ارسال السریع للأسئلة
تحدیث: ١٤٤٥/١٢/٢٤ السیرة الذاتیة کتب مقالات الصور دروس محاضرات أسئلة أخبار التواصل معنا
العصمة بنظرة جديدة مجلة الکوثر الرابع والثلاثون - شهر رجب المرجب 1437هـ -2016م صحيفة صوت الكاظمين الشهرية العدد 207/206 النور الباهر بين الخطباء والمنابر قناة الکاظمين مصباح الهداية ونبراس الأخلاق بإدارة السید محمد علي العلوي الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين الشباب عماد البلاد إجمال الكلام في النّوم والمنام المؤسسة الإسلامية العالمية التبليغ والإرشاد برعایة السید عادل العلوي صحیفة صوت الکاظمین 205-204 شهر رجب وشعبان 1437هـ الانسان على ضوء القرآن أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم العلم الإلهامي بنظرة جديدة في رواق الاُسوة والقدوة الله الصمد في فقد الولد في رحاب اولى الألباب المأتم الحسیني الأسبوعي بإشراف السید عادل العلوي في دارالمحققین ومکتبة الإمام الصادق علیه السلام- إحیاء للعلم والعل نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل مجلة الکوثر الثالث والثلاثون - شهر محرم الحرام 1437هـ -2015م نور العلم والعلم نور مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
اللغة
تابعونا...
فهرست کتاب‌‌ لیست کتاب‌ها
■ الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين ٥
■ فاطمة الزهراء ٣ جمال الله وحسنه ٢٣
■ من السيرة الفاطميّة ٢٥
■ فاطمة الزّهراء ٣ معلّمة البشريّة ٣١
■ فاطمة الزّهراء ٣ مشكاة الأنوار ٤٥
■ فاطمة الزّهراء ٣ قلب آية المودّة ٤٨
■ الخصائص الفاطميّة إجمالاً ٥١
■ علي وفاطمة ٨ كفتا ميزان الوجود ٦٧
■ المواضع التي ورد فيها لفظ (فاطمة) ٧٢
■ خلق الزّهراء ٣ النّوري ٧٩
■ خلق فاطمة ٣ من نور العظمة ٨٢
■ الحوارء الإنسّية ٨٨
■ أسماء فاطمة الزّهراء ٣ ٩٤
■ من معاني الزّهراء ٣ ووجه التسميّة ٩٨
■ الخلق النّوري والزّواج السّماوي ١٠٣
■ أصل شجرة الزّهراء ٣ غصن شجرة النّبي ٦ ١٠٥
■ شرافة الرّوح الفاطميّة ١٠٨
■ كيفيّة حمل الزّهراء ٣ وولادتها الخاص بها ١١٠
■ إختصاصها بحُلّي الجنّة في دنياها فضلاً عن آخرتها ١١٥
■ فاطمة الزّهراء ٣ بحر النبوّة ١١٧
■ الشفع الفاطمي ١١٩
■ فاطمة ٣ النّساء محور أصحاب الكساء : ١٢١
■ فاطمة الزّهراء ٣ ليلة القدر ١٢٤
■ أُمّ الأئمّة النجباء ١٢٧
■ مصحف فاطمة الزّهراء ٣ ١٢٨
■ عصمة الزّهراء ٣ ١٣٤
■ إخلاص الزّهراء ٣ وصدقها ونسلها المبارک ١٣٧
■ أفضل نساء أهل الأرض فاطمة الزّهراء ٣ ١٤٠
■ أحب النّساء إلى رسول الله ٦ فاطمة ٣ ١٤١
■ حبّ فاطمة الزّهراء ٣ ١٤٤
■ البدء بفاطمة ٣ والختم بها ١٤٧
■ برّ فاطمة ٣ خير العمل ١٤٩
■ مظلوميّة الزّهراء ٣ وأوّل لاحقة برسول الله ٦ ١٥٢
■ من أسرار الزيارة الفاطميّة ١٥٤
■ الشفاعة الفاطميّة والمتجلّية في شيعتها ١٦١
■ الشفاعة الفاطميّة لمحبّيها ١٦٧
■ إشراق الجنان بضحک فاطمة الزّهراء ٣ ١٦٩
■ فاطمة الزّهراء ٣ قلب المصطفى ٦ ١٧٢
■ الطهارة الفاطميّة ١٧٤
■ تسبيح فاطمة الزّهراء ٣ ١٧٦
■ فاطمة الزّهراء ٣ تحدّثها الملائكة ١٧٨
■ فاطمة الزّهراء ٣ في حظيرة القدس ١٨٢
■ فاطمة ٣ أعبد النّاس بعد أبيها وبعلها ١٨٤
■ فاطمة الزهراء ٣ في محراب العبادة ١٨٧
■ سر من أسرار فاطمة الزهراء ٣ ٢٠١
■ فاطمة الزهراء ٣ الإنسان الكامل ٢٠٧
■ فاطمة الزهراء ٣ آية للعالمين ٢٠٩
■ فهرس الموضوعات ٢١٣
  1. النوران الزهراء والحوراء
  2. الأقوال المختارة في احکام الصلاة سنة 1436هـ
  3. الکافي في اصول الفقه سنة 1436هـ
  4. في رحاب الخير
  5. الغضب والحلم
  6. إیقاظ النائم في رؤیة الامام القائم
  7. الضيافة الإلهيّة وعلم الامام
  8. البداء بين الحقيقة والافتراء
  9. سيماء الرسول الأعظم محمّد (ص) في القرآن الكريم
  10. لمعة من النورین الامام الرضا (ع) والسیدة المعصومة(س)
  11. الدوّحة العلوية في المسائل الافريقيّة
  12. نور الآفاق في معرفة الأرزاق
  13. الوهابية بين المطرقة والسندانه
  14. حلاوة الشهد وأوراق المجدفي فضيلة ليالي القدر
  15. الوليتان التكوينية والتشريعية ماذا تعرف عنها؟
  16. الصّارم البتّار في معرفة النور و النار
  17. بريق السعادة في معرفة الغيب والشهادة
  18. الشخصية النبوية على ضوء القرآن
  19. الزهراء(س) زينة العرش الإلهي
  20. مقالات في رحاب الامام الحسين(ع)
  21. نور العلم والعلم نور
  22. نظرات في الإنسان الكامل والمتكامل
  23. دروس الیقین فی معرفة أصول الدین
  24. في رحاب اولى الألباب
  25. الله الصمد في فقد الولد
  26. في رواق الاُسوة والقدوة
  27. العلم الإلهامي بنظرة جديدة
  28. أخلاق الأنبياء في القرآن الكريم
  29. الانسان على ضوء القرآن
  30. إجمال الكلام في النّوم والمنام
  31. العصمة بنظرة جديدة
  32. الشباب عماد البلاد
  33. الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين
  34. النور الباهر بين الخطباء والمنابر
  35. التوبة والتائبون علی ضوء القرآن والسنّة
  36. القصاص علی ضوء القرآن والسّنة الجزء الثاني
  37. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الثالث
  38. القول الرشید فی الإجتهاد و التقلید 2
