب عماد البلاد
  33. الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين
  34. النور الباهر بين الخطباء والمنابر
  35. التوبة والتائبون علی ضوء القرآن والسنّة
  36. القصاص علی ضوء القرآن والسّنة الجزء الثاني
  37. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الثالث
  38. القول الرشید فی الإجتهاد و التقلید 2
  39. القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد 1
  40. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الاول
  41. الأقوال المختارة في أحكام الطهارة الجزء الأوّل
  42. أحكام السرقة على ضوء القرآن والسنّة
  43. الهدى والضلال على ضوء الثقلين
  44. في رحاب حديث الثقلين
  45. المأمول في تكريم ذرية الرسول 9
  46. عصمة الحوراء زينب 3
  47. عقائد المؤمنين
  48. النفحات القدسيّة في تراجم أعلام الكاظميّة المقدّسة
  49. قبس من أدب الأولاد على ضوء المذهب الإمامي
  50. حقيقة الأدب على ضوء المذهب
  51. تربية الاُسرة على ضوء القرآن والعترة
  52. اليقظة الإنسانية في المفاهيم الإسلامية
  53. هذه هی البرائة
  54. من لطائف الحجّ والزيارة
  55. مختصر دليل الحاجّ
  56. حول دائرة المعارف والموسوعة الفقهية
  57. رفض المساومة في نشيد المقاومة
  58. لمحات قراءة في الشعر والشعراء على ضوء القرآن والعترة :
  59. لماذا الشهور القمرية ؟
  60. فنّ الخطابة في سطور
  61. ماذا تعرف عن العلوم الغريبة
  62. منهل الفوائد في تتمّة الرافد
  63. سهام في نحر الوهّابية
  64. السيف الموعود في نحراليهود
  65. لمعة من الأفكار في الجبر والاختيار
  66. ماذا تعرف عن الغلوّ والغلاة ؟
  67. الروضة البهيّة في شؤون حوزة قم العلميّة
  68. النجوم المتناثرة
  69. شهد الأرواح
  70. المفاهيم الإسلامية في اُصول الدين والأخلاق
  71. مختصر دليل الحاجّ
  72. الشهيد عقل التاريخ المفكّر
  73. الأثر الخالد في الولد والوالد
  74. الجنسان الرجل والمرأة في الميزان
  75. الشاهد والمشهود
  76. محاضرات في علم الأخلاق القسم الثاني
  77. مقتل الإمام الحسين 7
  78. من ملكوت النهضة الحسينيّة
  79. في ظلال زيارة الجامعة
  80. محاضرات في علم الأخلاق
  81. دروس في علم الأخلاق
  82. كلمة التقوى في القرآن الكريم
  83. بيوتات الكاظميّة المقدّسة
  84. على أبواب شهر رمضان المبارک
  85. من وحي التربية والتعليم
  86. حبّ الله نماذج وصور
  87. الذكر الإلهي في المفهوم الإسلامي
  88. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  89. شهر رمضان ربيع القرآن
  90. فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
  91. منية الأشراف في كتاب الإنصاف
  92. العين الساهرة في الآيات الباهرة
  93. عيد الغدير بين الثبوت والإثبات
  94. بهجة الخواصّ من هدى سورة الإخلاص
  95. من نسيم المبعث النبويّ
  96. ويسألونک عن الأسماء الحسنى
  97. النبوغ وسرّ النجاح في الحياة
  98. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  99. نسيم الأسحار في ترجمة سليل الأطهار
  100. لمحة من حياة الإمام القائد لمحة من حياة السيّد روح الله الخميني ومقتطفات من أفكاره وثورته الإسلاميّة
  101. قبسات من حياة سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي «قدّس سرّه الشريف »
  102. طلوع البدرين في ترجمة العلمين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الأمام الخميني 0
  103. رسالة من حياتي
  104. الكوكب السماوي مقدّمة ترجمة الشيخ العوّامي
  105. الكوكب الدرّي في حياة السيّد العلوي 1
  106. الشاكري كما عرفته
  107. كيف أكون موفّقآ في الحياة ؟
  108. معالم الصديق والصداقة في رحاب أحاديث أهل البيت
  109. رياض العارفين في زيارة الأربعين
  110. أسرار الحج والزيارة
  111. القرآن الكريم في ميزان الثقلين
  112. الشيطان على ضوء القرآن
  113. الاُنس بالله
  114. الإخلاص في الحجّ
  115. المؤمن مرآة المؤمن
  116. الياقوت الثمين في بيعة العاشقين
  117. حقيقة القلوب في القرآن الكريم
  118. فضيلة العلم والعلماء
  119. سرّ الخليقة وفلسفة الحياة
  120. السرّ في آية الاعتصام
  121. الأنفاس القدسيّة في أسرار الزيارة الرضويّة
  122. الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف وطول العمر في نظرة جديدة
  123. أثار الصلوات في رحاب الروايات
  124. رسالة أهل البيت علیهم السلام سفينة النجاة
  125. الأنوار القدسيّة نبذة من سيرة المعصومين
  126. السيرة النبوية في السطور العلوية
  127. إشراقات نبويّة قراءة موجزة عن أدب الرسول الأعظم محمّد ص
  128. زينب الكبرى (سلام الله علیها) زينة اللوح المحفوظ
  129. الإمام الحسين (علیه السلام) في عرش الله
  130. رسالة فاطمة الزهراء ليلة القدر
  131. رسالة علي المرتضى (علیه السلام) نقطة باء البسملة
  132. الدرّ الثمين في عظمة أمير المؤمنين - علیه السلام
  133. وميض من قبسات الحقّ
  134. البارقة الحيدريّة في الأسرار العلويّة
  135. رسالة جلوة من ولاية أهل البيت
  136. هذه هي الولاية
  137. رسالتنا
  138. دور الأخلاق المحمّدية في تحكيم مباني الوحدة الإسلاميّة
  139. أخلاق الطبيب في الإسلام
  140. خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
  141. طالب العلم والسيرة الأخلاقية
  142. في رحاب وليد الكعبة
  143. التقيّة في رحاب العَلَمَين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الإمام الخميني
  144. زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار
  145. طالب العلم و السیرة الأخلاقیّة
  146. فاطمة الزهراء سلام الله علیها سرّ الوجود

