لا فرق في وجوب الإجتهاد بين الأعمى والبصير

مسألة 3 ـ لا فرق في وجوب الإجتهاد بين الأعمى والبصير، غاية الأمر أن إجتهاد الأعمى هو الرجوع إلى الغير في بيان الأمارات أو في تعيين القبلة.

أقول: لقد مرّ بالتفصيل أنّه لابّد من إستقبال القبلة في الصلاة، كما لابّد من تحصيل العلم بالقبلة، وإن لم يتمكن فيجب عليه الإجتهاد في تحصيل الظن برجوعه إلى الأمارات الشرعية المفيدة للظن والأخذ بأحدى الإحتمالات، وقد ذكرنا أنّ الرجوع إلى الإجتهاد والتحري أمّا في المرتبة الثانية إذ معناه الرجوع إلى الأمارات والذي يسمى بالعلمي ويكون في طول العلم الوجداني، أو أنّه في المرتبة الثالثة، أي يجب عليه أولاً تحصيل العلم بالقبلة، فإن تعذّر عليه ذلك فيجب عليه الرجوع  إلى الأمارات المذكورة ثانياً، وإن تعذر ذلك فيجب عليه الإجتهاد والتّحري ثالثاً، وحينئذٍ إجتهاد كل واحد بحسب نفسه، فلا فرق في وجوب الإجتهاد بين الأعمى والبصير، وذلك لإطلاق أدلته الشاملة للبصير والأعمى فما المراد من التعويل، فأن كان المقصود هو نوع من الإجتهاد والتحري فهو في محلّه، ولكن إن أريد منه التعويل من باب التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم كما في الأحكام تعبّداً حتى لو لم يحصل من قوله ظن أو حتى لو كان الظن على خلافه فهذا ممّا لا دليل عليه، ولا وجه للمصير إليه، وعدم الدليل دليل العدم.

ثم أشار إلى ضعفه ما قاله الشيخ+ وفي الخلاف من وجوب الصلاة على الأعمى إلى أربع جهات، فإنّه خلاف إطلاق أدلة وجوب التحري والإجتهاد.

وسيدنا الخوئي أنكر عليه ذلك بأنّه لا قصور في إطلاق الدليل للشمول للأعمى والبصير بمناط واحد، وإن إختلف غالباً في سنخ الإجتهاد، وليس ذلك من رجوع الجاهل إلى العالم ليدخل في باب التقليد كي يناقش بعدم مساعدة الدليل عليه في المقام. فما حكى عن بعض من سقوط التحري عنه ولزوم الصلاة إلى أربع جهات في غير محلّه. وأمّا إطلاق الدليل يشملهما بمناط واحد وإن إختلفا غالباً في سنخ الإجتهاد، فذلك بإعتبار أنّ الأعمى لما كان فاقداً لحاسة البصر، فإنّه يحتاج إلى الغير في استهداءه إلى مقدمات الإجتهاد من بيان الأمارات أو تعيين الجهات، وبعد إطلاعه على المقدمات أمّا أن يحصل الظن من قول البصير فيأخذ بقوله، وإن لم يحصل له الظن بالقبلة من قوله، فإنّه يجتهد حينئذٍ بنفسه ويكون بنفسه مصداقاً للتحري، وربما يكون في مقام الإجتهاد أبصر من البصير كما لو كان متضلعاً في علم الهيئة ومعرفة طول البلاد وعرضها ومقادير إنحرافها ومواقع الهجوم وحركاتها، فيكفي أن يساعده البصير في بيان مقدمات إجتهاده حتى يبذل جهده ويعطى الإجتهاد حقه في معرفة قبلته، وربما لا يحتاج إلى البصير بل هو يجتهد بنفسه كما لو دخل المسجد وإستعلم المحراب مباشرة عن طريق اللّمس فالمناط واحد في الأعمى والبصير في إجتهادهما وإن إختلف في سنخ الإجتهاد ^([1]) فتأمل.

لا يعتبر إخبارصاحب الدار إذا لم يفید الظن

مسألة 4 ـ لا يعتبر أخبار صاحب المنزل إذا لم يفید الظن الحاصل من قوله إذا أمكن تحصيل الأقوى.

أقول: هل إخبار صاحب المنزل في تعيين القبلة من مصاديق الإجتهاد والتحري فيؤخذ بقوله مطلقا، أو أنّه إنّما يؤخذ به لو أفاد الظن والإطمئنان القلبي؟

ذهب المصنف إلى عدم إعتبار قوله وإخباره إذا لم يفد الظن الحاصل من قوله، إلّا أنّه إذا تمكن من تحصيل الأقوى وهو المختار لعدم الدليل على إعتبار قوله مطلقاً بعد عدم كونه مصداقاً للتحري والإجتهاد، نعم إذا أفاد الظن أخذ به.

وإذا قيل: قد ورد في النصوص  المعتضدة بالسيرة في إعتبار قوله من باب إخبار ذي اليد ممّا يتعلق بأحكام ما في اليد من الطهارة أو النجاسة أو الملكية.

فجوابه واضح فإنّ هذه الموارد أولاً: مختصة بأحكام ما في اليد مثل الطهارة والنجاسة، وفي شموله للمقام ممّا لا وجه له، فإنّ معرفة القبلة بقوله ليس من الأحكام الوضعية كما في الطهارة والنجاسة وأنّه يتعلق بالدار أو البيت بل الحكم في المقام راجع إلى أنّ القبلة في الموضع الكذائي وهذا ليس حكماً للدار أو البيت.

وثانياً: إنّما يؤخذ بقول ذي اليد فيما لم يكن متهماً، وإلّا فلا يؤخذ وهذا معنى قولنا أنّه إن أفاد الظن فيؤخذ بقوله كما في المقام. وإن قيل بثبوت السيرة على سماع قول ذي اليد مطلقاً فهذا ما لم يثبت ولا وجه له.

وعليه فإنّ اخبار صاحب الدار وغيره في قبلة الدار على حدّ سواء في أنّه إن أفاد الظن أخذ بقوله من باب التحري والإجتهاد والمفيد للظن، ما لم يكن ظن أقوى على خلافه، وإلّا فالدار ـ كما مر ـ على الأقوى فالأقوى.

نعم إن قلنا بكفاية قول العادل أو الثقة في الموضوعات كما عند بعض الأعلام وكان اخباره مستنداً إلى الحسّ كان حجة فيؤخذ بقوله وإلّا فلا، فتأمل.