  39. القول الرشيد في الاجتهاد والتقليد 1
  40. القصاص على ضوء القرآن والسنّة الجزء الاول
  41. الأقوال المختارة في أحكام الطهارة الجزء الأوّل
  42. أحكام السرقة على ضوء القرآن والسنّة
  43. الهدى والضلال على ضوء الثقلين
  44. في رحاب حديث الثقلين
  45. المأمول في تكريم ذرية الرسول 9
  46. عصمة الحوراء زينب 3
  47. عقائد المؤمنين
  48. النفحات القدسيّة في تراجم أعلام الكاظميّة المقدّسة
  49. قبس من أدب الأولاد على ضوء المذهب الإمامي
  50. حقيقة الأدب على ضوء المذهب
  51. تربية الاُسرة على ضوء القرآن والعترة
  52. اليقظة الإنسانية في المفاهيم الإسلامية
  53. هذه هی البرائة
  54. من لطائف الحجّ والزيارة
  55. مختصر دليل الحاجّ
  56. حول دائرة المعارف والموسوعة الفقهية
  57. رفض المساومة في نشيد المقاومة
  58. لمحات قراءة في الشعر والشعراء على ضوء القرآن والعترة :
  59. لماذا الشهور القمرية ؟
  60. فنّ الخطابة في سطور
  61. ماذا تعرف عن العلوم الغريبة
  62. منهل الفوائد في تتمّة الرافد
  63. سهام في نحر الوهّابية
  64. السيف الموعود في نحراليهود
  65. لمعة من الأفكار في الجبر والاختيار
  66. ماذا تعرف عن الغلوّ والغلاة ؟
  67. الروضة البهيّة في شؤون حوزة قم العلميّة
  68. النجوم المتناثرة
  69. شهد الأرواح
  70. المفاهيم الإسلامية في اُصول الدين والأخلاق
  71. مختصر دليل الحاجّ
  72. الشهيد عقل التاريخ المفكّر
  73. الأثر الخالد في الولد والوالد
  74. الجنسان الرجل والمرأة في الميزان
  75. الشاهد والمشهود
  76. محاضرات في علم الأخلاق القسم الثاني
  77. مقتل الإمام الحسين 7
  78. من ملكوت النهضة الحسينيّة
  79. في ظلال زيارة الجامعة
  80. محاضرات في علم الأخلاق
  81. دروس في علم الأخلاق
  82. كلمة التقوى في القرآن الكريم
  83. بيوتات الكاظميّة المقدّسة
  84. على أبواب شهر رمضان المبارک
  85. من وحي التربية والتعليم
  86. حبّ الله نماذج وصور
  87. الذكر الإلهي في المفهوم الإسلامي
  88. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  89. شهر رمضان ربيع القرآن
  90. فاطمة الزهراء مشكاة الأنوار
  91. منية الأشراف في كتاب الإنصاف
  92. العين الساهرة في الآيات الباهرة
  93. عيد الغدير بين الثبوت والإثبات
  94. بهجة الخواصّ من هدى سورة الإخلاص
  95. من نسيم المبعث النبويّ
  96. ويسألونک عن الأسماء الحسنى
  97. النبوغ وسرّ النجاح في الحياة
  98. السؤال والذكر في رحاب القرآن والعترة
  99. نسيم الأسحار في ترجمة سليل الأطهار
  100. لمحة من حياة الإمام القائد لمحة من حياة السيّد روح الله الخميني ومقتطفات من أفكاره وثورته الإسلاميّة
  101. قبسات من حياة سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي «قدّس سرّه الشريف »
  102. طلوع البدرين في ترجمة العلمين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الأمام الخميني 0
  103. رسالة من حياتي
  104. الكوكب السماوي مقدّمة ترجمة الشيخ العوّامي
  105. الكوكب الدرّي في حياة السيّد العلوي 1
  106. الشاكري كما عرفته
  107. كيف أكون موفّقآ في الحياة ؟
  108. معالم الصديق والصداقة في رحاب أحاديث أهل البيت
  109. رياض العارفين في زيارة الأربعين
  110. أسرار الحج والزيارة
  111. القرآن الكريم في ميزان الثقلين
  112. الشيطان على ضوء القرآن
  113. الاُنس بالله
  114. الإخلاص في الحجّ
  115. المؤمن مرآة المؤمن
  116. الياقوت الثمين في بيعة العاشقين
  117. حقيقة القلوب في القرآن الكريم
  118. فضيلة العلم والعلماء
  119. سرّ الخليقة وفلسفة الحياة
  120. السرّ في آية الاعتصام
  121. الأنفاس القدسيّة في أسرار الزيارة الرضويّة
  122. الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف وطول العمر في نظرة جديدة
  123. أثار الصلوات في رحاب الروايات
  124. رسالة أهل البيت علیهم السلام سفينة النجاة
  125. الأنوار القدسيّة نبذة من سيرة المعصومين
  126. السيرة النبوية في السطور العلوية
  127. إشراقات نبويّة قراءة موجزة عن أدب الرسول الأعظم محمّد ص
  128. زينب الكبرى (سلام الله علیها) زينة اللوح المحفوظ
  129. الإمام الحسين (علیه السلام) في عرش الله
  130. رسالة فاطمة الزهراء ليلة القدر
  131. رسالة علي المرتضى (علیه السلام) نقطة باء البسملة
  132. الدرّ الثمين في عظمة أمير المؤمنين - علیه السلام
  133. وميض من قبسات الحقّ
  134. البارقة الحيدريّة في الأسرار العلويّة
  135. رسالة جلوة من ولاية أهل البيت
  136. هذه هي الولاية
  137. رسالتنا
  138. دور الأخلاق المحمّدية في تحكيم مباني الوحدة الإسلاميّة
  139. أخلاق الطبيب في الإسلام
  140. خصائص القائد الإسلامي في القرآن الكريم
  141. طالب العلم والسيرة الأخلاقية
  142. في رحاب وليد الكعبة
  143. التقيّة في رحاب العَلَمَين الشيخ الأعظم الأنصاري والسيّد الإمام الخميني
  144. زبدة الأفكار في طهارة أو نجاسة الكفّار
  145. طالب العلم و السیرة الأخلاقیّة
  146. فاطمة الزهراء سلام الله علیها سرّ الوجود

