12 جمادى الثاني

1435

يقع الكلام في الروايات التي يستدل بها على حجيّة خبر الواحد الثقة، فقد قسّمها ورتبّها شيخنا الأعظم + في فرائد أصوله إلى أربعة طوائف:

الطائفة الأولى: الأخبار العلاجية في الخبرين المتعارضين فإنّها دلّت على أنّ الأخبار كانت في نفسها حجة عند الأئمة^ وعند أصحابهم، فكان الأمر من الفروغ منه، وإنّما التّوقف عن العمل بالأخبار المتعارضة من جهة المعارضة، فسألوا عن حكم المعارضة والظاهر أنّ مورد الأخبار العلاجية ليس في الخبرين المقطوعين المعفومين صدورهما حتى يقال بعدم حجيّتها في الخبر الواحد الثقة المفيد للظن وإن كان تعبّدياً وخاصاً، لأنّ المرجحات المذكورة فيها لا تتناسب مع العلم بصدورها كما أنّ الظاهر من مثل قوله (يأتي عليكم خبران متعارضان) كون السؤال عن مشكوكي الصدور دون معلوميهما، كما أنّه من البعيد أن يقع التعارض في مقطوعي الصدور.

الطائفة الثانية: الأخبار الآمرة بالرجوع إلى أشخاص معينين من الرواة كقوله×: (إذا أرادت حديثنا فعليك بهذا الجالس ـ وقد أشار× إلى زرارة رضوان الله تعالى عليه.

وعندما سأل عن يونس بن عبد الرحمن: أفيونس بن عبد الرحمن ثقة نأخذ معالم ديننا عنه، قال×: نعم، وقوله×: (عليك بالأسدى) أي أبو بصير ليث المرادي، وقوله×: (عليك بزكريا بن آدم المأمون على الدين والدنيا.

الطائفة الثالثة: الأخبار الآمرة بالرجوع إلى الرواة الثقات كقوله×: لا عذر لأحد في التشكيك فيما يرويه ثقاتنا، وقيل بتواترها معنى، إلّا أنّ الظاهر عدم ثبوت لقلتها فلم تبلغ حدّ التواتر المعنوي، ولكن لا يبعد أن يكون من التواتر الإجمالي،فإن نقطع أن واحد من هذه الروايات صدرت من المعصوم×.

الطائفة الرابعة: الأخبار التي تأمره بحفظ الروايات وإستماعها وضبطها والإهتمام بها، وقد أشار إليها صاحب الرسائل في الباب الثامن من أبواب كتاب القضاء، فراجع، ومنها: ما رواه عن أبي عبد الله× قال: أنّ رسول الله‘ خطب الناس في مسجد الخيف فقال نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها من لم يسمعها، فربّ حامل فقه غير فقيه، ورُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ^([1]).

وأمّا وجه الإستدلال بهذه الطوائف الأربع من الروايات: أنّه لابّد من إثبات تواترها في الجملة حتى تكون مقطوعة الصدور وتفيد العلم بمفادها وهو حجيّة خبر الواحد الثقة. ولولا ذلك للزم الدور وتوقف الظن على الظن، وتوقف الشيء على نفسه. فلا يصح الإستدلال بها حينئذٍ. وأمّا إثبات تواترها: فإنّه ينقسم التواتر إلى ثلاثة أقسام كما عند صاحب الكفاية المحقق الخراساني+، ومن بعده، وأمّا الأقسام الثلاثة:

الأوّل: التواتر اللفظي، وهو إتفاق جماعة يمتنع تواطئهم وإتفاقهم على الكذب عادة على نقل خبر واحد بلفظه كتواتر ألفاظ القرآن الكريم الصادرة عن لسان النبي الأعظم‘.

الثاني: التواتر المعنوي: وهو إتفاقهم على نقل مضمون واحد مع الإختلاف في الروايات والألفاظ ولا فرق في ذلك سواء كانت دلالة الألفاظ على المضمون الواحد بالدلالة المطابقية أو التضمنية والإلتزامية أو حتى بالإختلاف.

ومثال المتواتر المعنوي الأخبار التي تروى لنا بطولات أمير المؤمنين× فإنّها متفقة الدلالة على شجاعته، فيكون إثبات شجاعته من المتواتر المعنوي المفيد للقطع اليقين.

الثالث: التواتر الإجمالي وهوورد روايات عديدة ومستفيضة نعلم بصدور بعضها ولو واحد منها إجمالاً إنّها صدرت من المعصوم× مع إشتمالها على مضمون واحد.

وما ورد في هذه الأخبار من باب التواتر الإجمالي ممّا يدل على حجيّة خبر الواحد الثقة، وأنّه كان مفروغاً عند المعصومين وأصحابهم في مقام السؤال والجواب.