المحور الثالث : أعمال ليلة القدر

المحور الثالث

أعمال ليلة القدر

س 1 ـ ما هي فلسفة إهتمام الشريعة الإسلاميّة ببعض الأزمنة دون غيرها؟

ج 1 ـ إنّ الشريعة الإسلاميّة دين الله القويم وصراط المستقيم ، ومن يبتغ غير الإسلام دينآ فلن يقبل منه ، قد اكمله الله سبحانه ، وأتمّ النعمة علينا، ورضي الإسلام لنا دينآ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)[1] .

 

ومن ثم ما جاء فيه فهو من عند الله سبحانه ، ومصدر تشريعه وثقافته وحضارته هو القرآن الكريم والسنة الشريفة المتمثلة بقول المعصوم ـ خاتم الأنبياء محمّد  6 وأوصيائه الأئمّة الأثنى عشر : وفعله وتقريره ، والقرآن الكريم قطعى السند، والسُّنة ظني السند، فبعد صحّة صدور، يؤخذ به ، وإنّه الحجّة كما إنّ العقل السليم يعاضد الوحي ، فيصحّ الإحتجاج به . وحينئذٍ ما ورد في الشريعة الإسلاميّة من الاهتمام ببعض الازمنة دون غيرها، إنّما ينبىء ذلک
عن إهتمام الخالق جلّ جلاله بها، وإنّه أعرف بالخلق ، وانه اللطيف الخير الحكيم العليم ، وقد إصطفى من الناس رسلا، وفضل بعض الرّسل على بعض ، كما إختار من الكواكب الأرض . ومن الأرض بقاعآ، وفضل بعضها على بعض ، وكذلک الأمر في الزمان ، فاختار بعض الأزمنة دون بعض ، وفضّل بعضها على بعض ، فاختار من الشهور، شهر رمضان ، ومن لياليها، ليلة القدر، كلّ هذا من لطفه ليتقرب العبد إليه ، فمهّد له أسبابآ ووسائل مكانية وزمانية وأشخاص وأعمال وأقوال وغير ذلک . ليسعد الانسان في إطاعته ، إذ كرّمه على خلقه
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)[2]  (وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ)[3]  فمن الوسيلة الزّمنيّة ليلة القدر الّتي هي

 

خير من ألف شهر، فمن أحياها بالعبادة والطاعة ، فقد أحيا قلبه ، ومن أحياء قلبه فقد عاش حياة طيبة ، وسعد في الدنيا والآخرة ، وهذا من الفوز العظيم الّذي ناله وحازه في ليلة مباركة ، يفرق فيها كلّ أمر حكيم .

