آية الإمامة

 

قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهيüمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُکَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتيü قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِميüنَ )[1] .

 

والإمامة في الآية الشريفة غير النبوة التي تعني تحمّل الوحي ، وغير الرسالة التي هي عبارة عن منصب ابلاغه إلى الناس ، فإنّ الإمامة التي أعطاه الله خليله إبراهيم  7 في أواخر حياته ، لم تكن من النبوة ولا الرسالة ، لأنه كان نبيّاً ورسولاً قائماً بوظائفهما، بل المراد من الإمامة في المقام هو منصب القيادة الذي يعبّر عنه في المصطلح القرآني بالمُلک ، وهو بمعنى تنفيذ الشريعة وقوانيهما في المجتمع بقدرة وقوة .

ومن آيات الملک : (أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهيüمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظيüماً)[2] .

 

وعن لسان يوسف  7 عند ما تمكن في الأرض حكومةً : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنيü مِنَ الْمُلْکِ وَعَلَّمْتَنيü مِنْ تَأْويüلِ الاَْحاديüثِ )[3] .

 

وعن داود: (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْکَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ)[4]  (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ

وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ )[5] .

 

وعن سليمان : (وَهَبْ ليü مُلْكاً لا يَنْبَغيü لاَِحَدٍ مِنْ بَعْدüي إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهّابُ ).

فالإمامة تعني المُلک والرياسة العامّة في الدين والدنيا، بنصب من الله سبحانه ، كما أعطى ذلک لبعض أنبيائه .

وقد طلب ابراهيم الخليل  7 ذلک لذريّته ، فأجابه الله سبحانه : إنّها تكون لبعضهم ، كما إنّها ربما تجتمع النبوة والإمامة كما في ابراهيم نفسه ، وفي يوسف وداود، وربما تكون الإمامة دون النبوة كما في طالوت في قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْکُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْکِ مِنْهُ وَلَمْ يُوْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُوْتيü مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَليüمٌ )[6] .

 

فبيّن النبوة والإمامة من النسب في المفاهيم : العموم والخصوص من وجه لافتراقهما في موردين وإجتماعها في مورد واحد.

فالإمامة في إجابة ابراهيم الخليل  7 إنّما هي لمن لم يكن ظالماً لنفسه
وللناس ، وذلک للاطلاق فيها، فالإمامة منصب إلهي لا يناله الظالمون ، فان الإمام هو المطاع بين الناس على الاطلاق ، كما هو المتصرف في النفوس والأموال ، فهو أولى الناس بأنفسهم ، كما كان النبي  6، فيجب من باب اللطف أن يكون الإمام على الصراط المستقيم ، ومن تجاوز عن الحد، فانه لا يصلح لهذا المنصب ، فكل من تجاوز الحدّ، أو عصى الله، أو ظلم نفسه ، أو عبد الصنم ، أو لاذ إلى وثن وأشرک بالله، فانه لا ينال عهد الإمامة والمُلک ، لقوله تعالى (لا ينال عهدي الظالمين) سواء أكان ملتبساً بالظلم ، أو إنقضى عنه ، فهو كالسارق الذي يحكم عليه بقطع يده بعد ثبوته عند الحاكم الشرعي ، حتى ولو تاب منه ، فليس من الموضوع الذي يزول حكمه بزواله ، أو زال وصفه ، كالخمر حرام ، ـ فتدبّر فإنه بهذا الوجه الوجيه والقاطع نلغي وننكر مشروعية خلافة خلفاء الجور والظلم من الطغاة والجبابرة ـ.

ويدل على ذلک : إنّ الناس في الظلم على أربعة أصناف :

فأما ان يكون ظالماً طيلة عمره أو عند تصديه للامامة ، وهذان غير مقصودين في دعاء ابراهيم 7 قطعاً، أو كان نقيّاً معصوماً طيلة حياته ، أو كان ظالماً في بداية عمره كأن يكون عابداً للوثن وساجداً للصنم ، وتاب في آخر عمره ـ لو تاب ـ بعد أن قضى معظم عمره في الشرک ، والثاني منفي بالآية فانه لا ينال عهد الله، فيبقى الاوّل أي من كان معصوماً طيلة حياته ، فثبت المطلوب .