الخصائص الفاطميّة على ضوء الثقلين 5

بسم الله الرّحمن الرّحيم

 

الخصائص الفاطميّة[1]  على ضوء الثقلين

 

 

الحمد لله فاطر السّماوات والأرض ، والصلاة والسّلام على أشرف خلقه ، فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها الأئمّة الأحد عشر المعصومين ، لاسيّما بقيّة الله في الأرضين ، ولدها الإمام المهدي الموعود عجّل الله فرجه الشّريف .

ربّي أنطقني بالهدى وألهمني التقوى .

أمّا بعد: فإنّ الله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه الكريم (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[2] .

 



(اللّهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسّر المستودع فيها بعدد ما أحاط به علمک وأحصاه كتابک). ثمّ إعلموا إيّها الأحبّة الكرام ، إنّ المحبّة والحبّ أساس كلّ شيءٍ، فما خلق الله الخلق إلّا حبّاً، كما ورد في الحديث القُدسي الشريف : «كنت كنزاً مخفيّاً، فأحببت أن أُعرف ، فخلقت الخلق لكي أُعرف ».

ثمّ الحبّ في الإنسان ينشأ من المعرفة ، فمن لم نعرفه كيف نحبّه؟ كما لو كان عندنا صديق من قبل ، وفارقناه حتّى غاب عنّا ملامحه ، فإنّه إذا جلس بجوارنا ولا نعرفه ، لا نرحّب به ، ولكن إذا عرفناه ، فإنّه نعتذر منه ونرحّب به غاية الترحيب ، وهذا من الأمر الوجداني والبديهي ، فتدبّر.

ثمّ متعلّق الحبّ تارة بمعرفة ذات الشيء، وأُخرى بصفاته الحميدة : وثالثة : بأفعاله الجميلة ، فنحبّ شخصاً لجماله وكماله ، فإنّ الجمال يوجب الأُنس والمحبّة ، كما نحبّه لصفاته الجميلة كالكرم والرّحمة ، أو لإفعاله الطيّبة كخدمة النّاس وتكريم اليتيم وإعانة الضعيف وإقراء الضيف ونحوه .