 

س 2 ـ لو تحدّثتم سماحة السيد عن البرنامج العبادي الّذي رسمته الشريعة في هذا الزمان المبارک ، أعني في ليلة القدر ويومها؟

ج 2 ـ من فلسفة الخلقة العبادة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)[4] .

 

وحقيقة العبادة وفضيلتها وقبولها يتمّ بالمعرفة ، فحياة الانسان بعبادته ومعرفته ، وليس الفضل بينكم يوم القيامة بصلاتكم وصيامكم ، إنّما الفضل
بالمعرفة ، أفضلكم أفضلكم معرفةً كما قالها الإمام الصادق
 7، ثم العمدة في العبادات بعد المعرفة التامّة بمعرفة الأحكام والآداب والأسرار، هو الإخلاص النابع من التقوى والورع ، وأمّا البرامج فهي المذكورة في كتب الأدعية والسنن وتلاوة القرآن الكريم والصلوات الواجبة والمندوبة ، وكل عمل يتقرب به إلى الله سبحانه من الخيرات والاحسان والحسنات ، ومن الله التوفيق والشديد، ولا حوّل ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم .

فالعبادات ذات الفضيلة ما كانت من ورائها المعرفة التامة ، من الذكر العقلي والقلبي . وانّها لا تكن مجرد لقلة لسان ، كما يشوبها الرياء وحبّ الإطراء والسّمعة والعجب ، ولا الجهل بالأحكام من الأجزاء والشرائط والموانع ، بل يعرف العبادة حق المعرفة ، وحينئذٍ أي عمل وإن كان قليلا وضئيلا ولا شيء، فانه يقبله سبحانه ، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح ، أي الخالص يرفعه ، فعمل قليل مع التقوى خير من كثير من دونها، بل لا مقايسه بينهما (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[5]  قال أميرالمؤمنين  7: «أخلص تنل » «بالاخلاص يكون

الخلاص » فالعمدة التركيز على المحتوى والقلب ، وإن كان لابدّ من تصحيح القالب أيضآ، ولابدّ من العمل الكثير أيضآ كما في دعاء عالية المضامين «اللّهم أرزقني عقلا كاملا ولبّآ راحجآ وعملا كثيرآ وأدبآ بارعآ»، وما أروع بالمؤمن أن يكون عمله كثيرآ، وأن يكون خالصآ ومخلصآ، فقد فاز بسعادة الدارين وبرضوان الله الأكبر.


ومن ثم : يستحب إستحبابآ مؤكدآ أحياء ليالي القدر من أول الغروب الشرعي إلى مطلع الفجر الصادق (سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) والإحياء أن لا تغمض عيناه بسِنةٍ ولا نوم ، ولا لحظات ، بل يكون مستيقضآ، ثم يقضى ليلة إحياءه بالصلاة والأدعية الواردة والمأثورة عن أهل البيت  : فانّهم أدرى بما في البيت ، وقد ذكرها علمائنا الأعلام من السلف الصالح في كتب الأدعيّة ، كالمصباح للكفعمي والاقبال للسيّد ابن طاووس ، وبحار الأنوار للعلّامة المجلسي (كتاب الدعاء) والاقبال للسيّد بن طاووس وأخيرآ مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي  1، وضياء الصالحين للحاج صالح الجواهري عليه الرحمة .

س 3 ـ لو تذكرون لنا سماحة السيد فضل إحياء هذه الليلة المباركة ، مع ذكر بعض الروايات في هذا المجال .

