24 رجب

1435

عطفاً على ما سبق:

ذهب المشهور إلى أنّ القبلة من تخوم الأرض إلى عنان السّماء وتمسكوا بوجوه كما مرّ تفصيل ذلك وقد ناقش سيدنا الخوئي هذه الوجوه كما تعرضنا إلى ذلك وناقشنا مناقشاته في الجملة، وبقي ما أورده على المشهور في تمسكهم بالروايات الواردة في هذا المقام، فإنّه قد تمسك بثلاث روايات كما مرّ ذلك، إلّا أنّ السيد الخوئي يناقشها سنداً ودلالة، فقال: إنّ الروايات التي إستدل بها لهذا القول غير صالحة للإستدلال لضعفها سنداً ودلالة وهي روايات ثلاث:

إحداها: صحيحة خالد بن إسماعيل، قال: قلت لأبي عبد الله×: الرجل يصلي على أبي قبيس مستقبل القبلة، فقال لا بأس فإنّها وإن كانت صحيحة السند إلّا أنّه قاصرة الدلالة بالكلية إذ غاية ما فيها أنّه يجوز الصلاة على جبل أبي قبيس، وليس فيها ما يدلّ على أنّ القبلة إلى عنان السّماء، بل يمكن إنطباقها على القبلة المركزية أي إختصاصها بالفضاء المشغول بالبيت وما يعلوه بالمقدار المتعارف عليه عرفاً.

ولكن يمكن أن يقال ما ذكر من جعل أبي قبيس أنّها كان من باب المثال وإطلاقه يعّم لو صلّى على قمّة جبل همالايا الذي يقال هو من أعلى جبال الأرض، وإذا قيل ينصرف إلى ما ذكر من القبلة المركزية، فإنّ الإنصراف هذا يزول بأدنى تأمل ويبقى المطلق على إطلاقه فتأمل.

فإنّ الخبر التالي ورد أيضاً في الصلاة على جبل أبي قبيس والإمام× أجابه بعدم الناس في ذلك وأنّ القبلة إلى السّماء.

الثانية: ما رواه الشيخ بإسناده عن الطاطري عن محمد بن أبي حمزة عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله× قال: سأله رجل قال: صليت فوق أبي قبيس العصر فهل يجزى ذلك (الكعبة تحتي؟ قال: نعم إنّها قبلة من موضعها إلى السّماء، فإنّها وإن كانت ظاهرة الدلالة على المطلوب إلّا أنّها ضعيفة السند، لأنّ في طريق الشيخ إلى الطاطري علي بن محمد بن الزبير القرشي كما في المشيخة التهذيب 10 (المشيخة: 76) فإنّه لم يوثق. وقد عبّر صاحب الحدائق (6: 377) عنها بالموثقة إلّا أنّه غير تام وكأنه إقتصر على ما هو مذكور في السند حيث كلهم من الثقات ولم يلتفت إلى طريق الشيخ إلى الطاطري وفي طريقه من لم يوثق ولكن يمكن أن يقال في الجواب على فرض عدم التوثيق أنّه عمل بالخبر المشهور، وعننا عمل المشهور يوجب جبر ضعف السّند.

الثالثة: مرسلة الصدوق، قال: قال الصادق× أساس البيت من الأرض السابقة السّفلى إلى الأرض السابعة العليا فهي واضحة الدلالة في كون القبلة من تحوم الأرض إلى عنان السّماء، وربّما التعبير (من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا) من باب أنّ لكل أرض سماء فالأرض السابعة إشارت إلى السماء السابع أو أنّ كل أرض هي سماء ما تحتها من الأرضيين السبع فتكون كل سماء أرضاً بالإضافة إلى ما فوقها، وكيف ما كان فهي ضعيفة السند بالإرسال فلا يعتمد عليها.

ولكن يقال أيضاً يكفي في رفع الضعف وجبرانه بعمل المشهور كما هو المختار فما ذهب إليه المشهور هو المختار إلّا أنّ السيد الخوئي قد خالف المشهور وقال: ما عليه المشهور من إتساع القبلة عموداً عن تخوم الأرض إلى عنان السماء لا يمكن المساعدة عليه بوجه من الوجوه.

