(2)
--------------------------------------------------------------------------------
في ظلال زيارة الجامعة(1)
الحمد للّه الهادي إلى
الصواب والرشاد ، والصلاة
والسلام على أشرف
الخلق والعباد محمّد وآله
الأسياد الأمجاد .
أمّا بعد ؛ فلا يخفى أنّ
محور الموضوع في رسالتنا
الوجيزة هذه سيكون
حول دور الإمام عليّ بن
محمّد الهادي عليهالسلام
في تصدّيه لأهل البدع
وردّ الشبهات
التي اُثيرت في عصره ،
ونطرق هذا المبحث من خلال
( زيارة الجامعة الكبرى )
التي رواها الأصحاب عنه
عليهالسلام بسندٍ معتبر
كما هو ثابت في محلّه
ونشير إليه ،
ومقدّمةً نقول :
إنّ الإمام لغةً : بمعنى
المتبوع في أفعاله
وأقواله ، والإمامة بمعنى
المتابعة
بين الاُمّة وإمامها ،
وبين الرعيّة وقائدها
وسائقها ، ومنها صلاة
الجماعة والجمعة
فإنّها بين إمام ومأموم
...
--------------------------------------------------------------------------------
(1) محاضرة إسلامية
ألقاها الكاتب في مركز
الأبحاث العقائدية بقم
المقدّسة يوم 12 من
شعبان سنة 1422 وعلى شبكة
الإنترنيت .
(3)
--------------------------------------------------------------------------------
والإمامة اصطلاحا : رئاسة
عامّة في اُمور الدين
والدنيا بنصّ من اللّه
سبحانه ورسوله
صلىاللهعليهوآله عند
أتباع مذهب أهل البيت
عليهمالسلام ، وبالشورى
وتعيين أهل
الحلّ والعقد عند أبناء
العامّة والجمهور .
والإمامة عند الشيعة
الإماميّة الاثني عشرية
تعني المرجعيّة بأبعادها
الثلاثة
الكلّية ، وهي :
1 ـ المرجعيّة الدنيويّة
والاجتماعيّة السياسيّة
القياديّة : بمعنى
الرئاسة
والقيادة العامّة في
اُمور الدنيا من إدارة
البلاد وحكومتها .
2 ـ المرجعيّة الدينية
والعلميّة والتشريعيّة :
بمعنى الرئاسة في اُمور
الدين
وتبليغه ودفع الشبهات
وحفظ الرسالة من الضياع
والانحراف الذي ينتهي إلى
عدمها ومحقها .
3 ـ المرجعيّة التكوينيّة
: بمعنى الإمامة العامّة
لكلّ الخلق والمحوريّة
والقطبيّة في عالم
التكوين والولاية العظمى
في عالم الإمكان وفي ما
سوى اللّه
سبحانه وتعالى .
والأئمّة المعصومون من
أهل البيت عليهمالسلام
وإن كانت لهم أدوار
مختلفة
ومتفاوتة بحسب ظروفهم
وعصورهم ، فمنهم من رضي
بالصلح كالإمام الحسن
المجتبى عليهالسلام ،
ومنهم من ثار بالسيف
كالإمام الحسين سيّد
الشهداء عليهالسلام ،
ومنهم من التجأ إلى
الدعاء والعبادة حتّى صار
زين العابدين وسيّد
الساجدين ،
ومنهم من تربّع على كرسيّ
التدريس وبيان العلوم
والمعارف كالإمامين
الباقر
والصادق عليهماالسلام ،
ومنهم من ألجأته الظروف
وظلم الطغاة أن يكون
سجينا كالإمام
الكاظم عليهالسلام ،
ومنهم من قَبِل ولاية
العهد كالإمام الرضا
عليهالسلام ، وغير ذلك
من
(4) ··· في ظلال زيارة
الجامعة
--------------------------------------------------------------------------------
