2 شعبان

1435

الأمر الرابع:

لا شكّ أنّ أصل البراءة إنّما يجري في الشك في التكليف في الجملة، إلّا أنّ الشك على أقسام، فذهب شيخنا الأعظم في فرائد أصول إلى ثمانية أقسام وجعل لكل قسم بحث مستقل خاص وخالفه في ذلك تلميذه، فلم يحصر الشك في الأقسام الثانية.

أما تقسيم الشيخ وإنحصاره في الثمانية فالوجه في ذلك إن منشأ الشك هو الشبهة، والشبهة بدواً على قسمين لأن الكلام في الشبهة التكليفية في الأحكام الشرعية، وهي أما في الوجوب وتسمى بالشبهة الوجوبية كما هو شك في وجوب صلاة أول الشهر، وأما في الحرمة وتسمى بالشبهة التحريمية كما لو شك في شرب النتن وحرمته، ثم كل من الشبهتين منشأهما أما من جهة فقدان النص الدال على الوجوب أو الحرمة، أو من جهة إجمال النص، وأنّه يسقط عن الإعتبار عند إجماله، وأمن جهة تعارض التعيّني، فيسقطان فيكونان بحكم فاقد النّص فيرجع إليه إلى أصالة البارة، أو من جهة الأمور الخارجية كما في الشبهات الموضوعيّة.

وأمّا الوجه في هذا التقسيم وإنحصاره في ثمانية أقسام والبحث عن كل قسم مستقلاً فذكر لذلك أمران:

الأول: من جهة إختصاص بعض أدلة البراءة بالشبهة التحريمية كقوله × (كل شيء مطلق حي يرد فيه نهي).

الثاني: أنّ بين الأخباريين والأصوليين إختلاف في أكثر من مأتي مسألة ـ كما قيل ـ ومن أهمّها مسألة البراءة والإحتياط، فقال الأخباريون بوجوب الإحتياط في الشك في التكليف، وقال الأصوليين بالبراءة، ولا يخفى أنّ أصل النزاع في البراءة وعدمها في خصوص الشبهة لتحريمية، أما الشبهة الوجوبية فلا نزاع بينهما في الرجوع إلى البراءة إلّا المحدث الإسترابادي في كتاب (الفرائد المدينة(138) قد خالف ذلك.

فالأقسام ثمانية عند الشيخ الأنصاري+، ولكن ذهب تلميذه المحقق الآخوند الخراساني في كتابة أصوله (320) إلى خلاف ذلك وأنّ الأقسام لا تنحصر في الثانية، لأنّ من الشك في التكليف الذي هو مورد لأصالة البراءة دوران الأمر بين الوجوب والحرمة والإباحة، وحينئذٍ تكون الأقسام إثني عشر وليست ثمانية. ومن ثمّ عمّم البحث لمطلق الشك في التكليف فإنّه القدر الجامع لكل الأقسام، إلّا أنّه في فرض واحد اخرجه عن الأقسام وهو فرض تعارض النصيبن ، فإنّه ليس مورداً للبراءة، فإنّه خارج عنها خروجاً موضوعياً وتخصصيّاً، لأنه عند التعارض بين الدليلين والنصيبن  نرجع إلى المرجحات الداخلية والخاريجة إن كانت وإلّا عند نكافئهما نقول بالتجبير الإبتدائي بينهما، والبحث عن هذا يرجع إلى التعادل والتراجيح لا إلى أصالة البراءة، لأنّ أصالة البرءة دليل من لا دليل له، ومع وجود الدليل تعييناً إذا أخذنا بالمرجحات أو تخييراً إذا لم يكن لأحدهما ترجيح على الآخر، فلا مجال إلى البراءة.

وأورد على الشيخ الأنصاري+ من تقسيم الشك إلى أقسام ثمانية وإستقلال البحث في كل قسم من لا وجه له، فإن ملاك جريان البراءة في كلّ الأقسام واحد، وهو عدم وصول التكليف إلى المكلّف ، هذا أولاً.

وثانياً: عموم أدلة القول بالبراءة تعّم الأقسام كلّها، وإختصاص بعض الأدلة بالشبهة التحريمية لا يدل على تكثر الأقسام وإن يفرد كل قسّم في البحث مع كون الملاك في الجميع على نحو واحدة كما عمدة الأدلة تشمل الجميع، فالأولى أن يقال بعموم وإطلاق الأقسام.

وأمّا إخراج تعارض النصين عن أصالة البراءة كما فعله صاحب الكفاية فإنّه قابل للنقاش، فإنّ مقتضى القاعدة عند التعارض والتساوي والتكافي هو التساقط والرجوع ، إلى العموم الفوقاني وإن لم يكن فإلى الأصول العملية أصالة البراءة ان كان الشك في التكليف.

كما أنّ التعارض لا ينحصر في الخبرين حتى يقال بالتراجيح أو التخيير بل يقع بين ظاهري الكتاب أيضاً ويرجع فيه بعد التساقط إلى الأصل العملي وكذلك الأمر بين المطلقين المتعارضين فإنّه يرجع بعد التساقط إلى الأصل العملي فتأمل.