فقه (8)

4 صفر

1442 هـ

قال المصنف قدس سره: (الثاني: الذكر والأحوط إختيار التسبيح من أفراده مخيّراً بين الثلاث من الصغرى وهي (سبحان الله) وبين التسبيحة الكبرى وهي: (سبحان ربي العظيم وبحمده) وإن كان الأقوى كفاية مطلق الذكر من التسبيح أو التحميد أو التهليل أو التكبيرين وغيرها، بشرط أن يكون بقدر الثلاث الصغريات، فيجزى أن يقول: (الحمد لله ثلاثاً، أو (الله أكبر) كذلك، أو نحوذلك).

أقول: عطفاً على ما سبق: في بيان واجبات الركوع: فالأوّل كان عبارة عن الإنحناء على الوجه المتعارف، على تفصيل كما مرّ وأمّا الثاني: فهو ذكر الركوع والكلام يقع فيه في مقامات:

الأوّل: في حكمه ودليله، فإنّه يجب الذكر وهذا ممّا لا إشكال فيه وإنه من أجزاء الصلاة، ويدل عليه أوّلاً: الإجماع كما عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والذكرى وجامع المقاصد والمدارك والمفاتيح وغيرها.

وثانياً: النصوص المعتبرة الواردة في هذا الباب، وثالثاً: لو أخل به عمداً بطلت صلاته، ورابعاً: لا إشكال في كفاية ما يصدق عليه التسبيح في الجملة الثاني: هل يتعيّن التسبيح في ذكر الركوع سواء التسبيح الكبير أي (سبحان ربي العظيم وبحمده) أو الصغير، أي ثلاث مرّات (سبحان الله)؟ إختلف الأعلام في ذلك، فنسب إلى الأكثر أو المشهور من المتقدمين تعيّن التسبيح في الجملة.

وعن الإختصار للسيد علم الهدى والخلاف للشيخ الطوسي والفقيه للحلبي وغيرهم دعوني الإجماع عليه، وربما يكون من الإجماع المدركي تمسكاً بظاهر جملة من النصوص الدالة على ذلك، منها صحيحة زرارة.

عن أبي جعفر× قال: قلت له: ما يجزئ من القول في الركوع والسجود فقال عليه السلام: ثلاث تسبيحات في ترسّل، وواحدة تامة تجزئ^([1]).

وجه الإستدلال: إن الجواب ان كان في ما يجزى من ذكر الركوع فالإمام عليه السلام خبره بين التسبيح الصغير أو التسبيح الكبير ومنها: موثقة سماحة.

أما ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات، تقول: سبحان الله، سبحان الله، ثلاثاً^([2]).

ومنها خبر الحضرمي

قال أبو جعفر عليه السلام: تدري حد الركوع والسجود؟ قلت: لا، قال عليه السلام: سبّح في الركوع ثلاث مرات، سبحان ربّي العظيم وبحمده، وفي السجود : (سبحان ربي الأعلى وبحمده) ثلاث مرات^([3]).

وذهب جمع إلى الإكتفاء بمطلق الذكر كما عن المبسوط للشيخ الطوسي قدس سره وكثير من كتب العلامة قدس سره وغيره من المتأخرين وعن السرائر نفي الخلاف فيه تمسكاً بطائفة ثانية من الأخبار الدالة على ذلك منها: صحيحة هشام بن الحكم.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: يجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود (لا إله إلّا الله) و(الحمد لله) و(الله أكبر)؟ فقال: نعم كل هذا ذكر الله تعالى.

ومنها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام: وقال: سألته يجزئ عني أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود: (لا إله إلّا الله والله أكبر) قال عليه السلام: نعم^([4]).

ومنها: حسنة مسمع أبي سبّار عن أبي عبد الله عليه السلام: يجزيك من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلاً) ^([5]).

ومع تعارض الطائفتين من الروايات، وانّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح، فإن مقتضى الجمع بين الثانية والأولى أن تحمل الأول على بيان أحد الأفراد والمصاديق لمطلق وحقيقة وطبيعة تسبيح الرّكوع، أو تحمل على الفرد الأفضل.