ثمّ رحم الله من عرف : من أين؟ وفي أين؟ وإلى أين؟ وماذا يراد منه ، وماذا يخرجه عن دينه وعن إنسانيّته؟

فمن أين أتى ، أي ما هو مبدئه ، وإلى أين يذهب ، فما هو منتهاه ومصيره؟! فمن الله وإلى الله، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ثمّ بيّن المبدء
والمعاد هو في أي الأحوال والمقامات؟ وما هي مسؤولياته ووظائفه ، أمام خالقه ، ثمّ أمام نفسه ، ثمّ أمام الآخرين والمجتمع ، ثمّ أمام الطبيعة والحياة ، فماله وما عليه؟

فإنّ الله خلق الموت والحياة عن حكمة وعلم (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)[3] . والدنيا دار ممرّ وعبور، لا دار الإستقرار والحبور،

فلا يتعلّق بها الإنسان قلباً، وإن ملكها قالباً، وهذا من الزّهد فيها، لا تفرح بما آتاک ولا تأسو ولاتحزن على ما فاتک ، وإغتنم السّاعة التي أنت فيها، لتصل إلى قمّة كمالک وجمالک ، تتكامل بالإيمان الصّادق والعمل الصّالح والعلم النّافع ، وتفوز بسعادة الدنيا والآخرة ، وذلک هو الفوز العظيم .

إنّ سليمان النّبي  7 لقد ملک الدنيا ومن فيها إلّا النّاس ، كما مَلَک ما فيها، فكان بساط الرّيح مركبه ، والجنّ والإنس تخدمه ، والطيور تكلّمه ، إلّا أنّه تواضعاً لله كان يصنع الحصير، ومنه يتقوّى ، ومع ذلک هو آخر من يدخل الجنّة من النّبيين . وقوفاً للحساب ، فإنّ الدّنيا في حرامها عقاب ، وفي الشبهات عتاب ، وفي الحلال حساب .

ثمّ الدنيا التي آخرها الموت كيف لا يزهد فيها، والآخرة التي
أوّلها الموت كيف لا يستعدّ لأهوالها وعقباتها، وما ذلک إلّا بالتوبة والإستغفار والتوسّل بالله وبرسوله وأهل بيته ، بفاطمة الزّهراء وبعلها وبنيها وذريّتها الكرام .

فالمعرفة الإجمالية مقدّمة الحبّ ، والحبّ الإجمالي مقدّمة للمعرفة التفصيليّة ، فبين المعرفة والحب تلازم وعينية من حيث الإجمال والتفصيل ، ويتولّد من زواجهما وإقترانهما الإيمان الكامل والعمل الصالح ، ثمّ الحياة الطيّبة وحسن العاقبة ، ثمّ الحبّ أن تضحي وتفدي النّفس النفيس من أجل من تحبّه وتعشقه ، كما تحشر معه ، فإنّ من أحبّ حجراً حشر معه .

(اسْتَجِيبُوا للهِِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) فإنّ قرانه كتاب الله الكريم يهدي للتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين بحياة سعيدة وطيّبة في الدنيا والآخرة وبأجر كبير.

وفي أكثر من سبعين موضع من كتاب الله دعا سبحانه إلى الإيمان والعمل الصالح ، فلا قيمة للإيمان من دون عمل ، ولا للعمل من دون إيمان ، بل أحدهما يقترن بالآخر، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ) أي أيّها المجتمع الإيماني لا تكتفي بالإيمان القلبي وحسب ، بل لابدّ من العمل الصالح الذي هو من الإيمان أيضاً.

لأنّ الإيمان : عن مولانا الإمام الرضا 7: «هو إقرار باللّسان وعقد بالجنان ، وعمل بالأركان » إقرار باللّسان ، أي بالشهادتين
فيشهد بلسانه ، وعقد الجنان ـ أي القلوب فإنّها موضع العقيدة ، فإنّ العقيدة عقد العلم بالقلب ، والعلم عقد المحمول بالموضوع ، فإذا قلنا (الله موجود) وعلمنا بذلک وعقدنا بين المحمول والموضوع ، ثمّ عقدنا ذلک بالقلب وآمنّا به يقيناً، فهذا من العقيدة ـ والعمل بالأركان الإسلاميّة بإتيان الواجبات ويلحق بها النوافل والمستحبّات تطوّعاً، وترک المحرّمات ، ويلحق بها المكروهات تنفّلاً.

ثمّ الإيمان من الكلّي التشكيكي ذات المراتب الأُفقيّة والعموديّة ، وله تقسيمات عديدة ، إلّا أنّه من تقسيماته الثنائيّة ، ينقسم إلى الإيمان المستقرّ والإيمان المستودع .

والأوّل : ثابت كالجبل الرّاسخ لا تحرّكه العواصف ، ولا تفلّه المعاول ، يصحب الإنسان في حياته الدنيويّة الفانية وإلى حياته الأخرويّة الباقية ، فينجو بإيمانه في الدّنيا والآخرة .

