29 ربيع الثاني

1435

وثالثاً: ما أجاب عنه المحقق العراقي بدفع التعارض بين أدلة حجيّة الخبر وبين الآيات الناهية عن العمل بالظن بوجهين:

الأوّل: إنّ الآيات الناهية لا تصلح للمعارضة، لأنّ ما دلّ على الحجيّة من باب إقتضائه لتتميم الكشف الواقعي، حاكم على الآيات من باب الحكومة التعبدية أي بدليل شرعي، فيوجب خروج العمل بخبر الواحد مثلاً عن كونه عملاً بما وراء العلم أو الظن تعبّداً، فيلزم التوسعة في دليل المحكوم عليه تعبّداً، فلا معارضة في البين.

الثاني: إنّ الآيات الناهية عن العمل بالظن إنّما هي بصدد بيان أنّ الظن في ذاته يقتضي عدم الحجيّة، أي نفي الحجيّة الذاتية عن الظن فإنّه لا يغني عن الحق شيئاً، فبنفسه وبذاته لا يركن إليه ولا يعتمد عليه، بخلاف العلم فإنّه في ذاته يقتضي الحجيّة، فالآيات الناهية ليست في مقام إثبات إقتضاء الظن بذاته لعدم الحجيّة مطلقاً، فلا ينافيها حجيّة الظن لعارض ولمقتضٍ خارجي، فتكون حجّته عارضية كالظن في الخبر الواحد الثقة، فلولا أدلة حجيّة الخبر لكان من الظن الذي يقتضي في ذاته أن لا يكون حجّة ولكن هذا لا ينافي أن يكون حجّة بسبب خارجي آخر كالأدلة المثبتة لذلك كما هو ظاهر.

وأورد عليه: أمّا الوجه الأول يُرد عليه أن الحكومة إنّما يكون بالأدلة اللّفظية الشارحة والمفسّرة، كما في الطواف صلاة أو (لا صلاة إلا بطهور) فيقال بتوسعة الصلاة على الطواف فيشرط في الطواف الطهارة كذلك. فالحكومة متنوعة بلسان الدليل والتنزيل، والحال لم يكن له عين ولا أثر في أدلة حجيّة خبر الواحد حتى يقال بحكومته التعبديّة أي بدليل تعبّدي وشرعي على الآيات الناهية.

وأمّا الوجه الثاني : فإنّه خلاف الظاهر، فإن الظاهر منها هو نفي حجيّة الظن، لا نفي إقتضاء الحجيّة في الظن ذاتاً.