3 ربيع الثاني

1435

عطفاً على ما سبق:

يقع الكلام في المورد الثاني عشر من موارد الإستثناء في فضيلة تقديم الصلوات المفروضة، فيجوز تأخير المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات إلى المشعر الحرام، فإنّه يؤخَّرهما ولو إلى ربع الليل، بل ولو إلى ثلثه. والمراد من الجواز في هذا المقام ليس الجواز بمعناه العام، فإنّ ذلك يجوز مطلقاً إتيان الصلاة المفروضة في وقت الأجزاء بين الحدّين بل المراد أنّ في التأخير من الفضيلة ما يتدارك بها فضيلة التقديم أو بزيادة الفضيلة لمكان أفضل التفضيل، بناء على أن الأفضل التأخير كما يظهر هذا المعنى من موارد الإستثناء.

وأما أفضلية التأخير في صلاة المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات إلى المشعر إنّما هو نتيجة الجمع بين طائفتين من الأخبار الواردة في الباب، دلّت الطائفة الأولى على جواز الإتيان بالعشائين في أوّل الوقت في عرفات كصحيحة هشام بن الحكم.

عن أبي عبد الله× قال: لا بأس بأن يصلّي الرّجل المغرب إذ أمسى بعرفة^([1]).

وموثقة محمد بن سماعة بن مهران^([2]).

قال: قلت لأبي عبد الله×: الرّجل يصلّي المغرب والعتمة في الموقف، فقال: قد فعله رسول الله‘ صلاها في الشعب. ونحوهما غيرها.

وأما الطائفة الثانية فدلّت على النهي عن إتيانها في عرفات ولزوم التأخير إلى المشعر، كصحيحة محمد بن مسلم .

عن أحدهما×، قال: لا تصل المغرب حتى تأتي جمعاً، وإن ذهب ثلث اللّيل^([3]).

وموثقة سماعة قال: سألته عن الجمع بين المغرب والعشاء بجمع، فقال: لا تصلّهما حتى تنتهي إلى جمع وإن مضى من الليل ما مضى^([4]).

فاثانية وإن دلّت على النهي الدال بظاهره على التحريم، إلّا أنّ الأولى دلّت بالصراحة على الجواز، وعند المعارضة بين الصريح والظهور، فإنّه نرفع اليد عن الظهور، فنرفع اليد عن النهي الوارد في المقام بصراحة الطائفة الأخرى الدالة على جواز التقديم  ونتيجة ذلك يكون الأفضل التأخير، فيجوز تقديم العشائين وإتيانهما في عرفات إلّا أنّ الأفضل التأخير وإتيانهما في المشعر وإن ذهب ثلث الليل بعد مضى من الليل ما مضى، إلّا انّه يقيد بما دلّ على إنتهاء الوقت إلى منتصف الليل كما هو الظاهر ولا سيما بالنسبة إلى صلاة المغرب، كما هو المختار.

(الثالث عشر: من خَشى الحر يؤخر الظهر إلى المثل ليبرو بها).

لاشك أنّ المطلوب في الصلاة هو الخشوع وحضور القلب بوجود المقتضى وعدم الموانع ورفعها ودفعها، والموانع تارة في داخل الإنسان كمدافعة الأخبثين وأخرى من خارجه كالجو الحار في مثل الصيّف عند منتصف النّهار، فمن خشى الحر جاز له تأخير صلاة الظهر إلى أن يصير الظل بمقدار مثله ليأتي بصلاته في وقت أقل حرارةٍ وأكثر برودة فيبرد بها.

قال الشهيد الأول+ في الذكرى: (يستحب تأخير صلاة الظهر إذا إشتد الحر) وهذا ما ذهب إليه المشهور ومنهم المصنّف كما هو المختار ويدل عليه طائفة من الروايات الأولى: ما رواه معاوية بن وهب.

عن أبي عبد الله× قال: كان المؤذن يأتي النبي في الحر في صلاة الظهر فيقول له رسول الله‘ ابرد وابرد^([5]).

وجه الإستدلال: إنّ ما قاله رسول الله من السنة فهو الحجّة ودلّ على جواز التأخير أي إستحبابه بمقدار يحصل الإبراد في الجملة وعبّر الشيخ الطوسي+ في المبسوط بالتأخير قليلاً، وخصّ ذلك بصلاة الجماعة ولمن أراد أن يصليها في المسجد، إلّا التخصص غير ظاهر، فالرواية مطلقة ولا إنصراف فيها غلى صلاة الجماعة أو المسجد.

وأورد على الإستدلال بها:

أوّلاً: دلّت الرواية على التأخير إلى حصول الإبراد في الجملة لكونها قضية مهملة بحكم الجزئية والإجمال، فلا دلالة لها على المثل الذي أشار إليه المصنف، إلّا أن يقال أنّه عادة يحصل الإبراد الإجمالي في مثل هذا الوقت، فذكر ذلك من باب المثال وليس التحديد والتّعيين، فيكون من التجوز والمسامحة في الإستعمال، فتأمل.

وثانياً: لقد فسّر الشيخ الصدوق+ (ابرد وأبرد) بالإسراع في الصلاة إشتقاقاً من البريد كالبريد في إيصال الرسائل فإنّه يدلّ على نوع من التعجيل للوصول إلى المقصد، فلم يكن مشتقاً من التبريد والبرودة في مقابل الحرارة ومع وجود هذا الإحتمال يلزم الخبر أن يكون مجملاً حينئذ وقع إجمال الخبر يسقط عن الإعتبار.

ولكن يمكن مناقشة هذا الوجه بظهور ما في الخبر بما ذكر من قيد الحر في قوله (يأتي النبي في الحر في صلاة الظهر) فيقابل البرد، فيكون المراد من قوله (أبرد أبرد) أي إنتظر إلى أن يحصل التبريد نوعاً ما وفي الجملة كما ورد هذا المعنى في الروايات الأخرى فتكون مفسرة لها. ثُمّ الأعم الأغلب يحصل التبريد عندما يكون ظل الشاخص بمقدار مثله، وربما هذا وجه ما أخذ به المشهور أو في جهة ما ورد في الرواية الثالثة.

الثانية: ما رواه الشيخ الصدوق في العلل بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله‘: إذا إشتد الحرّ فأبردوا بالصلاة فإنّ الحر من قيح جهنم... ^([6]).

والرواية عاميّة فضعفها ظاهر إلى أنّه يجبر ضعف السند بعمل المشهور كما هو المختار.

الثالثة: ما رواه زرارة في موثقته.

قال: سالت أبا عبد الله× عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني، فلّما أن كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال: إنّ زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فخرجت (فحرجت) من ذلك، فأقره منّي السّلام وقل له: إذا كان ضلل مثلك فصل الظهر، وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر^([7]).

فدلّت على ما ذهب المشهور كما هو المختار.