ج 3 ـ يكفى في فضل هذه الليلة العظيمة قول الله سبحانه وتعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)[6]  كما إنّها (أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ)[7]  والبركة بمعنى الخير

 

الكثير، المستقر الثابت والمستمر إلى يوم القيامة . فمن عظمة هذه الليلة ان الانسان يضمن سعادته في المستقبل في ديناه وفي آخرته ، بل بدعائه للاخرين كأسرته وأقربائه وجيرانه وأصدقائه وجميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها يكون سهميآ في سعادتهم وتوفيقاتهم ، فينال بذلک رضا الله ورضوانه ، وحبّ أوليائه الطاهرين ، ومحبّة من يدعو لهم ، كما يستجاب دعائه
في حقّه أيضآ، فهل بعد هذا الفوز فوزآ؟!!

جاء في الحديث الشريف : «من أحياء ليلة القدر غفرت له ذنوبه ، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السّماء، ومثاقيل الجبال ، ومكائيل البحار».

أقول : من الواضح أنه لا يعلم مقدار ذلک ، لا عدد النجوم ولا مثاقيل الجبال ، ولا مكائيل البحار، إلّا الله سبحانه وتعالى والراسخون في العلم ، ومثل هذا الخبر إن حملناه على المجاز، فإنه يخبر عن الكثرة ، بل الكثرة الخارجة عن وهم البشير، والأصح أن يحمل على معناه الحقيقي ، إذ أنّ في الذنوب من الإثم والمعصية بمقدار ذلک ، فإذا ورد: إنّ من يستغيب أخاه المؤمن بإن يذكره بما يكرهه في غيبته ، فإنّه كمن زنا، بأمّه سبعين مرّة في بيت الله الحرام ؟!! فمثل هذا الذنب لا يقلّ وزنه عن مثاقيل الجبال ومكائيل البحار؟!!

فمن عدل الله ولطفه وكرمه أنّ جعل من الأعمال الصالحة ما يقابل الأعمال الطالحة ، بل يزيد ويكثر، لإنّ الله أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ، وسبقت رحمته غضبه ، ويستر القبيح ، ويظهر الجميل .

 

س 4 ـ ممّا يتداول على الألسن أن من أفضل الأعمال في ليلة القدر هو تذاكر العلم ، فهل يوجد نص في هذا المعنى ؟ وهل تقدم مذاكرة العلم على الأعمال العبادية المخصوصة في هذه الليلة ؟

ج 4 ـ لا شک إنّ من أفضل الأعمال بصورة مطلقة ، هو طلب العلم ، فما أكثر النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة عن رسول الله وأهل بيته الطاهرين تنص
على فضيلة العلم والعلماء، ووجوب طلب العلم ، وانه من أفضل الأعمال ، فان فيه حياة القلوب وحياة الإسلام والدين .

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)[8]  (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا

مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[9]  (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّکَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)[10]

 

(وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ)[11]  (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)[12]

 

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّکَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الاِْنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّکَ الاَْكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الاِْنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[13] .

 

وعن رسول الله  6 لأبي ذر رضوان الله تعالى عليه : يا أباذر ساعة في مذاكرة العلم أحب إلى الله من ختمة القرآن إثني عشر ألف مرّ...

إنّ الإسلام دين العلم والإيمان ، ولا شک ان العالم والمتعلم في ليلة القدر يختلف حاله عن حال الجاهل ، وانه ليرتفع درجاته باحياء ليالي قدره ، ويزداد علمآ نافعآ وعملا صالحآ وقربآ من ربّه وما يعقل ذلک إلّا العالمون ، بل هو آيات واضحات وبينات ساطعات في صدور الذين أوتوا العلم ، فمن سلک في ليلة القدر طريقآ في العلم سلک الله به طريقآ إلى الجنة ، وان أكثر الناس في ليالي القدر قيمة ومقامآ أكثرهم علمآ ومعرفةً ، فان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضآ
به ، وانه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء
:، فمن أخذ من علمهم أخذ بخط وافر وعظيم . فلا كنز أنفع من العلم ولا سيّما في ليالي القدر، فقيمة كل أمر ما يحسنه ويعلمه ، فاسألوا الله في طول دهركم ولا سيّما في ليالي قدركم بسطةً في العلم وعافيةً في الجسم ، واسألوا الله العافية ، فانه خير ما يسأل في ليالي القدر العافية ، عافية الدين والدنيا والآخرة .