الأدوار المختلفة ، إلاّ
أ نّهم اشتركوا جميعا في
حفظ الرسالة الإسلامية من
الضياع
والانحراف كلّ بحسب ظروفه
ومحيطه ، كما تصدّوا لدفع
الشبهات التي تثار بين
آونة واُخرى ، فأوّلاً
كان السعي لحفظ أصل
الإمامة والخلافة وإرجاع
الناس إليها
مرّة اُخرى ، بعد أن
انقلبوا على أعقابهم
وارتدّوا عنها إلاّ ما
يعدّ بالأصابع ، ثمّ وقع
البعض في الإفراط من
الغلوّ في حقّ الإمام
والإمامة ، ومنهم من وقع
في التفريط
والتقصير في حقّ الإمام
والإمامة ، فكان دور
الأئمة حينئذٍ في تصحيح
مسيرة
الشيعة أنفسهم بردّ
الشبهات وإبطال البدع
ومحاربة أصحابها ، فاتّخذ
الأئمة
الأطهار عليهمالسلام
وشيعتهم مواقف صريحة
وصلبة من المنحرفين من
الغلوّ والغلاة
ومن التقصير والمقصّرين ،
وقد أعلنوا عن كفر اُولئك
وإلحادهم ، وبيّنوا زيف
هؤلاء وبطلانهم ، فمن
تقدّم عليهم مارق من
الدين ، ومن قصّر في
حقّهم زاهق ،
ومن لحق بهم ، وتمسّك
بحجزتهم ، ولزمهم في
معتقداته وسلوكه فهو
السابق
اللاحق ، فإنّهم النمرقة
الوسطى والصراط المستقيم
والعروة الوثقى وسفن
النجاة
ومصابيح الهدى .
وإنّما تصدّوا لأهل البدع
حفاظا على الخطّ الرسالي
المحمّدي الأصيل
الذي دافع عنه الأئمة
عليهمالسلام منذ اليوم
الأوّل بكلّ ما اُتيح لهم
من وسائل وأسباب
ولم يدّخروا في هذا
السبيل وسعا وجهدا .
أجل : لقد اندسّ في صفوف
شيعة أهل البيت
عليهمالسلام جماعة خبيثة
ـ كالجمرة
الخبيثة ـ من أهل الدجل
والبدع والأضاليل إلى حدّ
الإلحاد والكفر ، حاملين
معاول الهدم والتخريب في
صرح وكيان الإسلام
ومبادئه وتعاليمه السامية
،
فأغروا بعض البسطاء
والسذّج الذين لا يملكون
أيّ وعي وتفكّر وتعمّق .
فلقد
مقدّمة ··· (5)
--------------------------------------------------------------------------------
انتحل الغلاة بعض
الأحاديث ودسّوها في
أقوال الأئمة
عليهمالسلام وذلك لكسب
الأنصار والمؤيّدين من
جهة ، ولإعطاء الصبغة
الدينية والشرعيّة على
أعمالهم
وأقوالهم من جهة اُخرى ،
ولتهديم الشريعة وتشويهها
من جهة ثالثة . وللحصول
على المال والمنال
والرجال من جهة رابعة .
قال الإمام الرضا
عليهالسلام : إنّ
مخالفينا وضعوا أخبارا في
فضائلنا ، وجعلوها
على ثلاثة أقسام : أحدها
الغلوّ ، وثانيها التقصير
في أمرنا ، وثالثها
التصريح
بمثالب أعدائنا ، فإذا
سمع الناس الغلوّ فينا
كفّروا شيعتنا ونسبوهم
إلى القول
بربوبيّتنا ، وإذا سمعوا
التقصير اعتقدوه فينا ،
وإذا سمعوا مثالب أعدائنا
بأسمائهم
ثلبونا بأسمائنا(1) .
وفي عصر الإمام الهادي
عليّ بن محمّد
عليهماالسلام كان لهؤلاء
الغلاة دورا فعّالاً ،
ربما كان من جرّاء حبس
الإمام عليهالسلام من
قبل المتوكّل العباسي في
معسكر جيشه
في سامراء فاستغلّ هؤلاء
عدم حضور الإمام
عليهالسلام في الساحة
للإقامة الجبريّة
عليه في مدينة سامراء
آنذاك .
