أصول (49)

26 ربيع الثاني

1442 هـ

موضوع علم الأصول:

ثم يعرّج المصنّف إلى علم الأصول بأنّه: وممّا ذكرنا عُلم أنّ موضوع علم الأصول هو نفس موضوعات مسائله، وأنّه ينطبق عليها إنطباق الكلي على أفراده، والكلّي هو القدر الجامع بين موضوعات المسائل، فليس موضوع علم الأصول ـ كما عند القدماء ـ هو الأدلة الأربعة (الكتاب والسُّنة والإجماع والعقل) فإنّه لو كان ذلك للزم خروج كثير من مسائل علم الأُصول عن العلم، فإنّ حجيّة خبر الثقة وتوثيقه ليس من السُّنة، فيلزم خروجها عن الأصول، وكتعارض الخبرين.

فليس الموضوع هي الأدلّة، لا بإعتبار ذاتها، ولا بما هي أدلة، أي بإعتبار وصفها الدينيّة، والأوّل: مفاد كان الناقصة، والثاني: مفاد كان التّامة. والمحقق إنّما أعرض عن قول القدماء لكي لا يقع في محذورية خروج بعض المسائل الأصولية عن علم الأصول.

ولكن أُسناذه الشيخ الأعظم الشيخ الأنصاري عليه الرحمة: يرى أن موضوع علم الأصول هو ذات الأدلة، مثلاً: حينما يبحث عن وثاقة الراوي، فإنّه بناءً على أنّ السّنة هل تثبت بقول الراوي الموثق أو مطلقاً؟ فالبحث حينئذٍ يكون عن عوارض السّنة.

وأجاب المحقق أنّ ثبوت السُّنة تارة: يكون المراد منه بثبوت واقعي يعني تثبت السُّنة بخبر الواحد الثقة واقعاً، فهذا بحث عن وجود نفس السُّنة، وهو من مفاد كان التّامة، وليس من العوارض الذي هومفاد كان الناقصة.

وأخرى: يكون بثبوت تعبّدي، فهو من مفاد كان الناقصة، فهذا وإن كان من بحث العوارض، لأنّه بعد وجوده يبحث عن صحة التعبّد به، إلّا أنّه من عوارض الخبر لا من عوارض السُّنة الذي يعني قول المعصوم وفعله وتقريره، فالثبوت التعبّدي بحث عن عوارض الخبر الحاكي عن السُّنة لا عن نفس السنة، فليس موضوع علم الأصول هو خصوص الأدلة الأربعة.

ويقال في جوابه: أنّه لو كان المراد من الثبوت الثبوت الواقعي فهو غير معقول، فإنّه يلزم أن يكون زمام وإختيار قول الإمام عليه السلام بيد المخبر، والحال إنّما الخبر يحكي قول المعصوم عليه السلام، فقوله اختياره بنفسه، لا بوجود الخبر من المخبر، وحينئذٍ لو لم يكن هذا المعنى، فإنّه يكون بحث عن العوارض بإعتبار أنّ هذا الشيء علّة لشيء آخر، كعليّة شرب السيجار لمرض السرطان.

فيبحث أن قول المعصوم عليه السلام هل هو معلول الخبر الحاكي أو لم يكن ذلك؟ والبحث عن معلوليّة شيء لشيء من البحث عن العوارض ومفاد كان الناقصة.

وأمّا قوله (لو كان الثبوت تعبّدياً لكان البحث عن العوارض، إلّا أنه عن الخبر الحاكي عن السنة لا نفسها).

فجوابه: إنّ هذا بناء على مسلكه في جعل الخبر، وإلّا فعلى المسلك الآخر، فإنّه بحث عن العوارض للخبر وللسنة أيضاً، فإنّ مبناه في الخبر: أنّ الشارع يجعل الحجيّة في الخبر، أي الشَّارع ينزّل قول العادل منزلة الواقع، وهو قول المعصوم عليه السلام، كقوله: العصير العنبي يحرم إذا غلي ولم يذهب ثلثاه.

فالشارع يجعل قول الثقة منّزل منزلة نفس قول المعصوم عليه السلام، فالمنّزل هو الخبر والمنّزل عليه هو قول المعصوم فيلزمه الإتبّاع، فقول المعصوم منجّز ومعذّر، وكذلك الخبر، فالتنزيل في المنجّزية والمعذّرية، فحينئذٍ يقال للمحقق الخراساني قدس سره: أنه نبحث تارة عن الخبر وأنه يُنزّل منزلة قول المعصوم، فهذا من عوارض الخبر، ولما كان التّنزيل من ذات الإضافة، فإذاً بحثنا عن المنزّل عليه أي السُّنة، وأنه يثبت بالخبر، فهذا بحث عن السُّنة وعن عوارضها أيضاً، فيلزم على مبناه أن يكون البحث عن الثبوت التعبدّي بحث عن السُّنة أيضاً، فلا يندفع ما قاله الشيخ الأعظم قدس سره بقوله: يكون ذلك من عوارض الخبر لا السنّة، بل الأولى في جوابه أنه يقال: لو تمّ ما قاله الشيخ قدس سره للزم أن تكون العلوم كلها سيّالة، تتداخل بعضها في بعض، فلولا ملاحظة عنوان الثبوت التّعبدي بإعتبار الخبر الحاكي ليكون من عوارض الخبر، للزم سيّالية العلوم وهو باطل.