الله الله في طلب العلم ، فان تعلّمه حسنة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وهو أنيس في الوحشة ، وصاحب في الوحدة ، وسلاح على الاعداء، وزين الاخلاء، يرفع الله به أقوامآ يجعلهم في الخير أئمة يقتدى بهم ، ترمق أعمالهم ، وتقتبس اثارهم ، ترغب الملائكة في خلّتهم ، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم ، لان العلم حياة القلوب ، ونور الأبصار من العمى ، قوة الأبدان من الضعف ، وينزل الله حامله منازل الأبرار، ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا والآخرة ، بالعلم يطاع الله ويعبد، وبالعلم يعرف الله ويوحّد، وبالعلم توصل الأرحام ، وبه يعرف الحلال والحرام ، والعلم إمام العقل ، والعقل تابعه ، يلهمه الله السعداء، ويحرّمه الاشقياء[14] .

 

نعم قال رسول الله  6: «فضل العلم أحبّ إلى الله من فضل العبادة ،
وأفضل دينكم الورع »
أي أفضل أعمال دينكم الورع عن محارم الله عزّوجل .

فإذا كانت ليلة القدر ليلة العبادة والقرب من الله سبحانه ، وإذا كان فضل العلم عند الله أحب إليه من فضل العبادة ، فكيف لا يكون أفضل الأعمال في ليلة القدر طلب العلم ؟! وإلى هذا أشار خاتم المحدّثين شيخنا القمي  1 في (مفاتيح الجنان) فقال : في ليلة الواحدة والعشرين : وقال شيخنا الصدّوق فيما أملى على المشايخ في مجلس واحد من مذهب الإماميّة : ومن أحيا هاتين الليلتين بمذاكرة العلم فهو أفضل .

أقول : وقد سألت في ليلة من ليالي القدر سيّدنا الإستاذ آية الله العظمى السيد النجفي المرعشي  1: وأي علم يتذاكر في هذه الليلة ؟ قال : علم العقيدة . أي ما يكون فيه تصحيح وتقوية العقيدة والإيمان سواء أكان ذلک في التوحيد أو النبوة أو الإمامة أو المعاد، أي تقوية أصول الدين .

قال رسول الله  6: «أربع يلزمن كل ذي حجى وعقل من أمّتي »، قيل  : يا رسول الله ما هنّ؟ قال: «إستماع العلم، وحفظه، ونشر على أهله، والعمل به ».

وأخيرآ: أحبّتي أيها الأعزاء الكرام إجعلوا في ليالي القدر وساعاتها نصيبآ لكم في طلب العلم .

أمالي المفيد بسنده عن حمّاد بن عيسى عن أبي عبدالله  7 قال : «كان فيما وعظ لقمان أبنه : أنّه قال له : يا بنيّ إجعل في أيّامک ولياليک وساعاتک نصيبآ لک في طلب العلم ، فانک لن تجد له تضييعآ مثل تركه ».

وختامآ: الليلة التاسعة عشرة : هي أوّل ليلة من ليالي القدر، وليلة القدر هي
ليلة لا يضاهيها في الفضل سواها من الليالي ، والعمل فيها خير من عمل ألف شهر، وفيها يقدّر شؤون السنة ، وفيها تنزّل الملائكة والروح الأعظم بإذن الله، فتمضى إلى إمام العصر
 7، وتتشرّف بالحضور لديه ، فتعرض عليه ما قدر لكلّ أحد من المقدّرات .

والأعمال في ليالي القدر على نوعين : فقسم منها عام يؤدى في كل ليلة من الليالي الثلاثة ، وقسم خاص يؤتى فيما خصّ به من هذه الليالي .

فمن القسم الأوّل : الغسل عند غروب الشمس ليكون على غسل لصلاة العشاء. والصلاة ركعتان كصلاة الصبح في كلّ ركعة بعد الحمد التوحيد سبع مرات ، ويقول بعد الفراغ سبعين مرّة : (استغفر الله وأتوب إليه).

وفي الحديث النبوي : من فعل ذلک لا يقوم من مقامه حتى يغفر الله له ولأبويه ...

ودعاء المصحف الشريف ورفعه على الرؤوس ، والقسم بالله والأربعة عشر المعصومين  : في قضاء حوائجه ، وزيارة الحسين  7، والإحياء، والصلاة مأة ركعة ، والأدعية المأثورة .

