فقه (106)

17 شوال

1442هـ

مسألة: 1: يكره الأقعاء في الجلوس بين السجدتين بل بعدهما أيضاً، وهو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه، كما فسّره به الفقهاء، بل بالمعنى الآخر المنسوب اللغويين أيضاً، وهو أن يجلس على إليتيه، وينصب ساقيه، ويتساند إلى ظهره، كاقعاء الكلب.

أقول: كما مرّ تكرار ومراراً أن من ديدن علمائنا الأعلام وفقهائنا العظام في رسائلهم العمليّة منذ القديم حتى يومنا هذا أنهم بعد بيان الأحكام الواجبة والمحرمة في كل موضوع فقهي يتعرضون إلى مستحباته ومكروهاته، والمستحب أو المندوب أو النافلة ما كان فعله راجحاً مع جواز تركه، وأنّه ممّا يوجب النور في حياة المؤمن وسلامته قلبه وروحه وزيادة توفيقاته وشمول فيوضات ربّه وأنّه كما ورد في حديث قدسي معتبر عند العامة والخاصة عن الله سبحانه وتعالى، بأن العبد يتقرب إليه بالنوافل ـ وهذا ما يسمى عند أهل المعرفة بقرب النوافل ـ حتى يحبّه الله برحمته الرحيمية، وقال عزوجل: (إذا أحببته أكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، وفي بيان هذا الحديث الشريف وبيان مفرداته وما ورائها من العلوم والمعارف ما هو مذكور في محلّه ومعروف عند أهله.

ثم يقابل المستحب المكروه، وهو بمعنى مرجوحية الفعل في الجملة إلّا أنّه يجوز إرتكابه، وفيه الحزازية والكدورة إجمالاً.

والمصنف المحقق اليزدي قدس سره قد تعرض في المقام إلى بيان جملة من مكروهات السجود في ضمن مسائل.

فالمسألة الأولى في كراهة الاقعاء في الجلوس بعد السجدة الأولى أو السجدتين للتشهد أو السلام.

ويقع الكلام في مقامين: الأوّل: في حكم المسألة والوجه في ذلك والثاني: في تعريف الاقعاء في اللغة والمصطلح الفقهي.

أمّا المقام الأوّل: أمّا القول بالكراهة فهذا ما ذهب إليه المشهور والأكثر، وقيل بترك ذلك على الأحوط.

والوجه في الكراهة: جمعاً بين الأخبار فمنها ما دلّت على النهي، وأنّه وإن كان بظاهره يدل على الحرمة إلّا أنها معارضة بما دل على الجواز، فيحمل على النهي التنزيهي بمعنى الكراهة.

فمن الطائفة الأولى: موثقة أبي بصير: محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن الحسين بن عثمان عن سماعة عن أبي بصير:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام: لا تقع بين السجدتين إقعاءً (الوسائل: باب 6 من أبواب السجود الحديث 1).

2 ـ وبأسانيده عن معاوية بن عمّار وإبن مسلم والحلبي قالوا: لا تقع في الصلاة بين السجدتين كاقعاء الكلب.

وظاهر الخبر الثاني عدم كونه رواية عن المعصوم عليه السلام، وإن قال سيدنا الحكيم في مستمسكه (6: 400) وفيما يحضرني من نسخة التهذيب عن معاوية بن عمّار وإبن مسلم والحلبي قال عليه السلام: مما يدل على أنه من خبر المعصوم عليه السلام.

3 ـ وعن الخلاف عن معاوية بن عمّار وإبن مسلم والحلبي عنه عليه السلام أنه قال: (لا تقع بين السجدتين كاقعاء الكلب (الخلاف: المسألة 18 من كيفية الصلاة ج1 صفحة 46 من الطبعة الأولى عنه المستمسك في الهامش: 6: 401).

4 ـ وفي مرسلة حريز عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: لا تلثم، ولا تحتفز، ولا تقع على قدميك، ولا تفترشك ذراعيك) (الوسائل باب 6 من أبواب السجود والحديث: 5).

5 ـ ونحو ذلك صحيحة زرارة عنه عليه السلام ولعلهما واحد (الوسائل: باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة الحديث: 5).

وأمّا الطائفة الثانية الدالة على عدم البأس فمنها: مصححة بن أبي عمير أوحسنته بإعتبار إبراهيم من هاشم القمي محمد بن علي بن الحسين في (معاني الأخبار) عن أحمد بن زياد عن جعفر الهمداني، عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن عمير عن عمرو إبن جميع قاله قال أبو عبد الله عليه السلام: لا بأس بالاقعاء في الصلاة بين السجدتين، وبين الركعة الأولى والثانية، وبين الركعة الثالثة والرابعة، وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى، ولا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين إلّا من علّة، لأن القعي ليس بجالس، إنّما جلس بعضه على بعض، والاقعاء أن يضع الرّجل إلييه على عقبيه في تشهدّيه، فأما الأكل مقبتاً فلا بأس به لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أكل مقعياً. (الوسائل: 6: ح6).

2 ـ والمروي في آخر السرائر عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (لا بأس بالاقعاء فيما بين السجدتين ولا ينبغي الاقعاء في التشهدين، إنّما التشهد: في الجلوس وليس المقعى بجالس. (الوسائل: باب 6: من أبواب السجود ح7).

3 ـ وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: لا بأس بالاقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين (الوسائل باب 6 ح3) ومن باب الجمع الدلالي يحمل النهي على الكراهة، وللحديث صلة إن شاء الله تعالى.