11 ربيع الأول

1435

عطفاً على ما سبق:

في اشكال الشيخ الأعظم+ على من قال بحجية الشهرة الفتوائية من جهة الأولوية ومفهوم الموافقة بين الظن الذي في الخبر والظن الذي في الشهرة الفتوائية، من ذلك إنما يصح ويتم وتسمى الأولوية بمفهوم الموافقة لو كان ذلك في الدليل اللفظي، فإنه يستفاد حكم الفرع من الدليل اللفظي الدال على حكم الأصل، أي يفهم المفهوم من المنطوق فلابد من منطوق لفظي حتى يفهم منه المفهوم كما في آية التأفيف (لا تقل لهما اف) فبالأولوية لا تضر بهما ولا تشتمهما لأنه أكثر إيذاءً، وهذا المنطوق والمفهوم اللفظي لا تجده في الخبر الواحد والشهرة.

وأورد عليه المحقق الخراساني في حاشيته على الفرائد بما لفظه: لا يخفي أنه يمكن تقريب دلالة بعض أدلة حجية الخبر الواحد بمفهوم الموافقة على حجية الشهرة مثل آية النبأ، بأن يقال: إنّه لمّا كانت هذه اليية مفصّلة بين الفاسق والعادل منطوقاً ومفهوماً ـ حيث المنطوق يقول (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا) والمفهوم يقول إن جاءكم عادل فلا تبينوا ـ مع تعليل الحكم في طرف المنطوق بعدم إصابة القوم بجهالة وحصول الندم بذلك ـ أي إنما قال بالتبين وعلة ذلك أنه لكي لا تصيبوا القوم بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، وهذه ـ كانت دالة من حيث دلالتها المفهوميّة عرفاً على حجيّة كل إمارة كانت أقوى ظنّاً وابعد من الإصابة بالخطأ من خبر العدل بطريق أولى.. إلى أن قال: فعلى هذا يكون استفادة حكم الفرع من الدليل اللفظي الدال على حكم الأصل، فيكون تسميتها بمفهوم الموافقة في محلّه.

وأورد عليه :

أولاً:  ما ذكره إنما يتم لو كان التعليل منحصر ومختص بالمنطوق دون غيره، والحال هذا خلاف ما عند العرف من إناطة حسن التعليل بعموم العلّة وليس بالمنطوق وحسب كقول الطبيب لمن ابتلى بالحُمّى مثلاً: (لا تأكل الرمان لأنه حامض) فإنه من البديهي ان النهي عام يشمل كل حامض وإن لم يكن رمّاناً، فلا يختص بالرّمان الوارد في المنطوق.

وعليه فالتعليل في آية النبأ لا يختص بالمنطوق، بل كل خبر غير علمي لابد من التبين فيه وإن لم يكن الجاني به فاسقاً وهذا التعليل مانع عن تحقق المفهوم.

وثانياً: إنما يتم الإشكال لو دلَت الآية على المفهوم أولاً، وعلى اناطة حجية خبر العادل بإفادته الظن حتى يدل على حجيّة الظن الأقوى منه كما في الشهرة الفتوائية بالفحوى والدلالة الإلتزامية، ثانياً:

وكلاهما ممنوع، أما الأول، فلما ذكرنا من كون عموم التعليل مانعاً عنه وليس بالمنطوق نفسه.

وأما الثاني: فلأن غاية ما في مفهوم الآية بعد تسليمه ان خبر العادل حجة مطلقاً حتى لو لم يفد خبره الظن بل حتى لو ظنّ خلافه، فإنه حجة مطلقاً، فلا يدل المفهوم على حجية الظن أصلاً في خبر العادل حتى يستدل به على حجية الظن الأقوى منه الحاصل من الشهرة أو غيرها بالأولوية وكما يقال: ثبت الأرض ثم انقش.

أضف غلى ذلك لو قلنا بالمفهوم وسلّمنا على كونه يدل على اعتبار الظن الحاصل من نبأ العادل وخبره إلا انه هذا خارج عمّأ اصطلحوا عليه من مفهوم الموافقة، لأنه اعتبروا في مفهوم الموافقة أن ما يدل على الأصل هو المنطوق اللفظي كما في آية التأفيف الدّال على الفرع من حرمة الشتم والضرب ونحوهما، أمّا المفهوم في بالدّلالة الإلتزامية بأن لا يصيبوا القوم بجهالة كما في حكم الأصل والمنطوق كما إدعاه المحقق الخراساني في المقام فهذا خارج عن مفهوم الموافقة، وحينئذ ما أورده الشيخ الأعظم من الإشكال يكون في محلّه.