29 محرم

1435

يقع الكلام عطفاً على ما سبق في ما قاله الاعاظم الثلاثة في مناقشة الأصل العملي وهو الاستصحاب في عدم حجّية الظن المطلق وحرمة التعبّدية، وخلاصة الأقوال كان يدور الحوار والنزاع في أن الاستصحاب العملي إنمّا يكون مع ترتب الأثر الشرعي، فمنهم من قال أنه لا أثر شرعي يترتب على الاستصحاب هذا فانكره ومنهم من حاول أن يرتب عليه الأثر الشرعي العلمي أو العملي فيقول بالاستصحاب ومن الأعلام  المعاصرين من أشكل على الجميع باشكال مشترك واحد، كما أشكل على المحقق النائيني باشكالات، ونكتفي بما قاله في الاشكال المشترك لزيادة المعرفة وشحن الذهن الأصولي في مثل هذه الصراعات الفكرية والأقوال الأصوليّة.

فيرى هذا العلَم ان الاعاظم الثلاثة الانصاري والاخند النائيني قدس الله أسرارهم الزكيّة قد توهموا بأن في هذا الاستصحاب أثراً واحداً وهو حرمة التعبّد بالشيء المشكوك فيه لأنه مقطوع العدم بمجرد الشك فلا يكون حجّة فكيف يجوز التعبد بما ليس فيه الحجيّة من المنجزية والمعذريّة وما يصح الاحتجاج به من العبد والمولى، والحال في المقام أثران وعنوانان وهما: عنوان القول بغير العلم وعنوان البدعة والتشريع والإفتراء على الله بالمعنى الممكن أي ادخال ما ليس من الدين في الدّين، ومن الواضح اختلاف العنوانين ومغايرتهما، كما لكل منهما دليل الخاص الدال عليه كما لكل منهما حكمه الخاص، ومن الواضح أنّ التشريع وادخال ما ليس من الدين في الدين والإفتراء على الله من العناوين التي لها واقع وفي نفس الأمر، وكل ماله واقع فإنه يشترك فيه العالم والجاهل فيتعلق به العلم تارة والجهل أُخرى، فكان الإفتراء حينئذ مثل سائر العناوين الواقعيّة المحرّمة التي يكون العلم طريقاً إليها، وحينئذٍ إذا شككنا في شيء أنه من الدين أو ليس منه فإنّه يشك في صدق عنوان الإفتراء وعنوان البدعة والتشريع والكذب فيكون من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، بإنّه لو شككنا في مصداقية شيء أنه من الدين أو ليس منه  هل نتمسك بعموم صدق عنوان الإفتراء والبدعة، وحينئذٍ لا يكاد يحرم التقول به من ناحية الإفتراء والكذب على الله سبحانه، بل حتى يشكل القول ببطلان الصوم بمجرد ذلك لأن المبطل للصوم هو الكذب على الله والحال هنا لم يثبت ذلك لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، نعم إذا حرم ذلك فهو من جهة أخرى ولانطباق عنوان آخر غير الافتراء وهو عنوان حرمة القول بغير علم لوجود موضوع القول بغير العلم وجداناً وهذا لا يوجب بطلان الصوم إلّا إذا علم سابقاً عدم كون الشيء الفلاني مثلاً من الدين ونشك في صيرورته بعد ذلك من الدين فمقتضى الاستصحاب بلحاظ كونه أصلاً محرزاً عدم كونه من الدين فهنا يصدق عنوان الإفتراء والكذب ويكون من التقول المحرّم الموجب ببطلان الصوم.

لأنه تقول بما يعلم أنه ليس من الدين وعلمه كان من جهة الاستصحاب، والمراد من العلم في مثل هذه الموارد ليس العلم الوجداني وحسب بل يعمّ العلم العادي ومطلق الحجة كذلك، فحرمة الإسناد إلى الشارع من جهة أنه من القول مع العلم بأنه ليس من الشارع فكان من الإفتراء المحرم الموجب لبطلان الصوم.

وخلاصة الكلام: أنّ في المقام موضوعين وحكمين لكل منهما ملاكه ومناطه الخاص، والموضوعان هما: الإفتراء على الله كالبدعة والتشريع والآخر القول بغير علم، فإذا شك في كون حكم من الدين، فإنّه بمجرد ذلك يحصل موضوع القول بغير العلم فيحرم ويعاقب عليه عقاب التقول بغير العلم، وحينئذٍ إذا كان له حال سابق معلوم العدم، فإنّه يستصحب ذلك فيخرج عن موضوع القول بغير العلم ويدخل في موضوع جديد له مناطه وحكمه وهو الإفتراء والتشريع، لأنّه أصبح قول بالعلم والحجة وهو الاستصحاب من الأصل المحرز على أن هذا المورد المشكوك ليس من الدين فيكون محرماً أيضاً ألّا أنّه من جهة الإفتراء والتشريع لا من جهة التقول بغير العلم، فيعاقب على الإفتراء عقاب المفتري والمبدع في الدين.

ويبقى أنّ هذا الاستصحاب لا يثبت عنوان الكذب والإفتراء لأنّه يكون من الأصل المثبت وهو ليس بحجّة.

والمهم هو عدم جواز اسناد ما قامت الحجّة على أنّه ليس من الله فيسنده إلى الله تعالى.

وبهذا ظهر أنّ المتسالم عليه من كون الأثر المترتب على الاستصحاب والقاعدة واحداً مما لا وجه له ولا يساعده الدليل فإن في المقام أثرين رتّب أحدهما على نفس الشك وهو القول بغير العلم والآخر على المشكوك فيه وهو الإفتراء والبدعة والتشريع وادخال ما ليس من الدين في الدين فتدبّر.

وفي نهاية المطاف قد ثبت امكان التعبد بالظن في مقام الثبوت والإثبات، فان الظن المطلق ليس بحجّة إلّا ما خرج بالدليل فالأصل في المشكوك فيه عدم حجيّته الا ما  خرج عن الأصل أي ما دلَ الدليل على اعتباره بخصوصه، ولما كان الخارج بالدليل غير متفق عليه عند الاعلام فلابد حينئذ مع بيان الموارد التي وقع فيها الإختلاف ويعلم ذلك من خلال ذكر فصول والحمد لله رب العالمين.