26 ربيع الأول

1435

قال المصنف+: (الثالث: في التيمم مع إحتمال العذر أو رجائه).

أقول: لقد مرّ الكلام بالتفصيل في مبحث التيمم في مسألة جواز التيمم لذوي الأعذار مع سعة الوقت، فالأصل عدم جواز البدار لذوي الأعذار إلّا ما خرج بالدليل، والوجه في ذلك: أن الحكم الأوّلى للمختار هو الطهارة المائيّة، وعند الإضطرار ينتقل إلى الطهارة الترابيّة، والمفهوم من أدلة الأحكام الإضطرارية هو أنّ الحكم الإضطراري الثانوي ثابت للمكلف إذا عجز عقلاً عن الحكم الإختياري الأولى وسقوط الحكم الأوّلي عن الفعليّة وهذا إنّما يكون كذلك عرفاً لو كان العجز مستمراً  إلى آخر الوقت، وإلّا فإنّه لا يكفي في سقوط الحكم الأولي الإختباري بمجرد العجز ولو آناً ما، فالحكم الإضطراري وإن كان بمنزلة المخصص للحكم الإختباري إلّا أنّه يختلف عن المخصصات والعمومات الأخرى، فإنّه لما كان العام والخاص بينهما تناف في الظاهر وكان أحدهما في عرض الآخر، فالجمع العرفي بينهما كان بحمل العام على الخاص مطلقاً، ولكن بين الحكم الإختياري والإضطراري وإن كان التنافي بينهما في الظاهر إلّا أنّ أحدهما في طول الآخر، وبالدقة يلزمهما عدم التنافي بينهما، بل يكون مثبتاً لمنطلق الحكم الإضطراري وهو البدل كالتيمم في ظرف العجز عن الحكم الإختباري وهو المبدل منه كالوضوء، وذلك عند سقوطه أمره عن الفعلية، ويبتنى على ذلك أنّه لا يجوز للمكلف تعجيز نفسه عن الواجب الإختياري الأولي، لأنّه يلزمه تفويت الواجب وهو محرّم شرعاً ومذموم عقلاً.

ويبتنى على ذلك حينئذٍ أن يكون العجز مستمراً إلى آخر الوقت لأن مقتضى البداية في ظرف العجز سقوط الأمر الفعلي الإختباري مطلقاً كي يصدق وجود العذر وعدم التمكن من المبدل منه عقلاً، وهذا إنما يكون في ظرف إستمرار العجز وحينئذٍ لو بادر المكلف إلى الفعل الإضطراري مع ظهور العجز عن الفعل الإختباري، فإنّما يكتفي به لو إستمر العجز إلى آخر الوقت، فإن إستمر نكشف صحة البدل من أول الأمر، وإلّا كان عليه الإعادة، فإنّه بإرتفاع العجز ولو في آخر الوقت يكشف بطلان العمل الذي أقدم عليه لعدم سقوط فعليّة الحكم الأولي للمختار بالمرّة، والحال قد اشترطنا ذلك في تحقق الحكم الإضطراري لأنّ تخصيصه للحكم الإختباري كان في طوله وليس في عرضه كما كان في العام والخاص، ويبتنى على ذلك أنّه لا فرق حينئذٍ لمن أراد أن يبادر إلى البدل عند الإضطرار والعجز عن المبدل منه بين إحتمال أو رجاء زوال العذر أو عدمه.

ولكن على مبنى من يرى التعارض بين الحكم الإختياري والإضطراري على نحو العرضية،وإنّ أحدهما في عرض الآخر فمع العجز ولو في أول الوقت جاز له البدار إلى البدل والطهارة الترابية إلّا أنّه الأفضل له التأخير عسى أن يتمكن من المبدل منه والطهارة المائيّة، وإذا بادر إلى البدل وإرتفع العذرفإنّه في غير المتيمم وجبت عليه الإعادة، وأمّا في المتيمم فإنّه يجوز له التقديم وإن إحتمل زوال العذر أو رجائه وإن كان الأفضل له التأخير، وقيل أنّ التأخير هو المتعين في هذا المورد للنصوص الدالة على ذلك كما مرّ الكلام فيه وأمّا في غير التيمم من ذوي الأعذار فذهب المصنف إلى أنّ الأقوى وجوب التأخير وعدم جواز البدار إلى البدل  والحكم الإضطراري الثانوي والوجه في ذلك كما ذكرنا أنّ المسوّغ للإنتقال من الصلاة الاختيارية إلى الصلاة الإضطرارية إن كان هو العجز والعذر المستوعب لتمام الوقت أمّا من جهة أنّ الإضطراري في طول الإختياري أو يقال بوجه آخر، فإن المأمور به في الصلاة الإختيارية هو طبيعي الصلاة الواقع بفرد من أفراده في الوقت المعلوم بين المبدء والمنتهى، فإذا تمكن من فرد من الأفراد من ذلك الطبيعي الجامع في ذلك الوقت المحدود فإنّه لا ينتقل إلى البدل حينئذٍ، فإنّه إنّما ينتقل من المبدل منه إلى بدله لو أحرز العجز في كل الوقت، ومع الشك ورجاء الزوال لم يحرز العجز عن طبيعي الصلاة، وحينئذٍ لابد له من الإنتظار لإستعلام حاله وإحراز موضوع الإنتقال، فإن زال العذر في آخر الوقت أتى بالصلاة الإختيارية وإلّا فيأتي بالصلاة الإضطرارية حينئذٍ ولكن في التيمم إنّما يجوز له ذلك بأن يبادر وإن احتمل زوال العذر أو رجا ذلك لوجود النص الدال عليه.

وقيل بدفع ذلك، بأن ما ذكر إنّما يتجه بلحاظ الحكم الواقعي، ولكن في الحكم الظاهري، فإنّه لا مانع من إحراز إستيعاب العجز إلى آخر الوقت باستصحاب استمرار العذر إلى آخر الوقت، وهذا بناء على جريان الإستصحاب في الأمور الإستقبالية كالحالية، فجاز له البدار في الحكم الظاهري إستناداً على هذا الإستصحاب، نعم لما كان حكماً ظاهرياً فإنّه إنّما يجزى عن الحكم الواقعي فيما لم يتبين ولم ينكشف الخلاف، فإنّ إنكشف الخلاف في زوال العذر في الوقت أعاد الصلاة فتدبّر.