مقولة المحقق الفشاركي في رفع المحذور ومناقشته:

من الوجوه المذكورة في رفع التضاد بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي، عند مخالفتهما ، وأنه يمكن الجمع بينهما ما ذهب إليه المحقق السيد الفشاركي على ما حكاه تلميذه الشيخ المؤسس الحائري+ ، وحاصل ما أفاده^([1])، أنه لا منافاة بين الحكمين الظاهري والواقعي لإختلاف موضوعهما، وفي التضاد ـ لابد من وحدة الموضوع.

بيان ذلك: أنه لا منافاة بين الحكمين إذا كان الملحوظ في موضوع الآخر هو الشك في الموضوع الأول، فيكون أحد الموضوعين يتصف بالمعلومية وهو الحكم الواقعي والآخر يتصف بالمشكوكية وهو الحكم الظاهري.

وسبب ذلك أنه لا إشكال في عدم تعلق الأحكام إبتداءً بالموضوعات الخارجية، بل إنما تتعلق بالوجودات الذهنية أي المفاهيم المتصورة في الذهن ألّا أنه لا بلحاظ وجودها في الذهن بل بلحاظ حكايتها عن الخارج، ومن الواضح أن العنوان عالم يتصوّر لا يكاد يتصف بالمحبوبية والمفوضية، فان التصديق بعد التصور، فبعد تصوره في الذهن بلحاظ الكاشفية والمرآتية عن الواقع يتصف بالمبغوضية، وحينئذٍ تارة يكون العنوان المتصور في الذهن مطلوباً ومحبوبا على الاطلاق، وأخرى على نحو التقييد، وعلى الثاني فقد يكون تارة لعدم وجود المقتض في ذلك المقيد، وأخرى لوجود المانع فيه.

مثال ذلك: قد يكون عتق الرقبة مطلوباً ومحبوباً على سبيل الإطلاق سواء أكانت مؤمنة أو كافرة، وقد يكون الغرض عند المولى في عتق الرقبة المؤمنة بالخصوص، وقد يكون في المطلق، ألا أن عتق الكافرة يتنافى لغرضه الآخر وهو عتق الرقبة المؤمنة خاصة، وحينئذٍ لابد وأن يقيد العتق المطلوب بما إذا تحقق في الرقبة المؤمنة، فتقيييد المطلوب في القسم الأخير إنما هو من جهة الكسر والانكسار لا لتضييق دائرة المقتضي، وهذا يتوقف على تصور العنوان المطلوب أوّلاً مع العنوان الآخر المتحد معه في الوجود والمخرج له عن المطلوبية الفعلية فلو فرضنا عنوانين غير مجتمعن في الذهن بنحو يكون المتصور أحدهما من دون الآخر، فهنا لا يعقل تحقق الكسر والإنكسار بين جهتهما، ولازم ذلك حينئذ أنه متى ما تصورت العنوان الذي فيه المطلوبية سيكون مطلوباً صرفاً من دون تقييد لعدم تعقل ما ينافيه للإطلاق، وكذلك الأمر لو تصورت المبغوضية فيكون مبغوضاً كذلك على الإطلاق لعدم تعقل منافيه كما هو المفروض، والعنوان المتعلق للحكم الواقعي مع العنوان المتعلق للحكم الظاهري، ممّا لا يجتمعان في الوجود الذهني أبداً، لأن الشك في الحكم الظاهري عنوان يعرض للموضوع بعد تحقق الحكم في الرتبة اللاحقة، والأوصاف المتأخرة عن الحكم لا يمكن إدراجها في موضوع الحكم.

مثال ذلك: لو فرضنا ان صلاة الجمعة في كل حال أو وصف يتصور معها في هذه الرتبة كأن تكون  في المسجد أو في الدار أو نحو ذلك مطلوبة بلا تناف وتزاحم، ثم بعد تعلق الإرادة للمولوية بها تتصف بأوصاف أخرى لم تتصف بها قبل الحكم، كأن تكون معلومة الحكم فتصير مشكوكة الحكم، فلو فرضنا بعد ملاحظة اتصاف الموضوع بكونه مشكوك الحكم تتحقق جهة مبغوضية فيه، يصير مبغوضاً بهذه الملاحظة لا محالة ، ولا تزاحمها جهة المطلوبية الملحوظة في ذاته، لأن الموضوع بتلك الملاحظة لا يكون متصور أو متعقلاً فعلاً، لأن تلك الملاحظة ملاحظة ذات الموضوع مع قطع النظر عن الحكم، وهذه ملاحظته مع الحكم فارتفع التضاد بإختلاف الموضوعين في الحكم الظاهري والحكم الواقعي.