والثاني : ويجعل الإيمان عنده وديعة ، يفقده ويضيّعها عند إحتضاره وعند ساعة الموت ، فيسلب منه ، أو في أيّام حياته ، فيمسي مؤمناً ويصبح كافراً، ويصبح مؤمناً فيمسي كافراً، وهذا من الإيمان التقليدي للاباء والكبراء، فليس من ورائه البرهان والعرفان . ولا جذور له في الوجدان ، بل بأدنى شبهة أو شکّ ، أو يطلب حاجة من ربّه فلَم يُقضَ له في الظاهر، لمصلحة له ، يعلمها
ربّ السماوات والأرض ، فإنّه يتزلزل ، وينقلب على عقبيه خاسراً حاسراً، مشركاً وكافراً، لا يهتدي إلى الصراط المستقيم والنهج القويم ، فيميل شمالاً وجنوباً، كالهمج الرعّاع ، يميل مع كلّ ريح ، وينعق مع كلّ ناعق . فلا يكون من أهل النجاة ، وإن كان في دنياه مسلمآ، ويعيش وبين المسلمين ، يُحقن دمه وعرضه ، ويحفظ ماله ، وتحرم غيبته لكونه مؤمناً في الظاهر. فمن كان مؤمناً مستودع الإيمان يقلّد الآباء في معتقداته ، فقد ذمّه الله في كتابه الكريم :
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئآ وَلاَ يَهْتَدُونَ)[4] .

 

ومن ثمّ وجب في مدرسة أهل البيت الإجتهاد في أُصول الدّين ، بأن تكون عن برهان واستدلال ، كلّ بحسب ما عنده من علم ومعرفة وثقافة وبما يناسبه ، فمن دين العجائز (عليكم بدين العجائز) وإلى مرتبة توحيد الصدّيقين والعارفين الكمّلين . فإنّ المعرفة كالإيمان والحبّ كالمفاهيم الإسلاميّة الأُخرى ، قابلة للشدّة والضعف ، والزيادة والقلّة ، والكمال والنقصان ، ومن ثمّ لابدّ من الزيادة والكمال ، فإنّ رفع الدرجات يوم القيامة إنّما هو بالإيمان والعلم (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
دَرَجاتٍ
)[5]  فاقرء ما عندک من العلم الحصولي والمعرفة التي

كسبتها في دنياک ، فإنّک ترقي الدرجات حتّى تبلغ قاب قوسين أو أدنى من العلى الأعلى ، في ظلّ عرشه ، وفي جنّته ، في مقعد صدق عند مليک مقتدر ـ اللّهم بحقّ محمّد وآله ارزقنا ذلک المقام العظيم .

ثمّ الإيمان المستودع عند معظم النّاس هو سوق الشيطان ومرتعه (إبليس وأعوانه وحزبه ومردته) وإنّه من السّوق الدائم القائم الذي لا يفترّ، ولا يخفّف ناره ، ولا يقلّ جمعه ، بل يزدحم ويزداد ساعة بعد ساعة ، حتّى يكتظ بأهله ، لهم دويّ كدويّ الزنابير والذباب ، وكلّ يجرّ النّار إلى قرصه .

ومن طريف ما يحكى : أنّه روي عن المسيح عيسى بن مريم 7 أراد أن يصلح يبن الله وبين إبليس المتمرّد اللّعين ، فسأل الله ذلک ، فقبل منه الإصلاح يبنهما شريطة أن يعتذر من الله ويعترف بخطأه ويستغفر منه ، ويكفيه أن يقول مرّة واحدة (اللّهم أخطأت فإغفر لي) أو أنه يسجد لقبر آدم .

فأخبر عيسى  7 الشيطان بذلک ، فأبى وإستكبر، وأن المفروض أن الله يعتذر منه ـوالعياذ بالله‌ـ، لا إنّه هو يعتذر من الله عزّوجلّ ، ثمّ قال أنّ سوقي عامر، وأن أتباعي وأنصاري وأحبّائي
أكثر بكثير من أتباع الله ومريديه ، فكيف لي أن أترک أصحابي بهذا الجمع الغفير وأعتذر لربّي ، هيهات هيهات
[6]  ـ الا لعنة الله على  

إبليس وشياطينه من الجن والإنس وأعاذنا الله منهم ليل نهار ـ وبعد هذا يا ترى ماذا نفعل حتّى يكون الإيمان عندنا مستقرّاً ثابتاً في القلوب والجوارح والجوانح ، ونزداد يقيناً وتقوىً وورعاً وعملاً صالحاً وعلماً نافعاً؟

من أهم السّبل الناجحة والكفيلة هو التوبة الصّادقة والنصوحة ، والإستغفار القولي والعملي ، وأن يعاهد الله سبحانه أن يترک الذنب والمعصية في الحال وفي المستقبل ، حتّى يكون أهلاً لعبودية الحقّ جلّ جلاله ، ويزيد في توسّلاته بأهل البيت  : ولاسيّما بأُمّهم الطاهرة فاطمة أُمّ أبيها وأُمّ الأئمّة النجباء :، فإنّ الله يعفو عنه ويغفر له ويبدّل سيّئاته حسنات ، ويتجاوز عنه تجاوزاً حسناً، ويظهر الجميل ويستر القبيح ، ويصفح عنه الصفح الجميل ، ويتوب عليه متابآ، ويحاسبه حساباً يسيراً، إلّا في حقوق النّاس ، فإنّه يفوّض الأمر إليهم ، وهناک (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
مُسْفِرَةٌ
* ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ * تَرْهَقُها قَتَرَةٌ * أُولئِکَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ)[7] .

