(2)
--------------------------------------------------------------------------------
من ملكوت النهضة
الحسينية(1)
الحمد للّه الذي هدانا
لهذا وما كنّا لنهتدي
لولا أن هدانا اللّه ،
والصلاة
والسلام على أشرف خلق
اللّه محمّد وآله
الطاهرين المعصومين ،
واللعن الدائم
على أعدائهم ومنكري
فضائلهم إلى قيام يوم
الدين .
أمّا بعد .
فاعلم أنّ الإمام الحسين
عليهالسلام مصباح الهدى
وسفينة النجاة ، وأ نّه
عِبرة
وعَبرة ، قتيل العبرة ،
لا يذكره مؤمن إلاّ
استعبر وبكى ، فإنّ لقتله
في قلوب
المؤمنين حرارة لن تبرد
أبدا ، ألا فمن زاره
عارفا بحقّه زار اللّه
في عرشه ،
وكان يوم القيامة في ظلّه
مع النبيّين والصدّيقين ،
بجوار سيّده ومولاه
الإمام
الحسين عليهالسلام سبط
الرحمة وإمام الاُمّة
وسيّد شباب أهل الجنّة ،
الذي قُتل
وأهل بيته مظلومين
مقهورين في مثل شهر محرّم
الحرام سنة ( 61 ) .
للهجرة
النبويّة الشريفة .
عن الريّان بن شبيب قال :
دخلت على الرضا
عليهالسلام في أوّل يوم
من المحرّم
--------------------------------------------------------------------------------
(1) محاضرات إسلاميّة
ألقاها الكاتب في طهران ـ
دولت آباد ، في محرّم
الحرام عام 1424 .
(3)
--------------------------------------------------------------------------------
فقال لي : يا ابن شبيب ،
أصائم أنت ؟
فقلت : لا .
فقال : إنّ هذا اليوم هو
اليوم الذي دعا فيه
زكريّا ربّه عزّ وجلّ
فقال : « رَبِّ
هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ
ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً
إنَّكَ سَمِيعُ
الدُّعَاءِ »(1) فاستجاب
اللّه له وأمر
الملائكة فنادت زكريا وهو
قائم يصلّي في المحراب :
« أنَّ اللّهَ
يُبَشِّرُكَ
بِيَحْيَى »(2) ، فمن صام
هذا اليوم ثمّ دعا اللّه
عزّ وجلّ استجاب اللّه
له كما استجاب
لزكريّا عليهالسلام .
ثمّ قال : يا ابن شبيب ،
إنّ المحرّم هو الشهر
الذي كان أهل الجاهليّة
فيما مضى يحرّمون فيه
الظلم والقتال لحرمته ،
فما عرفت هذه الاُمّة
حرمة شهرها
ولا حرمة نبيّها ، لقد
قتلوا في هذا الشهر
ذرّيّته ، وسبوا نساءه ،
وانتهبوا ثقله ،
فلا غفر اللّه لهم ذلك
أبدا .
يا ابن شبيب، إن كنت
باكيا لشيء فابكِ للحسين
بن عليّ بن أبي طالب
عليهالسلام ،
فإنّه ذبح كما يذبح الكبش
، وقتل معه من أهل بيته
ثمانية عشر رجلاً ، ما
لهم في
الأرض شبيهون .
ولقد بكت السماوات السبع
والأرضون لقتله ، ولقد
نزل إلى الأرض من
الملائكة أربعة آلاف
لنصره ، فوجدوه قد قتل ،
فهم عند قبره شُعث غُبر
إلى أن يقوم
القائم ، فيكونون من
أنصاره وشعارهم ( يا
لثارات الحسين ) .
يا ابن شبيب ، لقد حدّثني
أبي عن أبيه عن جدّه : أ
نّه لمّا قتل جدّي الحسين
--------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة آل عمران :
الآية 38 .
(2) سورة آل عمران :
الآية 39 .
(4) ··· من ملكوت النهضة
الحسينيّة
--------------------------------------------------------------------------------
أمطرت السماء دما وترابا
أحمر .
يا ابن شبيب ، إن بكيت
على الحسين حتّى تصير
دموعك على خدّيك
غفر اللّه لك كلّ ذنب
أذنبته صغيرا كان أو
كبيرا ، قليلاً كان أو
كثيرا .
يا ابن شبيب ، إن سرّك أن
تلقى اللّه عزّ وجلّ ولا
ذنب عليك فزر
الحسين عليهالسلام .
