26 ربيع الأول

1435

أدلة المثبتين لحجيّة خبر الواحد

يقع الكلام في أدلة المثبتين لحجيّة خبر الواحد الثّقة، فقد إستدل المشهور بوجوه، إلّا إنّ العمدة فيها كما هو المختار إنّما هو بإعتبار بناء العقلاء بما هم عقلاء وسيرتهم على العمل بخبر الثقة، وأنّ الشارع منهم بل سيدهم ولم يرد عنه ردعاً، بل أمضى ما عليه فدّل عليه شرعاً كذلك، وأمّا سائر الأدلة المذكورة في المقام فإنما هي إرشاد إلى بناء العقلاء وربما بعضها لا يخلو من المناقشة والنظر.

فإستدل القائلون بحجيّة الخبر بأمور:

الأول: بآية النبأ في قوله تعالى: ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ (الحجرات: 6).

وتقريب الإستدلال بها من وجوه:

الوجه الأول: يستدل بالآية الكريمة من جهة مفهوم الوصف، فإنّ تعلق الحكم بالوصف مشعر بالعليّة.

بيان ذلك: إنّ الله سبحانه في هذه الآية الكريمة أوجب التبين عن خبر الفاسق، ولاشك أنّ التبين بما هو تبين ليس بواجبه بوجوب نفسي وإستقلالي، بل هو من الواجب الشرطي وذلك بإعتبار من أراد أن يعمل بخبر الفاسق فعليه أن يتبين أوّلاً، وإلّا فمن لم يقصد العمل بخبر الفاسق فإنّه لا يجب عليه التبين، بل ربما يكون ذلك حرام، فإنّ التفحص عن صدقه وكذبه ربما يكون من التفحص عن عيوب الناس المنهى عنه، ويدل على كون أمر التبين أمراً شرطياً ما ذكر من التعليل في الآية في قوله تعالى: ﴿ أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ ﴾ هذا هو المنطق بأنّ حكم التبيّن معلق على عدم إصابة القوم بجهالة، ومقتضى مفهوم الوصف والتعليق عليه أنّ العمل  بخبر غير الفاسق أي العادل لا يعتبر فيه التبين عنه في مقام العمل به، فثبت المطلوب حينئذٍ من القول بحجيّة خبر العادلأو غير الفاسق كالصادق الثقة.

وأورد على هذا الإستدلال بكونه غير تام كما هو المختار، فإنّ تعليق الحكم على الوضوء وإن كان مشعراً بالعليّة إلّا أنّه لا يدل على كون العلة منحصرة حتى يدور الحكم مداره وجوداً وعدماً، فالأشعار بالعلية إنما هو على نحو الإقتضائية والعلة الناقصة.

وبعبارة أخرى: إنّ مفاد الوصف في الحكم إجمالاً أنّ الحكم ليس ثابتاً للطبيعة مطلقاً أينما سرت، بل لابد من ملاحظة الوصف في الجملة، وإلّا لكان ذكر الوصف لغواً، وأما كون الحكم منحصراً في الوصف هذا ولا غير على نحو العلية التامة بحيث ينتفى الحكم بإنتفاءها فهذا ممّا لا يستفاد من مجرد تعليق الحكم بالوصف المذكور، فإذا قال المولى (أكرم الرجل العالم) فمعناه أنّ وجوب الإكرام لا يتعلق بطبيعة الرجل بما هو رجل وحسب بل يلاحظ فيه كونه عالماً، ولكن لا يدل على ذلك إنّ وجوب الإكرام حينئذٍ ينحصر في العالمية فقط بل ربما كان شركاً آخراً لكونه هاشمياً، أو أنّه يكرم الرجل غير العالم لكونه هاشمياً فلا ينحصر وجوب الإكرام بالرجل العالم، فمفهوم الآية الكريمة حينئذٍ أنّ التبين لقول الفاسق وخبره أن لا تصيبوا قوماً بجهالة وليس لطبيعة الخبر بما هو خبر وإلّا لكان ذكر الفاسق لغواً وهذا لا يعني على عدم وجوب التبين عن خبر غير الفاسق على الإطلاق، فإنّه لا يستفاد منه كون الوصف علة منحصرة لوجوب التبين كي ينتفي بإنتفائه، بل يحتمل وجوب التبين عن خبر العادل أيضاً إذا كان واحداً، فإنّه إنما لم يتبين عنه فيما إذا إنضم إلى عادل آخر كالبينة، ويكون الفرق بين العادل والفاسق حينئذٍ أنّ خبر الفاسق يجب التبيّن عنه مطلقاً ولو مع التّعدد بخلاف خبر العادل فإنّه مع التعدد لا يجب التبيّن لكونه من البينة الشرعية.

وخلاصة الكلام: إنّ مفهوم الوصف أولاً ليس بحجيّة كما ذكرنا بالتفصيل ذلك في مبحث المفاهيم، وثانياً لا يستفاد ومن مفهوم الوصف إنتفاء وجوب التبين عند إنتفاء وصف الفسق، لأن الوصف مشعر بالعليّة وهي العلة الناقصة وعلى نحو الإقتضائية وليست دالة بالمطابقة على العلية التامة بوجود المقتضى وعدم المانع، وبهذا نعرف لماذا عبّر الاعلام في المقام بالاشعار دون الدلالة فتدبّر.