حكومة حديث الرفع

يقع الكلام في ما إذا دار الأمر بين حديث الرفع والأحكام الأولية بإعتبار أدلّتها الأوليّة كما لو كانت النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه فهل يقدّم الحكم الأولي أو حديث الرفع.

بيان ذلك: فيما دلّ الدليل على وجوب الجلد في الزّنا مطلقاً فيهم صورة الإكراه على الزنا وغيره إلّا انه خاص بالزنا، وفيما دل على رفع الإكراه وإن كان يختص الإكراه إلّا انه يعّم الإكراه على الزنا وغيره، فلو إجتمعا أي كان الزنا مع الإكراه، فبإعتبار دليل الزنا وإطلاقه يجلد، وبإعتبار إطلاق حديث الرفع لا يجلد فأيهما يقدّم على الآخر.

لاشك أنّه يقدم حديث الرفع في مفاده على ما تضمنته الأدلة الأولية في الأحكام الأوليّة ويكون من باب حمل المطلق على المقيد وإنّما يقدم من باب الحكومة، أي حكومة حديث الرفع على الأدلة الأولية، لأنّ حديث الرفع ناظر إلى الأدلة ومفسّر لها، كما في حكومة أدلة نفي الضرر والضرر والعسر والحرج على الأدلة الأولية.

مقولة المحقق النائيني في المقام:

ذهب المحقق النائيني+ في الفرق بين حكومة حديث الرفع على الأدلة الأولية وبين حكومته أدلة نفي الضرر والعسر والحرج عليها بأن الحكومة في أدلة نفي الثلاثة إنّما يكون بإعتبار عقد الحمل، بينهما في حديث الرفع يكون بإعتبار عقد الوضع.

بيان ذلك: إنّ الضرر والعسر والحرج من العناوين الطارئة على نفس الأحكام، فإنّ الحكم قد يكون ضررياً أو حرجياً أو عُسّرياً وقد لا يكون فيكون من عقد الحمل وما يتعلق بالمحمول، بخلاف حديث الرفع، فإنّه لا يمكن طردّ الإكراه والإضطرار والخطأ والنسيان على نفس الأحكام، بل إنّما هي تعرض موضوعاتها ومتعلّقاتها، فحديث الرفع حينئذٍ يوجب تضييق دائرة موضوعات الأحكام، وهذا نظير قوله× (لا شك لكثير الشك) و(لا سهو مع حفظ الإمام) فما يكون أحد الدليلين متكفلاً لبيان ما أريد من عقد وضع الآخر، وحينئذٍ لنا دائرة الأدلة الدالة على الإعتناء بشكه، بأنّه يعتني بشكه إلّا من كان كثير الشك فلا شك له.

ثم لا يخفى انه لا تلاحظ النسبة بين دليل الحاكم والمحكوم ولا قوة الظهرو في أحدهما دون الآخر، بل يقدم دليل الحاكم على المحكوم مطلقاً وإن كان النسبة بينهما العموم من وجه، أو كان دليل المحكوم في مفاده أظاهر من دليل الحاكم.

ثم نتيجة الحكومة هو التخصيص، فحينئذ لا ينبغي التأمل في حكومة حديث الرفع على أدلة الأحكام الأولية، وتكون النتيجة تخصيص الأحكام الأولية بما عدا الموارد الخمسة في حديث الرفع  العارضة على الموضوعات ومتعلقاتها فتأمل جيداً^([1]).

وربما يناقش قوله بعدم الفرق بين الحكومتين.

أولاً: كما أنّ الرفع من العناوين الطارئة على الموضوعات فيكون من عقد الوضع، فكذلك الضرر والحرج من العناوين الطارئة على الموضوعات أيضاً كالصوم الحرجي والوضوء الحرجي وما شابه ذلك.

وثانياً: كيف نفى إمكان تعلق الخطأ والنسيان بالأحكام وخصّهما بالموضوعات والحال ان الخطأ والنسيان كما يطرء أن على موضوعات الأحكام ومتعلقاتها فكذلك يظهران على نفس الأحكام.

وثالثاً: إنّ الحكومة تابعة للسان الأدلة، فلابّد من ملاحظة لسان دليل الحاكم، فهل هو بصدد تعرّض عقد وضع المحكوم عليه أو عقد حمل المحكوم عليه؟

نعم بحسب الواقع يكون  دليل الحاكم متعرضاً لعقد الحمل في المحكوم عليه في جميع موارد الحكومة، فإنّ قوله× (الفقاع خمر) فإنّه بحسب ظاهر الدليل إنّما هو متعرض لعقد وضع الخمر، بأن يوسع دائرته فيعّم الفقاع كذلك ولكن في الواقع ونفس الأمر إنّما هو بلحاظ الحكم وترتب آثار الخمر وأحكامه عليه.

وعليه، فكما أنّ ظاهر لسان حديث الرفع هو تعرضه للموضوع ومن باب عقد الوضع، إلّا أنّه في الواقع هو متعرض للحكم وعقد الحمل.

فكذلك (لا ضرر) والعسر والحرج، فإنّه بلسانه متعرّض للموضوع وفي الحقيقة والواقع متعرض للحكم، فلا فرق بينهما في ظاهر لسان الدليل فلا وجه للفرق بين حديث الرفع وأدلة نفي الضرر والعسر والحرج من جهة الحكومة، فكلاهما بحسب ظاهر لسان الدليل متعرضان لعقد الوضع وبحسب الواقع متعرضان لعقد الحمل، فتدبّر.