 

فلابدّ من الدنيا من أداء حقوق النّاس ولو بمقدار فلس ، ومن الآن دفعةً أو بالتدرّج . وبالوصيّة إن كان يُعمل بها، وإلّا ما أكثر من وصّى ولم تعمل الورثة بوصيّته؟!

فالإيمان الحسن والأحسن ما كان مستقراً وثابتاً بالقول الثابت من الله سبحانه ، ويزداد بالعلم النّافع والعمل الصّالح ، حتّى يتقبّل الشهادة في سبيل الله بكلّ سرور ورحابة صدر، كفاطمة الزّهراء سيّدة النّساء 3 وذرّيتها الأكارم ، كما قيل حكاية عن مولانا سيّد الشهداء الإمام الحسين  7 في ساحة الجهاد والشهادة  :

تركتُ الخلق طرّاً في هواكا         وأيتمتُ العيال لكي أركا

فلو قطّعتني في الحبّ إرباً         لما مال الفؤاد إلى سواكا فإنّ المؤمن لو قطّعوه إرباً إرباً حتّى يصل التقطيع إلى عظامه فتكسّر، فإنّه لا يزال كالجبل الراسخ ، ولا يُمحى الحبّ من قلبه ، ولا يرفع اليد عن إيمانه ، فإنّه ورد في سيرة أمير المؤمنين  7 إنّه قطع يد سارق وكان من أصحابه ومحبّيه ، بعد أن أقرّ هو بالسّرقة وطلب من الإمام أن يطهّره ، فلمّا قطعت أصابع يده أخذ يصرخ في
سوق المسلمين آنذاک ويذكر فضائل أمير المؤمنين
 7 وإنّه أجرى عليه الحدّ لينجّيه من نار جهنّم ، ممّا تعجّب النّاس آنذاک من حبّه وإخلاصه لمولاه أمير المؤمنين علي  7.

وهذا من آيات الحبّ القلبي الذي لا يتزلزل أبداً، فإذا طلب العبد من ربّه حاجة أو توسّل بأهل البيت  : في أمر ولم يقض له في الظاهر، فلا ييأس ، ولايترک عبادة الله أو التوسّل بأهل البيت : وزيارتهم ، كما يفعله بعض الجهّال ومن كان إيمانه مستودعآ؟!! فيزعل مع أولياء نعمته ، ويحسب أنّه يحسن صنعاً، ولا يدري ما زاد في الإسلام حنون خردلةً . ولجهله وظلمه (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً)[8]  لا يعلم بأنّه ليس من مصلحته إستجابة دعائه

فوراً، فما يراه العالم الخبير لا يراه الجاهل الحقير، فإنّ الله يعلم الغيب والشهادة ، ويعلم مستقبلنا المجهول عندنا.

ثمّ وعد سبحانه (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ)[9]  أنّه يستجيب لمن

كان جامعاً لشرائط الدّعاء، إلّا أنّه كثير منّا من لم يراع الشروط ، وإذا فُقد الشّرط فُقد المشروط ، فكيف يستجاب له ، أو ينتظر الجواب فوراً، فإنّه أبى الله أن يجري الأُمور إلّا بأسبابها.


ثمّ لا يخفى ـ وهذا أمر مهم ـ أنّ لإستجابة الدّعاء مراتب ، فأعلاها أن يستجيب الله له بأن يقضي حاجته بأن يبدّلها بجنّات الفردوس تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، وما لم يخطر على قلب بشر.

ودونها: أن يبدّل قضاء حاجته بالنّجاة من النيران والعذاب الأليم لذنوب إرتكبها ولم يتب منها.

ودونهما: أن يلبّى حاجته بشيء أعظم منها في دنياه ، كان يطلب من ربّه سيارةً ، فيستجيب له بأن يرزقه حجّ بيته الحرام بحجّة مقبولة ، وسعي مشكور، وذنب مغفور.

ودون الثلاث : أن يدفع عنه مكروهاً أعظم من حاجته ، كأن يطلب شفاء ولده ، فينقذه من الغرق والموت .

وأدنى كلّ المراتب : أن يقضى حاجته التي طلبها منه .

فمن علم بهذه المراتب ـكما ورد في أخبار أهل البيت  :ـ فأيقن بها، فإنّه لا يفترّ من الدّعاء في اللّيل والنّهار، «وإجعل لساني بذكرک لهجاً، وقلبي بحبّک متيّماً» ومن أعظم الذّكر الدّعاء، فإنّه مخ العبادة ، ومفتاح كلّ صلاح وفلاح ، وسلاح الأنبياء : ومن يحذو حذوهم .

فالدّعاء من التجارة التي لن تبور أبداً، فأطلب من ربّک كلّ شيء، حتّى ملح الطّعام وعلف الدّواب ، ولو إنقطع شسع نعلک ،
فإطلب إصلاحه من ربّک ، كما أمر الله كليمه موسى بن عمران
 7 بذلک .

