مقولة المحقق النائيني ومناقشتها:

وخلاصة ما أفاده المحقق النائيني قدس سره في دفع محذور لزوم الدور لو أخذ القطع أو الظن بالحكم في موضوع شخص حكمه، يبتني على أمور:

الأول: إن العلم بالحكم من الانقسامات اللاحقة للحكم كقصد التعبد والتقرب في العبادات فلا يمكن أخذها قبل الحكم، إذ لا يمكن فيها الإطلاق والتقييد اللحاظي الذي هما قسيم الإطلاق والتقييد الذاتي، فالعلم بالحكم لا يمكن فيه الإطلاق والتقييد اللحاظي لأنه يلزمه الدور كما يقال في قصد التعبد أنه متوقف على الأمر به والأمر به متوقف على قصد التعبد.

الثاني: إذا امتنع التقييد للزوم الدور امتنع الإطلاق أيضاً، لأن التقابل بينهما تقابل الملكة وعدمها كالعمى والبصر.

الثالث: لا يعقل للمولى أن يهمل حكمه في مقام الثبوت فإن الإهمال الثبوتي غير معقول فلابد حينئذٍ إما من نتيجة الإطلاق أو نتيجة التقييد وهذا ما يصطلح عليه بمتمم الجعل.

الرابع: إنما نقول بمتمم الجعل في مقام الثبوت لأن الملاك والمصلحة التي اقتضت تشريع الحكم إما أن تكون محفوظة في حالتي العلم والجهل وهذا ما يعبر عنه بالأحكام الأولية التي يشترك فيها العالم والجاهل فلابد حينئذٍ من نتيجة الإطلاق أي متمم الجعل، وإما أن تكون المصلحة محفوظة في حالة العلم فقط فلابد من متمم الجعل من باب نتيجة التقييد ولازم ذلك أن استكشاف كل من نتيجة الإطلاق أو التقييد يكون من دليل آخر لا من الحكم نفسه.

الخامس: لقد ادّعي تواتر الأدلة على اشتراك الأحكام في حق العالم والجاهل ونحن وإن لم نعثر على تلك الأدلة سوى بعض أخبار الآحاد إلا أن الظاهر قيام الإجماع بل الضرورة على ذلك، ومن ثم يعاقب الجاهل المقصر إجماعاً ، ويستفاد حينئذٍ من تلك الأدلة نتيجة الإطلاق أي أن الحكم مطلق في حق العالم والجاهل.

السادس: لا يخفى أن تلك الأدلة الدالة على نتيجة الإطلاق قابلة للتخصيص كما قد خُصصت في غير مورد وأدل دليل على إمكان الشيء وقوعه، كما في مورد الجهر بالقراءة مقام الإخفات وبالعكس، فإنه من الشرط الذكري العلمي ، فلو علم وتذكر وجب عليه الجهر في مقام الجهر، وإن نسي فلا شيء عليه، لأن شرطه لم يكن شرطاً واقعياً كالوضوء للصلاة، والمورد الآخر القصر في مقام التمام وبالعكس، فقد قام الدليل على اختصاص الحكم في حق العالم، فأخذ العلم شرطاً في ثبوت الحكم واقعاً[1].