14 صفر

1435

عدم حجيّة قول اللّغوي

قال المصنف + : (فصل: قد عرفت حجيّة ظهور الكلام في تعيين المرام، فإن أحرز بالقطع وأن المفهوم منه جزماً ـ بحسب متفاهم أهل العرف ـ هو ذا فلا كلام وإلّا فإن كان لأجل احتمال وجود قرنية فلا خلاف في أن الأصل عدمها...).

أقول: يقع الكلام أوّلاً في إحتمال وجود القرنية أو قرينية الموجود، وبعبارة أخرى لقد عقد المصنف من قبل البحث عن حجية ظواهر الألفاظ وكان من البحث الكبروي، وفي هذا الفصل يبحث عن الصغرى وهي كيفية إحراز الظهور وأن اللفظ الفلاني ظاهر في المعنى.

ولا يخفى أن الظهور تارة يحرز بالقطع فلا شك حينئذٍ في حجيته ولزوم اتباعه، وأخرى لم يحرز بالعلم والقطع فيكون مورداً للشك وهو من جهتين : فإما أن يكون الشك وعدم احراز الظهور لأجل احتمال وجود القرينة، أو من جهة الشك في قرينية ما هو موجود وثالثة يكون الشك في الوضع وأن الموضوع له هل هو هذا المعنى حقيقة أم غيره، فهنا صور ثلاث.

الأولى: إذا كان الشك في الظهور من جهة احتمال وجود القرنية، فذهب المصنف أنه لاخلاف في أن الأصل عدم القرنية، فيبنى على أن كون اللفظ ظاهراً فيما هو الموضوع له.

وقد وقع الخلاف في البناء على المعنى الموضوع له هل يكون أولاً بناءً على عدم القرينة لأصل عدمها فيظهر اللفظ في المعنى الحقيقي وثانياً حجية هذا الظهور بأصالة الظهور، فيعتمد على أصلين أحدهما عدمي وهو أصالة عدم القرينة والأخرى وجودي وهو أصالة الظهور كما ذهب إليه البعض.

أو يقال بحجية أصالة الظهور عند إحتمال وجود القرنية من دون الرجوع إلى أصالة عدم القرينة كما عليه المحقق الخراساني في كفايته.

أو يقال أنه ليس في المقام إلا أصالة عدم القرنية وأن مرجع أصالة العموم والإطلاق والحقيقة إلى أصالة عدم القرنية كما ذهب إليه الشيخ الأعظم + ^([1]).

وحاصل الفرق بين العلمين الاستاذ والتلميذ أنه بناء على قول المحقق الخراساني عند الشك في وجود قرنية على خلاف الظاهر يحمل الكلام على ظاهرة بلا حاجة إلى التمسك بأصالة عدم القرنية، ومن ثم لا حاجة إلى الفحص عن القرنية، ولكن بناء على مذهب الشيخ الأعظم والاستاذ الأفخم+ يكون الأخذ بالظهور بعد إجراء أصالة عدم القرينة المشروط بالفحص عنها واليأس عن الظفر بها.

ولكن المختار الاحتياج إليهما معاً أي إلى الأصل العدمي وهو أصالة عدم القرنية والأصل الوجودي وهو أصالة الظهور، أما الأصل الأول يثبت به بقاء الظهور الثابت بالوضع ونحوه، وعدم عدول المتكلم عن ظاهر كلامه بالقرنية، وأما الأصل الثاني  فلإثبات حجيّة هذا الظهور الذي ثبت بقاؤه بأصالة العدم وكونه هو المراد الجدي للمتكلم، وبعبارة أخرى:

الأصل العدمي ينقّح لنا الصغرى والأصل الوجودي يثبت لنا الكبرى.

الأولى: أصل ثبوت الظهور الثابت بالوضع ونحو ذلك وهو بمنزلة العلة المحدثة.

الثانية: بقاء هذا الظهور وعدم عدول المتكلم عنه فيكون بمنزلة العلة المبقيّة والمثبت له هو أصالة عدم القرنية .

الثالثة: كون هذا الظاهر هو المراد الجدي للمتكلم ويثبت هذا بأصالة الظهور.

الصورة الثانية: فيما إذا كان الشك في قرينية الموجود كالاستثناء الواقع عقيب الجمل المتعددة كقولنا (أكرم الفقهاء والنحاة والأصوليين الا شعراء هم ، فإن الاستثناء يصلح أن يرجع إلى الأخير أي الأصوليون أو إلى الجميع أيضاً، فذهب المصنف أنه لا مجال للإشكال أن يبنى على المعنى الحقيقي وعدم رفع اليد عنه إلا بحجة على خلافه بناء على حجية أصالة الحقيقة تعبداً من العقلاء وليس من باب الظهور، إلا أن الظاهر أن أصالة الحقيقة حجة ، من باب الظهور وليس التعبد وحينئذٍ يلزم أن يتعامل معه معاملة المجمل لا جمال الكلام بسبب ما احتّف به مما يصلح للقرينية ، فلا ظهور حينئذ حتى تجري فيه أصالة الظهور، وإذا صار الكلام مجملاً فإنه مع إجمال الدليل أو فقدانه أو تعارضه يرجع إلى الأصل العملي حينئذٍ.

الثالثة: إن كان الشك في الموضوع له من جهة عدم إحراز الظهور لأجل الجهل بالمعنى الموضوع له لغةً أي يشك في المعنى الموضوع من حيث المعنى اللغوي أو الجهل بالمعنى المفهوم منه عرفاً أي المعنى المصطلح، فحكمه في كلا الحالين هو عدم حجة الظن فيه لأنه ظن مالظهور ولا دليل لنا على حجية المظنون بل الدليل قائم على حجية الظهور المعلوم، فحينئذٍ يكون الظن بالظهور من الظن المطلق والأصل عدم حجيّة الظن المطلق كما مرّ فلا دليل على حجية الظن بالظواهر.

نعم نُسب إلى المشهور حجية قول اللغوي بالخصوص أي بأدلة خاصة لا بدليل الإنسداد في تعيين الأوضاع هذا ما قاله المصنف وبذلك استدرك من قوله (ولا دليل على حجية الظن بالظواهر) بأنه إذا كان منشأ الشك في الظهور الجمل بالموضوع له لغة، فقد نسب إلى المشهور حجية الظن الحاصل من قول اللغوي به، واستدل على ذلك بأدلة خاصة فذكر وجوه خمسة  والشيخ الأعظم أشار إلى ذلك وجعل قول اللغوي من الظنون الخاصة التي خرجت بالدليل من الظن المطلق، فحجية قول اللغوي ليس من باب دليل الإنسداد فقال: (وأما حجية الظن في أن هذا ظاهر، فلا دليل عليه عدا وجوه ذكروها في إثبات جزئي من هذه المسألة، وهي حجية قول اللغويين في الأوضاع، فإن المشهور كونه من الظنون الخاصة التي ثبت حجيّتها مع قطع النظر عن  إنسداد باب العلم في الأحكام الشرعية...) ^([2]).

فيا ترى هل قول اللّغوي حجة؟ اختلف الأعلام في ذلك.

ذهب المشهور إلى حجيته تمسكاً بوجوه: