18 ذي القعدة 1434

الثالث: كما في الفرائد (الرسائل) أن لا يكون للأمارة القائمة على الواقع تأثير في الفعل الذي تضتنت الأمارة حكمه، ولا تحدث فيه مصلحة تامة بدلاً عن مصلحة الواقع، ولكن إلّا أن الأمر بالعمل على طبق تلك الأمارة والإلتزام به في مقام العمل على أنه هو الواقع وترتيب الآثار الشرعية المترتبة عليه واقعاً يشتمل على مصلحة ما، وهذه المصلحة لابدّ  وأن تكون ممّا يتدارك بها ما يفوت من مصلحة لو كان الأمر بالعمل به مع التمكن من العلم، وإلّا كان تفويتاً لمصحلة الواقع وهو أمر قبيح.

فالواقع بات على حاله من وجود مصلحة تامة ولم يتغير عمّا هو عليه حتى لا يلزم التصويب الباطل، ويكون في نفس سلوك الطريق وتطبيق العمل على مُؤدّى الأمارة وترتيب آثار الواقع على المؤدى مصلحة يتدارك بها ما فات من المكلّف بسبب قيام الأمارة على خلافه، وهذا ما يسمى بالمصلحة السلوكية أو السببيّة.

هذا إجمال ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري(قدس) ووافقه على ذلك المحقق النائيني(قدس).

وقال إنه لابد وأن تكون مصلحة السلوك بمقدار ما فات من المكلّف بسبب قيام الأمارة على خلاف الواقع فيختلف ذلك باختلاف مقدار السلوك، فتارة ينكشف الخلاف في وقت الفضيلة، ولا شيء للمكلّف، ولا يتدارك أصلاً، لعدم فوت شيء بقيام الأمارة على الخلاف، لتمكن المكلف من استيفاء مصلحة الواقع بتمامها وكمالها حتى الفضيلة الوقتية وأُخرى ينكشف الخلاف بعد إنقضاء وقت الفضيلة، فيتدارك بمقدار ما فات من المكلّف من فضل أول الوقت.

وثالثة: ينكشف بعد انقضاء تمام الوقت، فيتدارك بما فات منه من المصلحة الوقتية.

ورابعة: لم ينكشف الخلاف إلى الأبد، فالواجب تدارك ما فات منه من مصلحة أصل العمل.

والسّر في ذلك: أنّ التدارك إنما يكون بمقدار ما اقتضته الأمارة من إيقاع المكلف على خلاف الواقع، وبالقدر الذي سلكه، ولا موجب لأن يستحق المكلف زائداً عمّا سلكه ـ فالمصلحة في الأمارة تكون حينئذٍ جزئية وبمقدار ما فاته من الواقع في غيرها يأتي بالواقع.

ثم قال(قدس) إنّ ما أفاده الشيخ أعلى الله مقامه من التبعيض في الأجزاء بقد رما فات  المكلف من المصلحة الواقعية بحسب سلوك الأمارة هو الحق الذي يقتضيه أصول المخطئة.

وقال أيضاً: إن السببية بهذا المعنى عين الطريقة التي توافق أصول المخطئة، بل ينبغي عدّ هذا الوجه من وجوه الردّ على التصويب^([1]).

هذا  إجمال ما أفاده العلمان الاستاذ وتلميذ التلميذ قدس سرّهما.

وأورد عليهما:

أوّلاً: أن الأمارات التي شاعت بين العقلاء بأخذها والعمل على ضوئها كخبر الواحد الثقة والظواهر ونحو ذلك لم يرد من الشارع نصّ لا في أية ولا في رواية يدلّ على حجيّتها، بل غاية ما في المقام ان الشارع المقدس امضى ما عليه العقلاء من السيرة، فلم تجانفهم فإنه منهم بل رئيسهم، ومن الواضح أن السيرة العقلائية بالأمارة لكونها كاشفة عن الواقع من دون أن تكون مصلحة سلوكية في العمل بها وراء كشفها عن الواقع، فليس قيام الأمارة عند العقلاء يوجب حدوث مصلحة في العمل بالأمارة، فإنه لو كان ذلك للزم وجود مصلحة في العمل بالأمارة في مثل القضايا العادية أيضاً، وهو كما ترى، فلا مصلحة في الأمارة في العمل بها ولا في مؤداها، والشارع إنما أقّر ذلك من دون زيادة وتصرّف كان يجعل المصلحة في سلوك الأمارة . نعم للشارع أن يجبر مصلحة الواقع ولو من جهة غير سلوك الطريق والعمل بالأمارة، وهذا خلاف ما يذهب إليه العلمان من أن المصلحة خاصة في سلوك الأمارة، فالمصلحة السلوكية حينئذٍ ممّا لا أساس لها في دائرة العقلاء وفي سيرتهم، فكيف يصّح الجواب بها عن المحذور المذكور من تفويت المصلحة؟

هذا ولكن ربما يقال في دفع الإيراد هذا أن نظر العلمين في دفع المحذور بوجود المصلحة السلوكية في الأمارة وقوعها باعتبار مقام الثبوت ، وما ذكر من الإيراد إنما هو باعتبار مقام الإثبات وعالم الألفاظ والأدلة الظاهرية وأنه لم يرد نص في إثبات المصلحة السلوكية ، فتأمل.

وثانياً: يرد عليهما أنه لا معنى محصّل لسلوك الأمارة من وجود مصلحة ما في السلوك نفسه إلّا العمل بالمودّى نفسه فإنه لا فرق بين سلوك الأمارة والعمل بمودّى الأمارة حقيقة إلّا بنحو الإعتبار، كالاعتبار في الفرق بين المصدر وإسمه كالإيجاد والوجود، فإن حقيقتها واحدة ألا أن الاختلاف بينهما من جهة الاعتبار، فإنه باعتبار الفاعل إيجاد وباعتبار القابل وجود.