فقه (31)

10 ربيع الأوّل

1442هـ

عطفاً على ما سبق: في ذكر الركوع، فإنّه يكفي التسبيحة الكبرى مرة واحدة، وأمّا الصغرى إذا إختارها، فالأقوى كما عند المشهور وما ذهب إليه المصنف قدس سره وجوب تكرارها ثلاثاً، وقبل بكفاية مرة واحدة إختياراً، وقيل إنّما يكفي في مقام الإضطرار للإستحال أو لعلة أو غيرها.

والأفضل الأولى في الكبرى أيضاً التكرار ثلاثاً، فإنّه كما ورد لمن ترك الثلاث فشكى الصلاة يوم القيامة، وتقول: ضيعتني ضيعك الله، ومن ثم قبل بوجوب الثلاث إلّأ أنه قول شاذ.

ثم احتاط المصنف قدس سره في مطلق الذكر غير التسبيحة تكراره ثلاثاً أيضاً وإن كان كل واحد منه بقدر الثلاث من الصغرى وهذا من الإحتياط الوجوبي، وعند بعض الأعلام المعاصرين لم يظهر لهذا الإحتياط وجه، لما ورد من التصريح في صحيحة مسمع المتقدمة بكفاية ما يعادل التسبيحات الثلاث، قال عليه السلام: (يجزيك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات وقد رهنّ مترسلاً) (الوسائل: باب 5 من أبواب الركوع الحديث: 1).

وعليه: لو اختار ذكراً يوازي مجموع الثلاث من التسبيحة الصغرى كقوله، (لا إله إلّا الله والله أكبر) مثلاً لكفى من دون حاجة إلى تكراره ثلاثاً، فالإحتياط المذكور في غير محلّه، فتأم بأن من الأعلام من أشكل على كفاية مطلق الذكر فضلاً عن كونه ثلاث مرات، كما كان البعض قد ذهب إلى أنّ الأحوط الإقتصار على التسبيحة الكبرى، أو ثلاث صغريات كما ذهب إلى ذلك سيدنا الأستاذ المرعشي النجفي قدس سره.

ثم قال المصنف قدس سره: (ويجوز الزيادة على الثلاث ولو بقصد الخصوصية والجزئية، والأولى أن يختم على وَتر، كالثلاث والخمس والسبع، وهكذا، وقد سمع عن الصادق صلوات الله عليه ستون تسبيحة في ركوعه وسجوده.

أقول: أما الزيادة على الثلاث فهذا ما صرحت به جملة من النصوص بالقول أو بالفعل وكلاهما من السّنة على رجحان إطالة الركوع والسجود، وإكثار الذكر فيهما، كموثقة سماعة: (ومن يقوى على أن يطول الركوع والسجود فليطول ما إستطاع، ويكون ذلك في تسبيح الله، وتحميده وتمجيده والدعاء، والتضرع، فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد (الوسائل: باب 6 من أبواب الركوع، الحديث: 4) ونحوها غيرها.

وأمّا أن يأتي بالزيادات بقصد الخصوصية والجزئية، كما ذهب إليه المصنف، فهذا في الجزئية إنّما يتم لو كان المقام من قبيل التخيير بين الأقل والأكثر بعد كون وجوب كليهما بإعتبار القدر الجامع، وأمّا لو كان المبنى كون الأقل هو الواجب والزائد عليه مستحب، فإنّه يشكل حينئذٍ قصد الجزئية وعند سيدنا الحكيم قدس سره (المستمسك: 6: 322) لما أشار إليه في مبحث القيام: من إمتناع كون المستحب جزءاً من الواجب، وعند سيدنا الخوئي (شرح العروة: 15: 56) فقال: أمّا قصد الجزئية فمشكل بل ممنوع، لما مرّ غير مرّة من منافاتها مع الإستحباب، ولذا أنكرنا وجود الجزء المستحبي، وإنّما هو مستحب ظرفه الواجب أو المستحب.

وأمّا قصد الخصوصية فإنّه إن كان بإعتبار مطلق الذكر الذي هو حسن على كل حال فواضح، وإن كان بإعتبار الوظيفة المقررة في هذه الحالة، فدلّ عليه النصوص الدالة على إستحباب إطالة الركوع والسجود كموثقة سماعة ونحوها.

والأحوط الأولى كما هو المختار أن يأتي في الزيارات بقصد رجاء المطلوبية وقصد القربة المطلقة.

وأمّا الختم بالوَتر كالثلاث والخمس والسبع، فقد قال في محكي الذكرى (3: 376)(الظاهر إستحباب الوتر الظاهر الأحاديث وعدّ الستين لا ينافي الزيادة عليه).

وربما أراد بالأحاديث عبارة عن طائفتين: منها ما دلّت في خصوص المقام كما في خبر هشام بن سالم: (الفريضة من ذلك تسبيحة ـ أي مرة واحدة هو الواجب ـ والسّنة ـ أي المستحب ـ ثلاث، والفضل ـ أكثر إستحباباً ـ في السبع) (الوسائل: باب 4 من أبواب الركوع الحديث: 1).

وكما تقدم عن الذكرى عدم المنافاة والتعارض في المقام، ولم يذكر وجه العدم، إلّأ أنّه كما أشار إليه بعض الأعلام المعاصرين.

أوّلاً: إلى أنّ إستحبابه إنما هو من حيث العدد لا من حيث المعدود أن أي أن الراوي إنّما تفرض لفعله وهو العدّ لا لفعل الإمام عليه السلام حتى يدل على المعدوم وأنه ستون لا غير، فلم يقل أنه سنخ ستين، فلّعل الصادر عنه عليه السلام كان بزيادة الواحدة ولو خفاءً ولم يسمعها الراوي فلا تدل الصحيحة على عدم صدور الزائد حتى تتنافى مع إستحباب الحكم بالوتر: وحينئذٍ لا مانع من البناء على كون الستين أفضل من التسع والخمسين، وأما ترك الواحدة فوق الستين فهو غير معلوم، لإجمال العمل في فعل الإمام عليه السلام فلا تصلح الصحيحة حينئذٍ لنفي رجحان الإيثار، كما لا يخفى.

نعم ما ورد في خبر هشام هوالمرة الواحدة والثلاث والسبع فهذا يعني أن السبع أفضل من الثمان وإذا أتى بالثامنة فالأفضل أن بوتر بتاسعة فهذا من المشكل إثباته لفلقصد ودلالة ما يثبت ذلك.

نعم إنّما يكون ذلك إستناداً فيه على فتوى المشهور وبناء على كفاية قول المشهور في الحكم بالإستحباب بناء على التسامح في أدلة السنن كما هو المختار.

وأمّا آراء الأعلام (العروة والتعليقات عليها: 7: 295) فراجع.