20 محرم

1435

عطفاً على ما سبق:

يقع الكلام في بيان الصور الستّ فيمن قدّم الصلاة اللاحقة على السابقة سهواً لتقديم صلاة العصر على الظهر، فإنه قد يكون في الوقت المشترك وقد يكون في الوقت المختص، وعلى كلا الفرضين قد يكون التذكر بعد الفراغ من الصلاة وقد يكون في الأثناء  وعلى الثاني فقد يكون لا يزال محل التدارك باقياً، وقد لا يكون، فالمسألة ذات صور ست: وقد ذكرنا صورتين:

أمّا الصورة الثالثة: أن يكون إتيان اللاحقة قبل السابقة سهواً في الوقت المشترك كالصورة الثانية إلّا أنّه مع التجاوز عن محل العدل فلا يمكن أن يتدارك كما لو صلىّ العشاء سهواً ودخل في الركعة الرابعة، فلا يمكنه أن يبدلها بصلاة المغرب كما كان في الصورة الثانية، فهل يتمّها عشاءً ثمّ يأتي بالمغرب، أو أنّه يقال بفسادها ولابد من إعادتها بعد الإتيان بصلاة المغرب؟

إختلف الأعلام في ذلك فذهب المشهور إلى بطلان الصلاة وقيل كما ذهب إليه كاشف اللثام (3: 86) بالوجه الأول من إتمامها وإتيان المغرب من بعدها، كما ذهب إلى بعض الأعلام من متأخري المتأخرين تمسكاً بحديث (لا تعاد) بناء على اطلاقه وشموله لما بعد العمل ولما في أثنائه، ولا خلل في الصلاة إلّا من جهة الترتيب وهو من الشرط الذُّكري كما أنّه ليس من المستثنيات الخمس في حديث لا تعاد.

وذهب بعض المعاصرين إلى إختيار قول المشهور من بطلان الصلاة ولابد من إعادتها بعد إتيان المغرب لا من جهة حديث لا تعاد بأنّه مصحّح لكل نقص في الصلاة إلّا في الموارد الخمس الواردة في متن الرواية، بل لأجل خصوصية في المقام تمنع من جريان القاعدة وحديث لا تعاد، وأمّا الخصوصية فهي أنّ المستفاد من أدلة إشتراط الترتيب بين الصلاتين رعاية ذلك في تمام أجزاء اللاحقة حتى في الركعة الأخيرة لابد من ملاحظة رعاية الترتيب بينها وبين صلاة المغرب، وعند التذكّر لازمه أن يأتي بالجزء المتأخر متقدماً عمداً وهذا كما يوجب بطلان صلاته كما في الصورة الأولى، فليس المقصود من رعاية الترتيب أنّه في أول العمل وأول جزء من الصلاة، فحديث لا تعاد إنّما تصحح الأجزاء السابقة في حال النسيان دون الأجزاء اللاحقة عند التذكّر، فشأن الحديث تصحح ما أتى به من العمل الناقص لا تجويز الإتيان بالعمل الناقص، وثمّ فرق بين الأمرين: تصحيح العمل الناقص والتجويز بإتيان الناقص، فتدبّر.

الرابعة: إذا كان إتيان اللاحقة قبل السابقة سهواً فيما إذا كانت الصلاة في الوقت المختص وكان التذكّر بعد الفراغ من الصلاة، كما لو صلّى العصر في الدقائق الأولى من الزوال سهواً أوغفلة عن الظهر أو إعتقد بإتيانها ثمّ تبين الخلاف بعد الفراغ من الصلاة، فمن قال بالوقت الإختصاصي وأنّ معناه عدم صلاحية الوقت لغير صاحبة الوقت كما عند المشهور، فإنّه يقال بالبطلان حينئذ، لا من جهة الإخلال بالترتيب، فإنّه من الشرط الذكُّري، بل من جهة الإخلال بالوقت وهو من المستثنيات الخمس المذكورة في حديث لا تعاد.. وإنّ قيل المراد من مفهوم الإختصاص هو عدم مزاحمة الشريكة لصاحبة الوقت فلا مقتض للبطلان لكون حال الوقت المختص حينئذٍ حال الوقت المشترك في الحكم بالصحة، فإنّه لا خلل في صلاته المأتي بها إلا من جهة الترتيب وقد نفي بحديث (لا تعاد) فتأمل.

