8 جمادى الثاني

1435

آية الذكّر:

من الآيات التي يستدل بها على حجيّة الخبر الثقة قوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُر﴾(النحل: 43ـ 44).

وجه الإستدلال: كما في الآية السابقة من أنّه يجب السؤال في مقام العمل، ووجوب السؤال على وجوب القبول بالملازمة، أي اللازم من سؤال الجاهل عن العالم أن يقبل قوله، وإلّا لزم كون وجوب السؤال لغواً، كما أن النهي عن الكتمان لولا وجوب القبول لكان لغواً، فدّل على حجية خبر الواحد الثقة.

والظاهر عدم تمامية الإستدلال بهذه الآية أيضاً: وذلك أوّلاً: لأنّ تعليق وجوب السؤال على عدم العلم أي فيما لم يعلم يجب عليه أن يسأل ظاهر في أن الغرض من السؤال حينئذٍ هو حصول العلم لا التقيد بالجواب حتى يستلزمه حجيّة قوله.

وثانياً: أنّ مورد الآية هي النّبوة، والمأمورون بالسؤال هم عوام اليهود، فالمسألة تتعلق بأصول الدين وخبر الواحد لا يكون حجة في أصول الدين.

وإن قيل: إنّه ورد في الأخبار المستفيضة أنّ أهل الذكر في تأويل الآية الكريمة هم أهل البيت^ ، فلا يختص باليهود.

وجوابه: وإن كان كذلك لأنّ عنوان أهل الذكر عام فيشمل الجميع، إلّا أنّه يختلف بإختلاف الموارد، فإنّه في مقام إثبات النبوة الخاصة أي نبوة نبينا الأكرم محمد‘ يكون المراد من أهل الذكر إثبات النبوة الخاصة، بما وصفه الله سبحانه في الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل، وفي مثل هذا المورد لا يصح أن يكون المراد من أهل الذكر الأئمة الطاهرين  ^، بل المراد من أهل الذكر علماء اليهود والنصارى وإنّما لا يصح لأنّ الإمامة فرع النبوة، فكيف يمكن إثبات النبوة بالسؤال من الإمام× الذي إنّما ثبت إمامته بنص من النبي‘ نعم بعد إثبات النبوة والإمامة يكون الأئمة الأطهار^ حينئذ هم أهل الذكر فسأل منهم ما لا نعلم فيما يتعلق بالأحكام الشرعية، كما أنّ من مصاديق أهل الذكر في عصر الغيبة الكبرى هم الرواة بالنسبة إلى الفقهاء في مقام الإستنباط والإجتهاد، والفقهاء ومراجع التقليد بالنسبة إلى العوام أي من لم يكن مجتهداً ولا محتاطاً، فالمعنى في الجميع واحد وإنما الإختلاف في المصاديق بحب الموارد.

آية الآذن:

وفي الآيات التي يستدل بها على حجيّة خبر الواحد أيضاً قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾(التوبة: 61).

وجه الإستدلال: أنّ الله عز وجل مدح نبيه الأكرم محمد‘ بتصديق للمؤمنين، ولو لم يكن تصديقهم من الحسن لما مدحه ب، فهذا يدل على حجيّة الخبر الواحد الثقة فإنّه من التصديق للمؤمنين.

وأجيب عنه: أنّه لا ملازمة عقلاً وشرعاً بين تصديق المخبر وبين العمل بإخباره وترتيب الأثر العملي عليه، فإنّه قد يراد من تصديقه هو عدم المبادرة إلى تكذيبه لا ترتيب الأثر عليه حتى يلزمه حجيّة قوله، فيكون المراد من التصديق حينئذٍ عدم نسبة الكذب إليه عند المواجهة، وهذا من الأمور الأخلاقية والإجتماعية كما يدل عليه بعض الروايات كقوله × (كذّب سمعك وبصرك وصدّق أخاك) وإن شهد عندك خمسون قسامة أنّه قال قولاً، وقال لم أقله فصدّقه كذبّهم) فالمراد  هو مجرد التصديق وعدم تكذيبه لا أنّه يترتب الآثار على قوله حتى يلزم حجيّة قوله.

ويؤيد ما ذكر شأن نزول الآية كما في تفسير علي بن إبراهيم القمي+ ، بأنّ عبد الله بن نفيل كان يسمع كلام النبي‘ وينقله إلى المنافقين، فأوقفه الله على هذه النميمة، فأحضره النبي وسأله عنها، فحلف أنّه لم يفعل فقبل النبي منه، فأخذ الرجل يطعن بالنبي بأنّ÷ أذن كل ما ما يقال له يسمع ، فرد الله عليه بأن أذن خير لهم، ومن الواضح أنّ تصديقه ليس بمعنى أنّه رتب الأثر العملي على قوله، بل المراد مجرد عدم إظهار تكذيبه.

ويؤيده أيضاً ما ذكره الشيخ الأعظم+ في فرائده (1: 184) من أن سياق الآية يدل على أنّ المراد من التصديق هو مجرد عدم التكذيب لا ترتيب الآثار، وذلك من جهة تعدية كلمة يؤمن في الجملة الأولى (يؤمن بالله) بحرف الباء وتعديته باللام في الجملة الثانية (ويؤمن للمؤمنين) فيدل على إختلاف المعنى والمراد من الإيمان في المقامين، فتأمل والله العالم.

هذه جملة من الآيات التي إستدل بها على حجيّة الواحد وكلها كانت قابلة للنقاش، وأمّا الأخبار الدالة على الحجيّة فهي كثيرة وقد رتبها الشيخ الأعظم الشيخ الأنصاري+ في فرائد أصوله (1: 185 ـ 192) على طوائف أربع؟ وهذا ما سنذكره إنشاء الله تعالى.