16 محرم

1435

ماذا تعرف عن الكتب الأربعة الرجاليّة؟

إنّ من أهم كتب الرّجال والذي عليه القول والمدار، ويعدّ المصدر الأوّل والمرجع الأساسي في (علم الرجال) عند أصحابنا الإماميّة ـ أعزّ الله شأنهم ـ هو كتاب (إختيار معرفة الرّجال) لشيخ الطائفة شيخنا الطوسي +.

والشيعة وإن كانوا الأوائل والرّواد في التصنيف والتأليف في العلوم الإسلامية منذ القرن الأول من الهجرة النبوية الشريفة، ولا سيّما في القرن الثاني، ألّا أنّ الذي وصل إلينا مصوناً من الحوادث ومحفوظاً من بوائق الدهور ومحفوظاً من الضياع والتحريف والتزوير والدّس هو ما وصل إلينا من القرن الرابع الهجري.

وإنّما نقف على أهميّة علم الرجال ومعرفتهم ووثاقتهم لا سيّما في القرن الأول والثاني لدخول المنّدسين والوضّاعين للحديث والمفترين الكذّابين على رسول الله‘ كما أخبر بذلك في صفوف المسلمين عامة، وفي صفوف الشيعة خاصة ومن الواضح لولا كون الراوي عادل وثقة، فإنّه لا يطمئن إلى روايته وخبره، ولا سيّما مع إختلاف الأمة بعد رحلة نبيّها إلى فرق وتيارات عقائدية وسياسية، ونفوذ الأجانب والوضّاعين للحديث، أدّى ذلك كلّه إلى الأخذ بالحائطة الشديدة في نقل الأحاديث والأخبار، لا سيّما عند الإماميّة، وكان هذا داعياًَ ومحفّزاً للتحقيق والتدقيق في حياة الرواة وسيرتهم الذاتية وضبط وتدوين أحوالهم وما قيل فيهم من القدح والمدح وبيان عقائدهم وآرائهم وسلوكهم ومشاربهم الفكرية والعقائدية والسلوكيّة، وآل هذا الأمر إلى التصنيف والتأليف في معرفة الرجال، وكتابة فهارس لمؤلفاتهم ومصنفاتهم كما جاء ذلك في كتاب (مصفّى المقال في مؤلفي علم الرجال) للمحقق الكبير الشيخ آقا بزرگ الطهراني+ والشيعة منذ العصور الأولى من أوّل عصر الغيبة الكبرى وإلى يومنا هذا تعتمد في معرفة رجالها على المصنفات الأربعة المشهور في الرجال منذ القرن الرابع للهجرة وهي:

1 ـ رجال الكشي ، وكان في الأصل (معرفة الناقلين) ومؤلفه أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، كان معاصراً لأبي جعفر الشيخ محمد بن يعقوب الكليني+ في النصف الأول من القرن الرابع، كما يشاركه في كثير من المشايخ والتلامذة.

والكليني توفي في سنة 339 هـ إلّا أنه لم يصل إلينا تاريخ ولادة الكشي ووفاته، كما لم يصل إلينا أصل كتابه الذي كان يجمع فيها رواة السنّة والشيعة، فما وصل إلينا ما اختاره الشيخ الطوسي من كتابه وخصوص رواة الشيعة.

2ـ كتاب (الأبواب) المعروف برجال الشيخ الطوسي وهو مختصر.

3 ـ كتاب (الفهرست) للشيخ الطوسي أيضاً.

4 ـ كتاب (الفهرست) المعروف برجال النجاشي لأبي العباس أحمد إبن الحسين النجاشي المتوفي سنة 450 هـ ق، وعاصر الشيخ الطوسي قدس سرهما، ولا شك إنّ شرح ما جاء في هذه الكتب الأربعة والتي ألحق بها كتاب إبن الغضائري لتكون المجموعة الرجالية الأولى: خمسة كتب يحتاج إلى رسائل مفصّلة ومؤلفات مستقلة، نعرض عنها طلباً للإختصار.

والذي يشار إليه إجمالاً كنقاط رئيسيّة:

ـ شيخ الطائفة الحقة ـ

أولاً: إنّ الشيخ الطوسي+ باشر بالتصنيف في علم الرجال، وأبدع فيه كما أبدع في الفقه والأصول والتفسير والعقائد، فكتب في الرجال كتابين يعدان من الكتب الأربعة، كما ساهم في الآخرين أيضاً، فإنه إختار من رجال الكشي وهو الذي بقي منه ولولا إختيار الشيخ لضاع ما بقي من رجال الكشي كما ضاع أصله، فيعدّ الاختيار من مؤلفات الشيخ أيضاً، وأما رجال النجاشي، فإنه صنفه بعد فهرست الشيخ، وقد انتفع منه في تأليفه وإن لم يصّرح بذلك.