يا ابن شبيب ، إن سرّك أن
تسكن الغرف المبنيّة في
الجنّة مع النبيّ
صلىاللهعليهوآله
فالعن
قتلة الحسين .
يا ابن شبيب ، إن سرّك أن
يكون لك من الثواب مثل ما
لمن استشهد مع
الحسين فقل متى ما ذكرته
: ( يا ليتني كنت معهم
فأفوز فوزا عظيما ) .
يا ابن شبيب ، إن سرّك أن
تكون معنا في الدرجات
العلى من الجنان ،
فاحزن لحزننا وافرح
لفرحنا ، وعليك بولايتنا
، فلو أنّ رجلاً تولّى
حجرا لحشره
اللّه معه يوم
القيامة(1) .
هذا الحديث الشريف من
مئات الأحاديث المرويّة
عن رسول اللّه والعترة
الطاهرة في عظمة الإمام
الحسين عليهالسلام ، ولا
يمكن لأحد أن يصل إلى
مقامه
الشامخ إلاّ من كان يلوذ
بنوره الساطع .
لقد قيل لمعاوية : إنّ
الناس قد رموا أبصارهم
إلى الحسين ، فلو قد
أمرته
يصعد المنبر فيخطب فإنّ
فيه حصرا وفي لسانه كلالة
، فقال لهم معاوية : قد
ظننّا
ذلك بالحسن فلم يزل حتّى
عظم في أعين الناس وفضحنا
.
فلم يزالوا به حتّى قال
للحسين عليهالسلام : يا
أبا عبد اللّه ، لو صعدت
المنبر
--------------------------------------------------------------------------------
(1) بحار الأنوار 44 :
206 ، عن الاحتجاج : 152
.
من ملكوت النهضة
الحسينيّة ··· (5)
--------------------------------------------------------------------------------
فخطبت . فصعد الحسين
عليهالسلام المنبر ،
فحمد اللّه وأثنى عليه
ثمّ صلّى على
النبيّ
صلىاللهعليهوآله ،
فسمع رجلاً يقول : مَن
هذا الذي يخطب ؟ فقال
الحسين عليهالسلام : نحن
حزب اللّه الغالبون ،
وعترة رسول اللّه
الأقربون ، وأهل بيته
الطيّبون ، وأحد الثقلين
اللذين جعلنا رسول اللّه
ثاني كتاب اللّه تبارك
وتعالى ، الذي فيه تفصيل
كلّ شيء ،
لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه ،
والمعوّل علينا في تفسيره
، ولا يبطئنا
تأويله ، بل نتّبع حقائقه
، فاطيعونا فإنّ طاعتنا
مفروضة ، إذ كانت بطاعة
اللّه
ورسوله مقرونة ، قال
اللّه عزّ وجلّ : «
أطِيعُوا اللّهَ
وَأطِيعُوا الرَّسُولَ
وَاُوْلِي الأمْرِ
مِنْكُمْ فَإنْ
تَـنَازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى
اللّهِ وَالرَّسُولِ
»(1) ، وقال : « وَلَوْ
رَدُّوهُ
إلَى الرَّسُولِ وَإلَى
اُوْلِي الأمْرِ مِنْهُمْ
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ
مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ
اللّهِ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ
لاتَّبَعْتُمُ
الشَّيْطَانَ إلاَّ
قَلِيلاً »(2) .
واُحذّركم من الإصغاء إلى
هتوف
الشيطان بكم ، فإنّه لكم
عدوّ مبين فتكونوا
كأوليائه الذين قال لهم :
« لا غَالِبَ
لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ
النَّاسِ وَإنِّي جَارٌ
لَكُمْ فَلَمَّا
تَرَاءَتِ الفِئَتَانِ
نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ
وَقَالَ إنِّي
بَرِيءٌ مِنْكُمْ »(3) ،
فتلقون للسيوف ضربا ،
وللرماح وردا ، وللعمد
حطما ، وللسهام
غرضا ، ثمّ لا يقبل من
نفسه إيمانها لم تكن آمنت
من قبل أو كسبت في
إيمانها
خيرا .
قال معاوية : حسبك يا أبا
عبد اللّه ، فقد
أبلغت(4) .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة النساء : الآية
59 .
(2) سورة النساء : الآية
83 .
(3) سورة الأنفال : الآية
48 .
(4) البحار 44 : 286 ، عن
أمالي الصدوق وعيون أخبار
الرضا 1 : 299 .