مسألة 10 ـ يجوز لأحد المجتهدين المختلفين في الإجتهاد الإقتداء بالآخر إذا كان إتلافهما يسيراً بحيث لا يضر بهيئة الجماعة، ولا يكون بحد الإستدبار أو اليمين أو اليسار.

أقول: لاشك أنّ كل مجتهد ومستحري في معرفة القبلة يصلّي إلى ما توصّل إليه إجتهاده، يترتب الآثار المترتبة على القبلة الواقعية على قبلته المظنونة ـ كما مرّ ـ فلو إختلف المتجتهدان المتحرّيان في القبلة وأراد أحدهما أن يقتدى بالآخر فهل يصح ذلك؟

المسألة ذات صور:

الأولى: لو كان إختلافهما يسيراً كإختلافهما في الإنحراف دون عشر درجات مثلاً بنحو  يعّد هذا الإختلاف عرفاً من الإختلاف اليسير الذي يغفر ويتسامح فيه، فإنّه في مل هذا الحال جاز كل واحد منهما الإقتداء بالآخر لوجود المقتضي وعدم المانع في صحة صلاتهما، لصحة صلاة كل من الإمام والمأموم ولو بنظر الآخر، ولا مانع من صحة الإقتداء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في مباحث صلاة الجماعة في مسألة حكم الإقتداء مع إختلاف الإمام والمأموم في الإجتهاد وأو التقليد.

الثانية: لو كان الإختلاف والإنحراف بنحو يضرّ بهيئة صلاة الجماعة، فعن هذه الصورة وإن كانت صلاة كل منهما صحيحة في حدّ نفسها إلّا أنّه يحكم بفساد الجماعة، لفوات الهيئة المعتبرة فيها.لب

الثالثة: فيما لو كان الإختلاف بينهما كثيراً كان يكون بحدّ الإستدبار أو إلى نقطتي اليمين واليسار، فإنّه يحكي ببطلان الصلاة جماعة لبطلان صلاة الإمام بنظر المأموم أمّا لعلمه التفصيلي بذلك إنّما لكون صلاته على غير القبلة بحسب إجتهاده أو لبطلان صلاة الإمام فكيف يصحّ الإقتداء به، أو يقال ببطلان إحدى الصلاتين للعلم الإجمالي فيوجب بطلان الجماعة حينئذٍ.

إذا تعسّر الإجتهاد والظن بجهة وتساوت الجهات صلى إلى الأربع

مسألة 11 ـ إذا لم يقدر على الإجتهاد أو لم يحصل له الظن بكونها في جهة، وكانت الجهات متساوية صلى إلى أربع جهات إن وسع الوقت، وإلّا فبقدر ما وسع.

أقول: عطفاً على ما سبق فيمن لم يتمكن من تحصيل العلم في معرفة القبلة، كما لم يتمكن من الإجتهاد والتحري وبقي متحيراً وتساوت الجهات عنده، فإنّه ذهب المصنف كما عند المشهور إلى أنّه يصلّي إلى أربع جهات ـ الشمال والجنوب والشرق والغرب ـ فيما إذا وسعه الوقت كذلك وإلّا فإنّه يصلّي بمقدار ما يسعه الوقت، فإنّ الله لا يكلّف نفساً إلّا وسعها.

وقد إختلف الأعلام في وجه الصلاة إلى أربع جهات عند التحير وعدم التمكن من العلم ومن الإجتهاد والتحري، فقيل من باب الفتوى كما يظهر من عبارة المصنف+، وقيل على الأحوط الوجوبي، وقيل بالإستحباب، ولا يخفى أنّ سبب الإختلاف إختلاف لساني الأدلة.

بيان ذلك: لقد مرّ سابقاً إنّ من لم يتمكن من معرفة القبلة لا من جهة تحصيل العلم ولا العلمي ولا الظن بالإجتهاد والتحري وبقي متحيراً، فإنّه في هذه الحالة هل تسقط عنه شرطية إستقبال القبلة؟

من الأعلام من ذهب إلى سقوط الشرطية، ويكفيه صلاة واحدة على الأقوى إلى جهة واحدة تابعة لإختيارهما تمسكاً بصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن الإمام الباقر× في قوله×: (يجزى المتحيّر أبداً أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة) ^([1]).

خرج عنه بالدليل من تمكن من تحصيل العلم أو الظن بالقبلة.

إلّا أنّه ورد في مرسلة الصدوق من الأمر بالصلاة إلى أربع جهات ^([2])، فهل يلزمها التعارض مع الصحيحة.

قيل: لا يمكن الإعتماد عليهما لضعفها بالإرسال، فتقدم الصحيحة حينئذٍ الدّالة على اصلاة الواحدة إلى جهة واحدة.

وقيل: حتى لو كان سندها تاماً، فإنّها تحمل على الإستحباب جمعاً بينهما وبين الصحيحة، والجمع مهما أمكن أولى من الطرح وقيل: بإنجبارها بعمل المشهور، إلّا أنّه قبل بعدم  فائدة ذلك، لإحتمال أن يكون عملهم بها لكونها مطابقة للإحتياط مع أهمية أمر الصلاة فإنّها عمود الدين.

وأمّا مرسلة خراش ^([3])، فإنها لا تصلح للإعتماد عليها، لضعف السّند وعدم عمل الأصحاب بها، ولمعارضتها بما دلّ  على أجزاء التحري والإجتهاد.

تنبيه:

على ما ذهب إليه المشهور من الصلاة إلى أربع جهات فتوىً أو إحتياطاً وجوباً أو إستحباباً، فإنّه إنّما يلزمه ذلك وينبغي له فيما إذا تمكن من التكرار لسعة الوقت، وأمّا إذا لم يتمكن ولو لضيق الوقت من تكرار الصلاة إلى أربع جهات بنحو يحرز الإتيان بالصلاة إلى جهة القبلة لقاعدة الإشتغال مثلاً فعليه الإتيان بما يتمكن من تكرار الصلاة إليها، لأنّ الإضطرار لم يطرأ على ترك الصلاة إلى القبلة، وإنّما الإضطرار في ترك بعض المحتملات لا بعينه، فالتكليف حينئذٍ بالصلاة إلى جهة القبلة معلوم ومنجز، وبعد الإتيان بما يتمكن يعلم بإرتفاع التكليف بالصلاة إلى جهة باقية إما للإتيان بها إلى جهة القبلة أو للإضطرار فعلاً إلى تركها وللحديث صلة.