مسألة 7: إذا إجتهد لصلاة وحصل له الظن لا يجب تجديد الإجتهاد لصلاة أُخرى ما دام الظن باقياً.

أقول: عطفاً على ما سبق وتفريعاً لما مرّ في وجوب الإجتهاد والتحري لمعرفة القبلة لمن لم يتمكن من تحصيل العلم بها، فلو إجتهد  لصلاة وحصل له الظن، فإنّه يصلّي إلى تلك الجهة المظنونة، إلّا أنّه يا ترى هل ظنه حجة لصلاة أُخرى ما دام ظنه باقياً؟

ذهب المصنف وربما المشهور كفاية ذلك، لأنّ المقصود من الإجتهاد وثانية هو الظن وهو حاصل فيلزمه تحصيل الحاصل وهو من اللّغو إن لم يكن مستحيلاً.

إلّا أنّه أُورد عليه: إنّه إنّما يتم ذلك لو لم يعلم أو حتى لم يحتمل تجدد إجتهاده المخالف، فإنّه لو إحتمل ذلك أو علم به، فإنّه لم يَحرز تحقّق الإجتهاد المطلوب وتعمّد معرفة القبلة حسب الجهد كما ورد في موثقة سماعة (وتعمّد القبلة جهّدك) وصحيحة زرارة، فلابّد من الإجتهاد حدوثاً وبقاءً كما أنّ المدار في الإجتهاد على الأقوى فالأقوى، فلو حصل الظن الضعيف من إجتهاد ثم حصل الظن القوي من إجتهاد آخر فإنّه يقدم القوي على الضعيف كما يقدم الأقوى على القوي، وكذلك الحال في المقام فمع إحتمال الإجتهاد الجديد لصلاة أخرى المخالف للإجتهاد الأول للصلاة الأولى، فكيف يعتمد على إجتهاده والأول.

وحكي عن الشيخ في المبسوط قال: (يجب على الإنسان أن يتّبع أمارات القبلة كلّما أراد الصلاة عند كل صلوة.

اللّهم إلّا أن يكون قد علم أنّ القبلة في جهة بعينها أو ظن ذلك بأمارات صحيحة، ثم علم أنّها لم تتغيّر جاز حينئذٍ التّوجه إليها من غير أن يجدّد الإجتهاد  ^([1]).

ويبتنى على ذلك أنّه لو كان في أثناء الصلاة الأولى وطرأ عليه ما يوجب إحتمال تغيّر إجتهاده إحتمالاً معتداً به  عرفاً وجب عليه التجديد، وإذا لم يمكنه إلّا بإبطال صلاته أبطلها، ولا إشكال في هذا الإبطال بعد وجود الشك في كون الفعل الآتي به هو المأمور به وموضوعاً للإمتثال أم لا؟ بلا محرز حقيقي كالعلم الوجداني بالقبلة ولا تعبدّي كالإجتهاد والأمارات على القول بكونها تعبديّة.

وكذلك لو إجتهد وأراد الدخول في الصلاة إلّا أنّه طرأ عليه الشك في إجتهاده فيجب عليه تحديد الإجتهاد.

ولا يقال بإستصحاب حكم الإجتهاد الأول عند الشك في رفعه؟ لأنّه يتنافى مع دليل وجوب التّحري، والإستصحاب دليل من لا دليل له، ولكن يحتمل فيما لو إحتمل تغير إجتهاده من غير أن يطمئن بذلك، فإنّه يجري الإستصحاب من جهة كونه ظنّه الفعلي هو الأحرى.

كما لا يقال أنّه مع الإجتهاد الأول لو دخل في الصلاة لصدق عليه الصلاة، لقيام الدليل على خلاف هذه الصلاة فإنّ ظاهر ما في الموثقة (وتغمدت القبلة جهدك) أنه حال الصلاة بتمامها لا آناً ما كما لا يخفى.

إذا صلى بظن صلاة فتغيّر ظنه صلّى الثانية إلى الجهة الأخرى

مسألة 8 ـ إذا ظن بعد الإجتهاد أنّ÷ا في جهة فصلّى الظهر مثلاً إليها ثم تبدل ظنّه إلى جهة أخرى وجب عليه إتيان العصر إلى الجهة الثانية، وهل يجب إعادة الظهر أو لا؟ الأقوى وجوبها إذا كان مقتضي ظنّه الثاني وقوع الأولى مستدبراً أو إلى اليمين أو اليسار، وإذا كان مقتضاه ووقوعها ما بين اليمين واليسار لا تجب الإعادة.

أقول: تفريعاً لما مرّ ولا يأتي في أحكام الخلل في القبلة بأنّه لو صلّى إلى جهة معتقداً أو ظاناً بكونها هي القبلة إلّا أنه إنكشف في الوقت أنّه قد إنحرف عنها، فحينئذٍ إن كان الإنحراف ما بين المشرق والمغرب صحت صلاته ولا يجب عليه الإعادة، وإن كان الإنتحراف إلى نقطتين المغرب أو المشرق أو إلى الإستدبار أعادها في الوقت، وحينئذٍ لو إجتهد في معرفة القبلة وظن في جهة فصلّى الأولى كالظهر مثلاً إلى تلك الجهة إلّا أنّه تبدل ظنه بإجتهاد آخر إلى جهة أُخرى، فإنّ÷ يجب عليه أن يأتي بالعصر إلى الجهة الثانية، فإنّ الإجتهاد الثاني ينفي الإجتهاد الأول، ولكن يا ترى  هل يجب عليه إعادة الظهر ما دام في الوقت أم يقال بالإجزاء إذ عمل بما كان يجب عليه؟

الظاهر إختلاف العلماء في ذلك، فذهب المصنف إلى أنّ الأقوى وجوب الإعادة إذا كان مقتضى ظنه وإجتهاده الثاني وقوع الصلاة الأولى مستدبراً للقبلة أو إلى نقطتي اليمين أو اليسار، ولكن إذا كان مقتضى ظنّه وإجتهاده وقوع الأولى ما بين اليمين واليسار فلا يجب عليه الإعادة للنصوص الواردة في المتحيّر أنّ قبلته ما بين المشرق والمغرب كما سيأتي إن شاء الله.