إذا صلّى من غير فحص عن القبلة إلى جهة غفلة أو مسامحة يجب إعادتها

مسالة 17 ـ إذا صلى من دون الفحص عن القبلة إلى جهة غفلة أو مسامحة يجب إعادتها إلّا إذا بين كونها القبلة مع حصول قصد القربة منه.

أقول: لو صلى إلى جهة من دون تحصيل العلم أو العلمي ولا التحري والإجتهاد والأخذ بالظّن المعتبر، وإنّما لم يفحص عن القبلة إلى جهة إمّا لغفلة عن الموضوع أي ذات القبلة أو لغفلة عن الحكم بأنّه يجب عليه الفحص أوّلاً، أي لغفلة موضوعية أو لغفلة حكمية أو تسامح في ذلك، فهل يجب عليه إعادة الصلاة لو تبين الخلاف بعد صلاته؟

المسألة ذات صور:

الأولى: إذا كان حال الصلاة غافلاً عن وجوب تحصيل العلم بالقبلة أو كان غافلاً من أن القبلة هي الجهة التي يصلي إليها ثم إلتفت وتنبّه وإنكشف الخلاف بأنّ القبلة غير ما صلى إليها، فإن وقعت صلاته بين اليمين واليسار أي المشرق والمغرب أو كان مستدبراً فعليه الإعادة، إذ أنّه صلّى إلى غير القبلة.

الثانية: لو تبين أنّه صلى إلى القبلة المطلوبة، فلا إعادة عليه كما هو واضح مع عدم القول بقصد الوجه والتمييز في الصلاة.

الثالثة: لو تبين أنّه صلّى ما بين المشرق والمغرب فلا إعادة عليه أيضاً لدخول الفرض في صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة زرارة: (لا صلاة إلّا إلى القبلة قال: قلت: أي حد القبلة؟ قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه ^([1]).

وعن معاوية أنّه سأل الصادق× عن الرّجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنّه قد إنحرف عن القبلة يميناً أو شمالاً؟ قال له: قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة^([2]).

ولكن ربما يقال إنّما لا إعادة عليه فيما إذا كان قد قام بصلاته بحسب وظيفته ولو بإعتقاده القبلة، أمّا إذا كان غافلاً عنها أو تسامح فيها، فلم يكن ممّن يكن ممن يصدق عليه انه قام بوظيفته، فيلزمه خروجه عن الصحيتين، فيشكل الحكم بالأجزاء حينئذٍ.

فالقول بالأجزاء إنّما يكون مع صدق الغدر في تعيين القبلة، ومع الطفلة والتسامح مما لا يصدق معهما الغدر، ويشهد لذلك ما ورد في موثقة عمار.

عن أبي عبد الله× في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: إن كان متوجهاً فيما بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم^([3]).

فلو كان مجرد ما بين المشرق والمغرب كافياً لما وجب تحويل الوجه مع العلم بالقبلة أو الظن بها.

وكذلك ما ورد في معتبرة الحسين بن علوان عن الإمام جعفر بن محمد الصادق× عن أبيه قال: من صلّى على غير القبلة وهو

يرى أنّه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق والمغرب^([4]).

فقوله × (وهو يرى) يخرجه عن كونه في غفلة أو تسامح بل كان يعمل بوظيفته فتعين الخلاف وكان ما بين المشرق والمغرب فلا إعادة وإذا كان بين المشرق والمغرب فعليه الإعادة وكذلك بطريق أولى فيما لو كان مستدبر القبلة كما هو واضح.

ثم إختلف الاعلام في المسامحة فهل تلحق بالغفلة كما يظهر من المصنف الماتن+ أو أنّه خارج عن الدليل، ومقتضى القواعد الأوليّة حينئذٍ هو المحكم بالبطلان ما لم تنكشف المطابقة مع الواقع، وهذا ما سنتعّرض له في أحكام الخلل إن شاء الله تعالى.

هذا تمام الكلام في فصل القبلة والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

فصل فيما يستقبل له

قال المصنف +: يجب الإستقبال في مواضع:

أحدها: الصلوات اليوميّة أداءً وقضاءً وتوابعها من صلاة الإحتياط للشكوك وقضاء الإجزاء المنسية، بل وسجدتي السّهو، وكذا فيما لو صارت مستحبة بالعارض كالمعادة جماعة أو إحتياطاً، وكذا في سائر الصلوات الواجبة كالآيات، بل وكذا في صلاة الأموات، ويشترط في صلاة النافلة في حال الإستقرار لا في حال المشي  أو الركوب، ولا يجب فيها الإستقرار والإستقبال وإن صارت واجبة بالعرض نبذر ونحوه.

أقول: لا ريب أنّه يجب إستقبال القبلة في مطلق الصلوات الواجبة فإنّ إشتراط القبلة وإستقبالها من الشروط الواقعة في الصلاة في الجملة ويدل عليه إجماع أهل القبلة، بل ربما يكون من ضروريات الدين كما يدل عليه الكتاب المبين في قوله تعالى ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ وما ورد في تفسيرها من النصوص الكثيرة التي كادت أن تكون متواترة فضلاً عن إستفاضتها، ومنها: صحيحة  زرارة في قوله× (لا صلاة إلّات إلى القبلة) وحديث لا تعاد الصلاة إلّأ من خمس ومنها القبلة) ^([5]).

وغيرها الكثير أداءً وقضاء تمسكاً بالإطلاقات، وكذلك في توابع الفرائض كصلاة الإحتياط وقضاء الأجزاء المنسيّة، فكل هذه الموارد يصدق عليها عنوان الصلاة مطلقاً سواء أكانت داخل الوقت أو خارجها، وكانت في محلّها أو في غير محلّها ولا فرق كذلك فيما لو صارت الفريضة مستحبة في مقام الإعادة كما لو صلى فرادى ثم أراد الجماعة فإنّه الجماعة، فإنّ÷ يستحب له ذلك فلابّد أن يستقبل القبلة فيها كذلك.

ثم يجري الحكم من وجوب الإستقبال في غير الصلوات اليومية من الصلوات الواجبة الأخرى كصلاة الآيات تمسكاً بالمطلقات وأنّه لا صلاة إلّا إلى القبلة.

وكذلك الأمر في صلاة الأموات وإن قيل بإنصراف عنوان الصلاة عنها لعدم الركوع والسجود فيها، إلّا أنّه ما ورد في كليلة وضع الميت على الأرض ووقوف الصملي (الوسائل: الباب 32 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 3 و 7) على أنّ الميت قدّامه ومقتضاه اعتبار القبلة في الصلاة عليه.

وأمّا سجدتا السّهو فيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.