4 ربيع الأول

1435

وأما مقولة الشيخ من الإجماع اللطفي، فإنه أُورد عليه انه غير تام في نفسه، لأن الواجب لطفاً على الإمام× في مقام الهداية البشرية إنما هو بيان الأحكام بالطرق المتعارفة، ولا يجب عليه أن تكون هدايته بإلقاء الخلاف عند اتفاق الفقهاء في عصر على الخطأ، وإلا لزمه أن يهدي كل واحد من الفقهاء من جميع الملل والنحل إلى الحق ليصونه ويصون من يقلّده من الوقوع في الخطأ والمسندة وتفويت المصلحة ومخالفة الواقع في الحكم الشرعي مع ملاحظة شيوع المعاصي والضلال في العالم، بل الإمام هدى الناس وأصحابه بما هو المتعارف في الهداية من البيان والتبيان كهداية القرآن الكريم وبيّن الأحكام بالمستوى المطلوب، وأما اختفاء بعض الأحكام لجملة من موجباته، فهذا مما لا دخل له بالإمام× حتى يجب عليه القاء الخلاف بين المجمعين على أمر خطأ، فلا وجه لقاعدة اللطف في المقام.

أضف إلى ذلك ربما المصلحة تقتضي في اختفاء بعض الأحكام كالمصلحة في إختفاء وغيبة نفس الإمام× نفسه ومن ثمّ يقال: (وجوده عليه السلام لطف وتصرّفه لطف آخر وعدمه منّا).

فلا إشكال في حجيّة الاجماع اللطفي من حيث الكبرى، وإنما الكلام في الصغرى وانه هل يتحقق في زمن الغيبة الكبرى؟!

فهذا ممّا لا دليل عليه.

وأما مقولة المتأخرين من الإجماع الحدسي فيمكن أن يقال به ويعتمد عليه، فإن اتفاق الفقهاء في عصر مع ما نقول في عدالتهم وقداستهم وأنهم (مخالفاً لهواه مطيعاً لمولاه) فلا يفتون بما تشتهي أنفسهم، فاتفاقهم على أمر ولا سيما مع تفرّقهم في البلاد مخالفاً لقاعدة معلومة أو نص معلوم يكشف ذلك حدساً عن أمر يكون هو الحجة قطعاً، إلا أنه لا يكشف عن دليل لفظي معتبره لأنه لو ظفروا وبذلك لنقلوه عن المعصوم× كما نقلوا غيره من الأخبار، فلم يكن مستند المجمعين حينئذٍ رواية خاصة، بل اتفاق الفقهاء على حكم يكشف من اتفاقهم أن رأى المعصوم× معهم وربما  بالاستصحاب القهقرائي من اتفاق المعاصرين نرجع إلى إثبات ذلك في عصر الأئمة الأطهار^ لتلقي الطبقة اللاحقة عن السابقة حتى عصر الأئمة^ يكشف ذلك بنحو أن أصحابهم كانوا في غنى عن السؤال عنه أو ضبطه وتدوينه في جوامع الحديث وأصوله، ومثل هذا الاتفاق الكاشف عن قول المعصوم يجري عند العقلاء أيضاً في قضاياهم الاجتماعية، فانه من اتفاق العّمال مثلاً مع العلم بعدم تواطؤهم على الكذب تكشف ان مدير العمل معهم أيضاً، وإذا اتفقت طائفة على أمر فإنه نحدس قطعاً رضا رئيسهم في ذلك مطلقاً سواء كان المجمعون في بلد واحد أو بلاد متعددة.

ثم يكفي في تحقق الاجماع أن يشتهر الحكم المجمع عليه عند قدماء الأصحاب وهو المسمى بالشهرة المحققة، ولا يضر في انعقاده واعتباره مخالفة مثل القديمين ابن الجنيد وابن أبي عقيل ونحوهما، فلا يحتاج إلى الاستقراء التام بعدم وجود مخالف أصلاً، بل لا يحتاج إلى الاطمئنان القلبي باتفاق الكلّ.

هذا خلاصة ما يقال في الإجماع المحصّل.

وأمّا الإجماع المنقول بخبر الواحد، فإن حجيته وعدمها يرجع الى كيفية حكاية ونقل الاجماع وما عند المنقول إليه من المبنى في قبول الاجماع المحصّل، فيلاحظ حينئذٍ النقل والناقل والمنقول إليه، فإن كان الناقل يحكي وينقل السبب والمسبب في الإجماع المحصّل، وكان المنقول إليه يعتقد بكاشفية الاتفاق عن رأي المعصوم^ المنقول، فإنه يؤخذ بهذا النقل ويعتمد عليه بعد كون الناقل ثقة، وأما إذا حكى الناقل السبب والاتفاق فقط، فإنه لا ينفع هذا النقل لأنه ربما يكون مذهب الناقل في استكشاف رأي المعصوم طريقاً وأمراً لا يقول به المنقول إليه كما لو كان الاستكشاف عند الناقل من جهة قاعدة اللطف كما عند الشيخ الطوسي+ ولكن المنقول إليه لا يعتقد بذلك فنقل مثل هذا الاجماع لا يكون حجة ويدخل في دائرة الظّن المطلق، فالإخبار والحكاية تكون حينئذٍ عن محسوس غير متعارف أو حدس غير قريب من الحسّ، فلا اعتبار في ذلك.

وبما ذكر يظهر ان ذكر السبب في نقل الاجماع بخبر الواحد ان كان تام السبب عند المنقول إليه كان نقله حجة، وإلا فإنه لا يستفاد من نقله الاخبار عن فتوى عدة من الفقهاء لم تثبت كاشفيتها عن رأي المعصوم×.

فلم يقم دليل على حجيّة الاجماع المنقول بخبر الواحد بما هو هو ، بل حجيته في بعض الموارد من جهة دخوله في زمرة الإخبار عن المحسوسات أو القريبة من الحسّ المتعارف عليه، وغاية ما يثبت في نقل الاجماع هو الإخبار عن اتفاق آراء جماعة من الفقهاء ومن الصالحين.

وهذا المعنى يجري في الخبر المتواتر أيضاً فإن مفاده هو الاخبار عن العدة والكثرة التي يمتنع تواطؤهم على الكذب عادةً، وأمّا آثار ذلك الخبر المتواتر وأحكامه فإنه يختلف باختلاف نظر الناقل والمنقول اليه في السبب والمسبب في الإجماع المحصّل، فإن تمت السببية عند المنقول إليه فإنه يرتب الأثر وإلا فلا.

فالإجماع المنقول بنفسه لا يكون حجة ولكن مخالفة الإجماع الثابت من الفقهاء العظام والأصحاب الكرام ممّا لا يجترى عليه، فالأولى في موارد تحقق الاجماع من الالتزام بالاحتياط فتدبّر.