أصول (23)

30 صفر

1442هـ

عطفاً على ما سبق: في وجوب تقليد الأعلم كما هو المشهور وعدم وجه، ومن كان من النافيين فتمسك بوجوه كما مرّ الوجهان بالتفصيل من إطلاقات الآيات والروايات وسيرة المتشرعة وقد مرّ نقاشهما وأمّا الثالث: فتمسكاً بقاعدة نفي العسر والحرج في تقليد الأعلم.

بيان ذلك: إنّ العامي لو لم يتخيّر بين تقليد الأعلم وغيره أو تقليد الفاضل والمفضول لوقع في العسر والحرج المتعيين شرعاً وعرفاً قال صاحب الفصول قدس سره بعد ذكر جملة من الأدلة النافية: (مع ما في تعيين الأفضل من الضيق القريب من الحرج) (الفصول الفردية: 424) وقال الشيخ الأعظم قدس سره: (وبلزوم الحرج في الاقتصار على تقليد الأعلم، لتعسّر تشخيص الأعلم مفهوماً ومصداقاً، وتعسّر تحصيل فتاواه) (مطارح الانكار: 2: 525 و661) (رسالة الإجتهاد والتقليد: 79).

وعليه: لو لم يتمّ الإستدلال بإطلاق الأدلة اللفظيّة لا بسيرة المتشرعة على جواز تقليد المفضول، بل ويتعين الرجوع إلى الفاضل الأعلم، إما للأصل أي أصالة التعيين في الحجيّة، وإما للأدلة الخاصة والعامة كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فإنه يتمسك بهذا الدليل لرفع اليد عن وجوب تقليد الأعلم وهو لزوم العسر والحرج في تقليده وهو منفي في الشريعة المقدسة.

وأمّا الوجه والدليل في كونه مستلزم للعُسر فهو أمران:

الأوّل: أن تشخيص الأعلم يتوقف على تشخيصه من بين جميع المجتهدين المنتشرين في البلاد، ومن الواضح أنّ التكليف بذلك وتشخيص الأعلم مفهوماً ومصداقاً من العسر والحرج، لا سيما في تشخيص المصداق، ولا سيما عند تعارض البينات وإختلاف أهل الخبرة، فإنّه مما يوجب تخيّر عوام المؤمنين والمؤمنات في تكليفهم.

والثاني: لا يخفى أن جميع المكلفين ليسوا في بلد المجتهد الفاضل حتى يسهل الأمر عليهم بالرجوع إليه في كلّ مسألة ولا سيما مكان القرى والبوادي، فلا بدّ لهم من شدّ الرّحال من البلاد الفّائية والبعيدة للوصول إلى الأعلم والسؤال منه، ومن الواضح أن هذا ممّا يوجب العسر الشديد على المقلدين، بل على المجتهد نفسه أيضاً لو لم يكن متعذراً.

وقد أجاب المصنف وغيره عن ذلك: أما تعسّر معرفة الأعلم وتشخيصه فبوجهين:

الأوّل: بالجواب التقضي فإنّ تشخيص الأعلم ليس بأصعب من تشخيص أصل الإجتهاد، فكما يرجع في الثاني إلى أهل الخبرة كذلك في الأوّل، وهذا يجري في كلّ العلوم والفنون والصناعات من الرجوع إلى أهل الخبرة في كل علم وفق وصنعة عقلاً ونقلاً.

أضف إلى ذلك بالرجوع إلى البينة وشهادة عدلين لو لم تكن معارضة بمثلها.

والثاني: عدم التطابق بين الدليل والمدعي، فإنّ الإستدلال بنفي العسر أخص من المدّعى، وهو عدم وجوب تقليد الأعلم مطلقاً سواء لزم منه العسر أم لا والوجه في الأخصية: أن دليل نفي العسر لا ينفي التكليف إلّا في حال الحرج، وهذا لا يعني الحرج على جميع المكلفين فهو من الحرج الشخص وليس النوعي، وعليه: يرتفع وجوب تقليد الأعلم عن خصوص من كان تقليد عليه حرجياً دون من لم يكن كذلك.

وأمّا الجواب عن الثاني: من تعسّر الوصول إلى فتاوى الأعلم، فإنّه لا عسر في ذلك لتعلم فتاواه بأخذ رسالته العملية، أو السؤال فمن يحيط علماً بفتاواه كوكلائه وينقلها إلى المقلدين، وهذا في غاية السهولة في العصر الحاضر، ولا حرج فيه أصلاً، كما كان عليه في العصور السابقة كذلك. وإن لم تكن فيها وسائل الإعلام والمواصلات والتواصل الإجتماعي كما عليه العصر الحاضر.

هذا ما يقال في تقليد غير الأعلم وهو غير تام وأما أدلة تقليد الأعلم فهذا ما يأتينا إن شاء الله تعالى.