الخامسة: فيما إذا كان وقوع الصلاة في الوقت المختص أيضاً إلّا أنّ التذكر كان في الأثناء مع بقاء محل العدول، كما لو كان في العصر مطلقاً ولو قبل التسليم أو كان في العشاء (لا أنّه لم يركع للرابعة) فذهب المشهور إلى البطلان أيضاً لكون الوقت لا يصلح إلّا لصاحب الوقت وهذه الصلاة فاقدة للوقت فتكون باطلة وفاسدة في نفسها، والحال لا يصح العدول إلّا في الصلاة الصحيحة، من غير جهة الترتيب، ولكن على القول الآخر في تفسير الوقت الإختصاصي بأنّ معناه عدم مزاحمة الشريكة لصاحبة الوقت فلا مانع من تصحيح الصلاة بالعدول.

السادسة: كالخامسة إلّا أنّ التذكر كان بعد التجاوز عن المحل أي محل العدول، فالظاهر كما عند المشهور وهو المختار بطلان الصلاة أيضاً كما في الصورة الثالثة لوحدة الملاك والمناط بينهما لكون إشتراط الترتيب الذكري في كل الأجزاء وليس في الشروع وملاحظته في المجموع فقط.

هذا إجمال الكلام في بيان الصور الست ثم المصنّف يتعرض إلى جملة من الفروض في المسألة منها: ما يتعلق بالحائض فقال: (وعلى ما ذكرنا يظهر فائدة الاختصاص فيما إذا مضى من أوّل الوقت مقدار أربع ركعات فحاضت المرأة، فإنّ اللازم حينئذ قضاء خصوص الظهر).

أقول: إذا كان المراد من الوقت الإختصاصي كما عند المشهور عدم صلاحية الوقت لغير صاحبة الوقت، فإنّ الحيض حينئذٍ عرض قبل دخول وقت الصلاة للعصر، فلا وجه لقضائها حينئذٍ بعد عدم تعلق الأمر بأدائها، فإنّ القضاء فيما إذا ثبت الأداء (فاقض ما فات كما فات) فلا قضاء مع عدم ثبوت الأداء، بل يجب عليها قضاء ما كانت مأمورة به وهو صلاة الظهر فقط وحسب.

وإن كان المراد من الوقت الإختصاص المعنى الآخر غير المشهور وهو عدم مزاحمة الشريكة لصاحبة الوقت فكذلك يقابل لقضاء الظهر دون العصر، فإن الوقت وإن كان في حدّ ذاته صالحاً لكل منهما إلّا أنّ صلاة العصر كانت مقيدة بخصوصية وهي الترتيب وقد عجزت عن تحصيلها فلا قضاء عليها بالنسبة إلى صلاة العصر بخلاف الظهر فإنّها لم تتقيد بوقوع العصر بعدها، فلم تكن مأمورة إلّا بما يمكنها إتيانه وهو صلاة الظهر، فلا يجب عليها حينئذ الّا قضاء صلاة الظهر فقط.

وهنا تقرير آخر لقضاء الظهر دون العصر وهو: على سبيل منع الخلو إنّ المرآة الحائض إمّا أن تكون مأمورة بكلتا الصلاتين واحدهما معيّناً أو مخّيراً أو لم تكن مأمورة بشيء أصلاً، أمّا الأول فواضح بطلانه فإنّه من التكليف بما لا يطاق كما أنّ الفرض الأخير باطل كذلك فإنّه خلاف الإجماع والضرورة لكونها مكلّفة على كل حال، وأمّا التخيير أو التعيين اي تعين العصر خاصة يخالف دليل الترتيب فيكون باطلاً، ويبقى قضاء الظهر متيعناً بلا معارض.