11 رجب

1435

يقع الكلام في نهاية المطاف في تمامية المقدمات المذكورة في دليل الإنسداد وعدمها، حيث ذكر الأعلام مقدمات أربعة كما مرّ تفصيل ذلك وهي إجمالاً:

أمّا الأولى: فالعلم الإجمالي بثبوت تكاليف فعليّة.

وأمّا الثانية: إنسداد باب العلم والعلمي في كثير من تلك التكاليف.

وأمّا الثالثة: عدم وجوب الإحتياط التام في جميع الشبهات، إمّا لعدم إمكانه أو لإستلزامه إختلال النظام أو العسر والحرج.

كما لا يجوز الرجوع إلى الأصل الجاري في كل مسألة ولا إلى القرعة ونحوها، ولا إلى فتوى من يرى إنفتاح باب العلم أو العلي.

وأمّا الرابعة: إستقلال العقل ينتج ترجيح المرحوح على الراجح.

فتقول: كما قال الأعلام: إنّ المقدمة الأولى من البديهيات، فإنه مع العلم الإجمالي بوجود تكاليف دينية فعليّة لابّد من إمتثالها لكلّ مكلف في الجملة، لأنّ الإنسان ليس كالبهائم يفعل ما يشاء ويترك ما يريد نعم أطراف هذا العلم الإجمالي بطبيعة الحال كثيرة لا يتمكن المكلف من الإحتياط وتحصيل الموافقة القطعية في جميعها، بل ربما يضطر إلى ترك بعض الأطراف في الشبهة الوجودية أو إلى فعل بعض الأطراف في الشبهة التحريمية، إلّا أنّ هذا الإضطرار لا يرفع تنجيز العلم الإجمالي في المقام مطلقاً سواء على مسلك شيخنا الأنصاري+ أو شيخنا الخراساني+، أما مسلك الشيخ الأنصاري فقد ذهب إلى أنّ الإضطرار إلى بعض أطراف العلم الإجمالي فعلاً أو تركاً لا يرفع تنجيز العلم الإجمالي بالنسبة إلى الأطراف الأُخرى فيما إذا كان الإضطرار إلى غير معين. فالأمر حينئذٍ يكون واضحاً، وأما ما ذهب إليه الشيخ الخراساني من عدم تنجيز العلم الإجمالي مع الإضطرار إلى غير المعيّن عن الأطراف بإعتباران التكليف بالنسبة إلى بقية الأطراف ساقط للإضطرار، وبالنسبة إلى الباقي فهو مشكوك الحدوث فيكون من الشك البدوي فلا مانع من الرجوع إلى البراءة فيها، فهذا وإن كان صحيحاً إلّا أنّه إنّما يصدق في أطراف الشبهة المحصورة لا في مثل المقام، فإنّ الرجوع إلى البراءة يستلزمه المخالفة في معظم الأحكام وهذا ما يعُبر عنه الشيخ الأنصاري بالخروج من الدين، بمعنى أنّ الشارع لا يرض مخالفة  معظم أحكامه لا بمعنى الكفر، فإنّ مخالفة الفروع لا يستلزمه الكفر في العقيدة فلا إشكال في المقدمة الأُولى، فإنّ إهمال التكليف المعلومة بالإجمال وعدم التعّرض لامتثالها مما يطقع بعدم رضى الشارع به بالضرورة وأمّا المقدمة الثانية: أما إنسداد باب العلم فهذا صحيح وثابت لكل مجتهد، فإنّ الأحكام منها وإن كانت ضرورية الثبوت والإثبات كوجوب الصلوات المفروضة ووجوب صوم شهر رمضان ونحو ذلك إلّا أنّها أحكام إجماليّة في أجزائها وشرائطها ومواقعها وأمّا بالنسبة إلى إنسداد الباب العلمي فإنما يكون صحيحاً لو قيل على سبيل منع الخلو بعدم حجيّة الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة إمّا من جهة عدم ثبوت وثاقة الرواة أو من جمعه عدم حجية خبر الواحد الثقة كما عند السيد المرتضى+.

أو يقال بعدم حجيّة ظواهر الروايات بالنسبة إلينا لإختصاص حجيّة الظواهر بالمقصودين بالأفهام والمخاطبة ولسنا منهم، وعلى كلا التقديرين يلزمه إنسداد باب العلمي أيضاً لأنّه على الأول تسقط الرواية من الحجيّة من حيث السند، وعلى الثاني تسقط من حيث الدلالة ومن قال بالإنفتاح الباب العلمي لابّد له من بطلان كلا الوجهين وإثبات حجيّة الروايات من حيث السند والدلالة، وقد ثبت في محلّه حجيّة الخبر الواحد الثقة كما ثبت حجيّة الظواهر من الكتاب والسنة كما مرّ تفصيل ذلك. فثبت بطلان هذه المقدمة وأمّا المقدمة الثالثة: بأنّه لا يصّح الرجوع إلى الغير ولا العمل بالقرعة ونحو ذلك ولا الرجوع إلى الأصل في كل مورد وعدم وجوب الإحتياط التام كما يلزمه العسر والحرج فجوابها؟ أمّا الرجوع غلى الغير وتقليده فإنّه لا يصّح وهو باطل لأنّ من يقول بالإنسداد يرى خطأ من يدعي الإنفتاح فيراه جاهلاً فكيف يرجع إليه، فإنّه يلزمه رجوع العالم إلى الجاهل في نظره، وكذلك الأمر في القرعة فإنّ الأحكام الشرعية لم تبتن على القرعة بالضرورة، كما لا دليل على حجيّة القرعة إلّا في موارد قليلة من الشبهات الموضوعية على ما هو مذكور في محلّه، فلا يصح الرجوع إليها في الشبهات الحكمية، وأمّا الرجوع إلى الأصول العملية في كل مورد.