ومن رؤوس هؤلاء الغلاة
المعاصرين للإمام الهادي
عليهالسلام علي بن حسكة
القمّي ـ وكانت قم آنذاك
مهد التشيّع ـ والقاسم بن
يقطين ، والحسن بن محمّد
بن
باب القمّي ، وفارس بن
حاتم بن ماهويه القزويني
، ومحمّد بن نصير الفهري
النميري ، وغيرهم .
لقد اختلق هؤلاء الأحاديث
على لسان الأئمة
عليهمالسلام التي تشمئزّ
منها
--------------------------------------------------------------------------------
(1) عيون أخبار الرضا
عليهالسلام 1 : 304 .
(6) ··· في ظلال زيارة
الجامعة
--------------------------------------------------------------------------------
النفوس ، ومن بدعهم
وأضاليلهم التي حاولوا
فيها الكيد للإسلام
والطعن به
وتشويه واقع الأئمة
الأطهار من أهل البيت
عليهمالسلام ادّعاؤهم
أنّ الصلاة والزكاة
والصيام وسائر الفرائض
جميعها رجل ، فاستهتروا
بسائر الفرائض والسنن
الإلهيّة ،
وأسقطوا عمّن دان بمذهبهم
، بل وأباحوا النكاح من
المحارم واللواط ، وقالوا
بالتناسخ ، وما إلى ذلك
من المحرّمات والأباطيل .
والأنكى من جميع ذلك أ
نّهم ادّعوا الربوبيّة
للإمام الهادي
عليهالسلام بأ نّه هو
الربّ الخالق والمدبّر
للكون ، وأ نّه بعث ابن
حسكة ومحمّد بن نصير
الفهري
وابن بابا وغيرهم أنبياء
يدعون الناس إليهم
ويهدونهم ، وكان هدفهم
الأساس
هو الاستحواذ على أموال
الناس والحقوق والوجوه
الشرعيّة التي تُحمل إلى
الإمام عليهالسلام كما
هو ظاهر كثير من الروايات
.
وعلى الرغم من الإقامة
الجبرية على الإمام
عليهالسلام في هيمنة
خلفاء
بني العباس الجائرين ،
وملاحقة مواليه وشيعته
ومحبّيه ، فإنّه
عليهالسلام وأصحابه
رضوان اللّه عليهم لم
يألوا جهدا في سبيل تصحيح
المسار ، والتصدّي لهذه
الحركة
المشبوهة والمنحرفة ضمن
المسؤولية الشرعيّة
والمرجعيّة الدينية
والعلمية
والتبليغيّة المناط به
عليهالسلام ، للحفاظ على
الإسلام والمسلمين بكلّ
ما حوى من
علوم ومعارف واتّجاهات ،
فقد لعنهم الإمام
عليهالسلام وأعلن
البراءة منهم ، ودعا
عليهم ، وحذّر أصحابه
وسائر المسلمين من
الاتّصال بهم أو الانخداع
بمفترياتهم
ودسائسهم ، بل وأمر بقتل
زعيم الغلاة في وقته فارس
بن حاتم ، وضمن لقاتله
الجنّة ، كما ورد في
الروايات والتاريخ .
ثمّ الإمام علي الهادي
عليهالسلام كي يبيّن
حقيقة الإمامة بأبعادها
ومراتبها
مقدّمة ··· (7)
--------------------------------------------------------------------------------
ومقاماتها لظروفه الخاصّة
، أبانها من خلال زيارة
الجامعة التي وردت لمن
أراد
أن يزور الأئمة الأطهار
عليهمالسلام دون غيرهم
حتّى فاطمة الزهراء
عليهاالسلام ، فإنّها لا
تزار
بهذه الزيارة ، فهي
مختصّة بهم لما فيها من
بيان مقامات الإمامة
والإمام ، وقبل
الورود في بيان الدلالات
فيها ، لا بأس أن نذكر
السند وما يترتّب عليه من
الصحّة
والقبول ، لإثارة بعض
المخالفين ضبابة حول صحّة
الصدور .