فتعوذ بالله من الإيمان المستودع ، ونسأله الإيمان المستقرّ الثابت في الفؤاد وفي سويداء القلب ، الذي لن يتزلزل بالشكوک والشبهات وغيرها، بل يتقوّى وتمتدّ جذوره إلى أعماق الوجود عند طرو البلايا والِمحَن والمصائب ، فأكثركم ولاءً أكثركم بلاءً، فإنّ البلاء الحسن إنّما هو لأهل الولاء الأمثل فالأمثل .

 

زبدة المخاض

وخلاصة الكلام : إنّ أساس حياة الإنسان وكماله وتكامله (المعرفة) فإنّها تأخذ مساحة وسيعة جدّاً، وحيّزاً كبيراً من حياة الإنسان في جميع أبعادها وحقولها وجوانبها، وهي كذلک في الشريعة الإلهيّة التي هي في الواقع عبارة عن دستور الحياة ومنشورها، سواء أكان على مستوى الأُصول والفروع أو الأخلاق والآداب .

ثمّ الفضل يوم القيامة بين المؤمنين إنّما هو بالمعرفة ، فإنّ الله يرفع المؤمنين درجة ، ولكن يرفع الذين أوتوا العلم درجات ، كما يخاطبون (إقرء فارقأ) أي إقرء ما فعلته من الكمالات ومنها العلم
والمعرفة ، وإرقأ الدرجات واسكن الجنّات ، طبق على طبق .

فليس الفضل بينكم بصلاتكم وصيامكم ، بل أفضلكم أفضلكم معرفة ، والإلتزام بلوازمها منها الحبّ ومنها الإيمان ، ونتيجة ذلک كلّه الطاعة ، وغاية الغايات في الطاعات هو الفوز بالقرب من الله سبحانه ولقائه في جنته (جنة الأسماء والصفات).

وفي الحديث الشريف : «أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة »[10] .

 

فلا يمكن على أي حالٍ من الأحوال الإستهانة ، بالمعرفة والعلم ، بل لم يأمر الله رسوله الأكرم  6 أن يطلب من ربّه الدنيا وما فيها، أو يطلب السّعادة وما يلزمها أو غير ذلک ، بل أمره أن يطلب من ربّه ، ويدعوه ملتمساً: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) لأنّ الخير والسّعادة والفضائل والمكارم والدنيا والآخرة كلّها في العلم والمعرفة .

عن الإمام الصّادق  7: «لا يقبل الله عملاً إلّا بمعرفة ، ولا معرفة إلّا بعمل ، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له »[11] .

 

فأصل الأُصول وأساس كلّ شيء المعرفة ولازمها الحبّ ،
ولازم الحب الطاعة ، ولازم الطاعة الفوز والسعادة وهذا هو المقصد الأعلى والغاية القصوى .

قال أمير المؤمنين لصاحب سره كميل بن زياد النخعي رضوان الله تعالى عليه : «يا كميل ما من حركة إلّا وأنت محتاج فيها إلى المعرفة » ولا تكون المعرفة التامّة الصّادقة إلّا بفهم القضايا فهماً صحيحاً، ودراستها دراسة مستوعبة وتحقيقيّة ، والتي يُبنى صرحها الشامخ على ضوء الإستدلالات والبراهين العقليّة والعلميّة ، فإنّ المعرفة هي الدراية التامّة .

يقول الإمام الباقر 7 لولده الإمام الصّادق  7: «با بني إعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم »، قإنّ المعرفة هي الدراية للرواية بعمق وتفهّم ووعي واستيعاب كامل ، فإنّ الرواية نقل الحديث كما ينقل شريط التسجيل وينقل المذياع والراديو والتلفاز، ولكن الدراية يعني فهم الحديث وفقهه .

وفي الأثر: «وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان » «وحديث تدريه خير من ألف حديث ترويه » «قيمة كلّ إمرءٍ ما يحسنه ، وقدره ما يعرفه » «همّة السّفهاء الرواية ، وهمّة العلماء الدّراية ».

إذن لابدّ أن نعرف كلّ شيء بحسب طاقتنا البشريّة ، و«من
عرف نفسه ، عرف ربّه ، ومن عرف ربّه عرف كلّ شيء»
وهذا أصل الأُصول في العرفان الإسلامي كما هو المختار.

وأولى شيء بالمعرفة هو أُصول الدّين أوّلاً، وأن يكون عن إجتهاد حتّى يكون من الإيمان المستقرّ، ومن الأُصول معرفة الحُجج الإلهيّة ، والإمامة التي هي خط إمتداد للنبوّة ، كما أن النبوّة خط إمتداد للتوحيد. ومن معرفة الحجج معرفة حجّة الحجج سيّدة النّساء، الإنسيّة الحوراء، فاطمة الزّهراء 3، فإنّه ورد في الحديث الشريف : «من عرف فاطمة حقّ معرفتها، فقد أدرک ليلة القدر، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها، ما تكاملت النبوّة لنبي حتّى أمر بفضلها ومحبّتها، وهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الأُولى »[12] .