بل الظاهر إختصاصها بفضاء البيت وما يتبعه عرفاً حسبما عرفت، بل هذا هو الحال في جميع الأوقاف والأملاك من المساجد وغيرها، فلا يتعدى الوقف والملك من ناحية السفلى والعلو إلّا بالمقدار الذي يقدمن توابعه والواقعة عرفاً دون الزائد على ذلك ثم إشارة إلى الثمرة بين القولين فقال: وتظهر الثمرة بين القوسين في الإجتياز عن السطح العالي للبيت أو المسجد أو الملك علوّاً فاحشاً بطائرة ونحوها، فعل المشهور لا يجوز ذلك للجنب في الأولين وبدون إذن المالك في الأخير، وعلى المختار ويجوز الخروج ذات الفضاء عن البيت والمسجد والمُلك.

ونقول في مقام المناقشة أولاً: الكلام في القبلة وما ذكر من إلحاق المساجد والأملاك الشخصية إيها في الجملة وليس مطلقاً.

حتى يقال أنّها حكمها حكم القبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء.

وثانياً: تعيين الموضوعية المصداقية في الأحكام الشرعية تارة بيد العرف كما هو في الأعم الأغلب، ومن ثم يقال أنّ الفقيه مهما بلغ في الفقه فإنّه عيال على العرف لتشخيص الموضوعات في ترتب الأحكام الشرعية عليها، وأخرى بيد الشارع المقدس كوضوعية الصلاة ، وكما في القبلة فلا يرجع في تعيين مصداقيتها إلى العرف بعد بيان الشارع أنّها إلى عنان السماء كما ورد في الأخبار الشريفة وكما هو عند المشهور، نعم في مثل الأملاك الشخصية وحتى المساجد حيث لم يرد فيها من حيث جهتي علّوها وإنخفاضها نص فيرجع فيه حينئذٍ إلى العرف، والعرف يرى أنّ لها حريم كما للدار حريم وذلك بالشيء المناسب والمتعارف عليه، ومن ثم لا يصدق عليها عند مرور الطائرة فوقها، فلا يحتاج إلى إذن المالك، وإستأذانه ممّا يضحك الثكلى.

وثالثاً: بالنسبة إلى المساجد على القول بأنّها إلى عنان السماء أيضاً، فإنّه لا يضّر أن تمر الطائرة عليها وفيها جذب كما هو الحال في الأرض إذا أراد أن يمّر بالمساجد دون المسجدين، فتأمل والله العالم بحقائق الأمور.

المقام الثاني: قال المصنف+: (ولا يدخل فيه ـ في البيت الحرام ـ شيء من حجر إسماعيل وإن وجب إدخاله ـ الحجر ـ في الطواف).

أقول: هل يقع حجر إسماعيل في القبلة بإعتبار كون الحجّة من البيت في الطواف؟

إختلف الأعلام في ذلك، فذهب المشهور ومنهم المصنف كما هو المختار أنّه ليس من البيت بالنسبة إلى القبلة وإن كان منه بالنسبة إلى الطواف ولا ملازمة بينهما، وهذا ما ذهب إليه الأكثر من الأصحاب، فلا يجزئ إستقباله عن إستقبال البيت، ويدل عليه جملة من الروايات المعتبرة منها صحيحة معاوية بن عمّار.

قال: سألت أبا عبد الله× عن الحجر أمن البيت هو أو فيه شيء من البيت؟ فقال: لا، ولا قلامة ظفر، ولكن إسماعيل دفن فيه أمة فكره أن يوطأ فجعل عليه حجراً وفيه قبور أنبياءه.

وجه الإستدلال: واضح فإنّ الإمام× أنكر أن يكون الحجر من البيت الحرام ولو بمقدار قلامة الإظفر كناية عن القلّة. نعم في المكان جعل منه تكريماً لقبر هاجر وقبور الأنبياء حتى لا يطأها الناس حين طوافهم ومشبهم فتهتك حرمتهم وإن كان يصلي في الحجر ويكون القبر تحت الأرجل كما هو عليه اليوم إلّا أنّ÷ يُسمّى هذا الوطي عليه هذا ما أفهمه من فقه الحديث والله العالم.

ومنها موثقة زرارة.

عن أبي عبد الله× قال: سألته عن الحجر هل فيه شيء من البيت ؟ فقال لا، ولا قلامة ظفر ^([1]).