فأبدع الشيخ في رجاله كما أبدع في فضله التطبيقي والتفريعي والمنصوص كما في كتبه الثلاثة: النهاية والخلاف والمبسوط، وعلّمنا بذلك طريق الإجتهاد والاحتياط كما أبدع في التفسير وتدوين الحديث.

وثانياً: ما جاء من كتب الرجال بعد هذه الكتب الأربعة إنّما هي عيال عليها، وتذّيلاً لها، كما فعله العلامة الشيخ إبن شهرشوب المازندراني في كتابه (معالم العلماء) والشيخ منتجب الدين بن بابويه من علماء القرن السادس في كتابه الفهرست فكل من كتب في الرجال الشيعي اعتمد على هذه الكتب الأربعة المباركة.

وثالثاً: لم يعلم بالضبط ما إختاره الشيخ الطوسي من رجال الكشي، فهل إجتهاده كان عبارة عن إختيار رواة الشيعة دون أبناء العامة كما هو الظاهر، أو إنّه إختصر الكتاب، أو صحّح ما ورد من الأغلاط، وإن كانت الأغلاط طفيفة، أو إنه قرء الشيخ كتاب الكشي على تلامذته وأملاه عليهم مع تصحيح الأخطاء الواردة في الكتاب وإن كانت قليلة، حتى لم يعدّ كتاب الاختيار من مصنفات الشيخ الطوسي بل من مؤلفات الشيخ الكشي، وقد أشار السيد إبن طاووس إلى القراءة والإملاء في كتابه فرج المهموم (ص120 طبع نجف) بأنّه بدء جدّنا الشيخ الطوسي ـ حيث ينسب إليه من طريق الأم ـ بإملاء رجال الكشي على تلامذته يوم الثلاثاء 26 صفر سنة 456 أي قبل وفاته بخمس سنوات تقريباً، وبهذا يعتبر هنا الكتاب من آخر كتب الشيخ الطوسي+ فقال نقلاً عن الشيخ: (هذه الأخبار اختصرتها من كتاب الرجال لإبن عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز وإخترت ما فيها).

ورابعاً: إنّ الشيخ في فهرسته يذكر مؤلفات الرواة الرجال، والكشي في اختياره ويكتفي بالأخبار المتعلقة بالرواة من حيث بيان عقائدهم وما ورد فيه من المدح أو القدح، من دون أن يذكر مصنّفاتهم، وأمّا في رجاله (الأبواب) فيكتفي بذكر الرواة فقط ويعلم منه طبقاتهم.

وخامساً: إن هذه الكتب الأربعة تختلف من حيث الطّرح والأسلوب، وإن كانت العمدة في علم الرجال عند الشيعة فالكتب الأربعة الروائية: (الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والإستبصار) فإنّها المصادر الأولى للروايات والأخبار، وكذلك الكتب الأربعة في الرجال، إلّا أنّ إسلوب فهرست الشيخ الطوسي وفهرست الشيخ النجاشي هو ذكر مؤلفات ومصنفات الرواة كما هو معلوم من كلمة الفهرست وإنّما فعلا ذلك على غرار وشاكلة ما فعله إبن النديم في فهرسته، وإنّما يذكر فيها توثيق الرواة أو جرحهم تبعاً بعد ذكر المؤلفات والمصنفات وأمّا رجال الشيخ للطوسي فإنّه يختص بذكر صحابة النبي‘ من شيعة أمير المؤمنين علي× وأصحاب أئمة أهل البيت^ وبوّب على هذا الترتيب بحسب الطبقات، وأمّا كتاب (اختبار معرفة الرجال أو كذلك أصله ) (معرفة الناقلين) فإنّ الغرض منهما هو ذكر الروايات التي تتعلق بالرواة خاصة، والمذكور في الإختيار جملة من صحابة النبي‘ الذين كانوا من شيعة أمير المؤمنين× ثم ذكر أصحاب الأئمة واحداً بعد الآخر إلى أن يصل إلى عصر الغيبة الصغرى، وذكر جملة من مشايخ الكشي والكليني قدس سرهما.

وسادساً: تقف في كتاب (إختيار معرفة الرجال) على معلومات قيمة جداً، فإنّك ستعرف التّيارات الشيعية في عصر الأئمة الأطهار^ والخلافات وأصحاب الدعاوي الباطلة والإنحرافات الفكرية والعقدية التي أصابت الشيعة آنذاك ومعرفة طبقات الغلاة والمنحرفين والكذّابين ، والوقوف على كيفية الجرح والتعديل الصادر من الأئمة الأطهار لرواة الحديث، وكيف كان تعامل الشيعة في عصر الأئمة مع السلطات الحاكمة من بني أمية وبني العباس، كما تقف على بعض أسرار التشيع آنذاك^([1]).