 

ولا يخفى أنّ المعرفة التامّة إنّما تتحقّق عند الإحاطة العلميّة بالشيء المعلوم ، ومن يقدر أن يحيط بعظمة الزّهراء 3 ومقامها العظيم ومنزلتها الرفيعة ، الإّ من كان كفواً لها، وصائغها فصانعها. فإنّ فاطمة الزّهراء درّة الوجود، صنعها الله جلّ جلاله . وصاغها محمّد  6، وتزيّن بها علي  7، فلا يعرفها حقّ المعرفة إلّا أمير المؤمنين ذو المكارم ، ورسول الله الكريم ، وربّها الأكرم ، فالخلق
كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والجن والإنس فطموا وإنقطعوا عن كنه معرفتها ومعرفة حقيقة ذاتها، والإحاطة العلميّة بمقاماتها وبجمالها وجلالها وبكمالها. فلا يعرفها إلّا الله ورسوله ووصيّه ، ثمّ الأمثل فالأمثل من الأنبياء والأوصياء
: ثمّ العلماء وورثتهم ثمّ المؤمنون والمؤمنات  :

فإنّ كلّ مؤمن ومؤمنة ذو هويتين  :

1 ـ هويّة شخصيّة : ينسب فيها إلى والدين في النّسب .

2 ـ وهويّة دينيّة : ينسب فيها إلى والدين في الدّين ، فقد قال رسول الله 6: «أنا وعلي أبوا هذه الأُمّة » فأُمّة محمّد المصطفى 6 تنسب في ولادتها الدينيّة إلى الرّسول الأعظم وأمير المؤمنين علي  7 ومن كان أبوه أميرالمؤمنين علي  7 فإنّه لاشکّ كانت اُمّه سيدة النساء فاطمة الزهراء  3، بل هي اُمّ أبيها، فمن كان أبوه رسول الله  6 كيف لاتكون فاطمة الزهراء  3 لاتكون فاطمة الزهراء  3 اُمّة الطاهرة ، الراضية المرضية ، الزكية النقية الحوراء الإنسيّة .

وكما كلّ واحد يعرف أباه وأُمّه في النّسب ، فكذلک لابدّ أن يعرف والديه في الدّين ، إلّا إبن السفاح ، فإنّه لا يعرف والده ، فلابدّ من معرفة أمير المؤمنين علي 7 ومعرفة فاطمة الزّهراء 3،
وكلّما إزداد بهما معرفة إزاد حبّاً وشوقاً وفداءً وحضوراً وطاعةً ولحوقاً بهما في الدنيا والآخرة .

ولمثل هذا ندعو أُمّة محمّد وآل محمّد إلى معرفة فاطمة الزّهراء 3، وعدم الوقوف في سير معرفتها، فإنّه كما ورد عنهم  : «نزّلونا عن الربوبيّة وقولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا، وما تقولونه عشر معشار» أي كلّ ما قيل ويقال في أهل البيت  : إنّما هو واحد من مأة ، فيبقى في معرفتهم تسعة وتسعين درجة ومقام وكلمة وحقيقة لم نصل إليها، إنّما يكون ذلک حين الإحتضار والخلاص من هذه الدنيا الدينيّة ، والدخول في عوالم الملكوت وفي القوس الصعودي من البرزخ والمحشر ويوم القيامة وفي الجنّة .

وإنّما نحمل زاد هذه المقامات الرفيعة والدرجات العليّة «إقراء وارقأ» من دنيانا هذه ، فإنّها لبعض منّا (مزرعة الآخرة) فنكون من المزارعين والفلّاحين (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها) ولعبض منّا (متّجر أولياء الله) فنكون محل تجارته بتجارة لن تبور، كالتجّار الناجحين (هل أدلّكم على تجارة لن تبور).

وطوبى لمن عرف قدره ، وقدر حياته وعمره العزيز الذي لا يُعوّض بشيء، وعرف قدر نفسه التي ثمنها الجنّة التي عرضها
السّماوات والأرض ، فتعالوا لنعرف الزّهراء
3 بحسب الطاقة البشريّة ، وبسعة وجودنا، وبما وصل إلينا منهم  :، وما توفيقنا إلّا بالله العلي العظيم ، وآخر دعوانا أنّ الحمد لله ربّ العالمين .



[1]           () مادّة أوّليّة لمحاضرات إسلاميّة ألقاها الكاتب في مدينة سوسنگرد الإيرانيّة(الخفاجيّة) في ليالي شهادة فاطمة الزّهراء3 جمادى الأولى سنة 1432 ه . ق وفيمجالس اُخرى .

[2]          () الأحزاب : 56.

[3]       () الملک : 2.

[4]       () البقرة : 170.

[5]       () المجادلة : 11.

[6]       () نقلت الرواية بالمعنى إذ لم أقرءها في مصدر إنّما سمعتها عن أحد الأعلام المعاصرينمن علماء الأخلاق .

[7]       () عبس : 34 ـ 42.

[8]       () الأحزاب : 72.

[9]       () الحج : 47.

[10]       () البحار: 3، 14.

[11]       () الكافي : 1، 44.

[12]       () البحارم 42، 105 عن تفسير الفرات .