قال العلامة المجلسي  1: إن أفضل الأعمال في هذه الليالي هو الاستغفار والدّعاء لمطالب الدنيا والآخرة ، للنفس وللوالدين والأقارب ، وللإخوان المؤمنين الأحياء منهم والأموات والذكر والصلاة على محمد وآل محمد ما تيسّر. ويستحب قراءة دعاء الجوشن الكبير وغيره .

وأمّا الأعمال الخاصة : ففي ليلة التاسعة عشر: مأة مرة الاستغفار، ومأة مرة
ان يقول : «اللّهم العن قتلة أميرالمؤمنين
 7» والأدعية المأثورة في خصوص هذه الليلة .

وأمّا الواحدة والعشرون : فإن فضلها أعظم من الليلة التاسعة عشرة ، وينبغى أن يؤدى فيها الأعمال العامة والأدعية الخاصة بهذه الليلة ـ كما في مفاتيح الجنان وغيره ـ وقال شيخنا المفيد  1: ينبغي الإكثار في هذه الليلة من الصلاة على محمد وآل محمد، والجدّ في اللعن على ظالمين آل محمد : واللعن على قاتل أميرالمؤمنين  7، فان في هذه الليلة تتجدّد أحزان آل محمد وأشياعهم ، ففيها في سنة أربعين عن الهجرة كانت شهادة مولانا أميرالمؤمنين صلوات الله عليه ، كما كان جراحه بسيف الشقى ابن ملجم لعنة الله على هامة رأسه الشريف في ليلة التاسعة عشرة .

وأمّا ليلة الثالثة والعشرون ، فهي أفضل ليالي القدر، ويستفاد من أحاديث كثيرة أنّها هي ليلة القدر، وهي ليلة الجهنى ، وفيها يقدّر كلّ أمر حكيم ، ولهذه الليلة عدة أعمال خاصة سوى الأعمال التي تشارک فيها الليلتين الماضيتين . وهي قراءة سورتي العنكبوت والروم وقراءة سورة حم دخان ، وقراءة سورة القدر ألف مرّة ، ودعاء الفرج «اللّهم كن لوليک الحجة بن الحسن ...» والأدعيّة المأثور والغسل الثاني في آخر الليل سوى ما يغسله في أوله ـ كما مرّ ـ وزيارة الإمام الحسين  7.

قال العلامة المجلسي  1: عليک في هذه الليلة أن تقرأ القرآن ما تيسّر لک ، وأن تدعو بدعوات الصحيفة الكاملة للإمام السجاد  7 لا سيّما دعاء مكارم الأخلاق ، ودعاء التوبة ، وينبغي أن يراعي حرمة وإحترام أيام ليالي القدر ونهارها والاشتغال فيها بالعبادة وتلاوة القرآن المجيد والدعاء، فقد روي بأسناد معتبر أن يوم القدر مثل ليلته .

أقول قولى هذا واستغفر الله لي ولكم ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، لا سيما بقية الله في الأرضين ، عجّل الله فرجه ، وسهّل مخرجه ، وجعلنا وأياكم من خلّص شيعته وأنصاره والمستشهدين بين يديه ، ورزقنا رأفته ورحمته ودعائه ولطفه الجلّى والخفي ، آنآ بعد آن ، حتّى نلقاه جلّ جلاله وهو راضٍ عنّا برحمته وفضله وكرمه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .



[1] ()  المائدة : 3.

[2] ()  الأسراء: 70.

[3] ()  المائدة : 35.

[4] ()  الذاريات : 56.

[5] ()  المائدة : 27.

[6] ()  القدر: 3.

[7] ()  الدخان : 3.

[8] ()  الزمر: 9.

[9] ()  المجادلة : 11.

[10] ()  يوسف : 76.

[11] ()  العنكبوت : 43.

[12] ()  العنكبوت : 49.

[13] ()  العلق : 3، 4 و 5.

[14] ()  ما ذكرته بعد الآيات إنّما هي عبائر روايات مروية عن رسول الله  6 وأميرالمؤمنين علي  7وعن أهل بيته الطاهرين  : راجع (بحارالأنوار، المجلد الأوّل) بكاملة يتحدّث عن العقل والعلم .