الثالث: على القول بتعين التسبيح فهل يجزى مطلق التسبيح ويتحقق بأي فرد كان أو أنّه يتعيّن التسبيح الكبير أو أنه يتحيّر بين الكبير والصغير وإن كان الكبير أفضل أو يتعين ثلاث التسبيح الكبير.

إختلف العلماء في ذلك: ذهب السيد المرتضى في الإختصار وكذلك في الغنية كفاية مطلق التسبيح، وعن الشيخ الطوسي في نهايته تعين التسبيح الكبير، وعن ابني بابويه وغيرهما التخيير بين الكبير والصغير.

وعن بعض العلماء القول يتعين التسبيح الكبير ثلاث مرّات كما في التذكرة.

ولا يخفى أن منشأ الخلاف في مثل المقام هو إختلاف لسان الروايات الواردة في الباب ومقتضى الجمع بينها القول بالتخيير بين الكبير والصغير.

وذهب المصنف إلى أنّ الأحوط إختيار التسبيح من أفراد الذكر الركوعي إلّا أنه مخيّر بين التسبيح الصغير وهو (سبحان الله) ثلاث مرات، وبين التسبيح الكبير وهو (سبحان ربي العظيم وبحمده).

أمّا الصغير فيدل عليه صحيحة معاوية بن عمّار: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخفّ ما يكون من التسبيح في الصلاة قال عليه السلام ثلاث تسبيحات مترسلاً تقول: (سبحان الله سبحان الله سبحان) ^([1]).

وأمّا التسبيح الكبير فكما تقدم في خبر الحضرمي في قوله عليه السلام (سبح في الركوع ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم وبحمده) وكذلك ما في صحيحة هشام: تقول في الركوع: (سبحان ربي العظيم) وفي السجود (سبحان ربي الأعلى) ^([2]).

الرابع: في صحيحة هشام خلت عما في خبر الحضرمي من كلمة (وبحمده) وعن الشهيدين والمحقق الثاني والبحار خلّو أكثر الأخبار منها.

فياترى بعد تصوّر المعارضة بين الطائفتين من الأخبار هل يقال بالتساقط أو الرجوع إلى المرجحات أو أن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح، لا إشكال في اختيار الثالث مع التمكن منه ولو بالجمع التبرعي، ولهذا حكي عن جماعة أن كلمة (وبحمده).

مستحبة في التسبيح الكبير، وعن التنقيح للسبزواري نسبته إلى الأكثر، وعن المعتبر وكنز العرفان أنها مستحبة عندنا كما حكاه سيدنا الحكيم في مستمسكه (6: 301) ولكنه أشار إلى ما جاء عن حاشية المدارك للبههاني قدس سره: أن الكلمة مذكورة في تسعة من الأخبار: في صحيحة زرارة ^([3]). المشهورتين، وصحيحة عمر بن أذينة (باب 1 ح10) والمروية في علل الأذان والصدوق رواها في العلل بطرق متعددة، ورواية إسحاق بن عمار (باب 1 ح11) ورواية هشام ابن الحكم عن الصادق عليه السلام (باب 1 ح12) ورواية هشام عن الكاظم عليه السلام (باب 21 من أبواب الركوع حديث 2) ورواية أبي بكر الحضرمي (باب 4 ح5 و7) وصحيحة زرارة أو حسنته عن الباقر عليه السلام (باب 1 ح1) ورواية حمزة بن حمران والحسن بن زياد (باب 6 ح2) إنتهى.

وزاد في مفتاح الكرامة ثلاث روايات: رواية إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات (المستدرك: باب 16 من أبواب الركوع ح1) ورواية كتاب العلل بمحمد بن علي بن إبراهيم (المستدرك باب 20 ح6) وما في الفقه الرضوي (باب 20 ح2) فيكون المجموع إثنتي عشرة رواية، فإذا أضيف إليها ما في دعائم الإسلام (المستدرك: 20 ح1) والمرسل المحكي عن هداية الصدوق (المستدرك: باب 4 ح4) يكون المجموع أربع عشرة روايةً.

ومقتضى الجمع العرفي بينها وبين ما ترك فيها ذكر كلمة (وبحمده) كرواية هشام بن سالم ومصححة الحلبي الواردة في دعاء السجود، ويومئ إليه خبر عقبة بن عامر الجهني (الوسائل: باب 21 من أبواب الركوع ح1) هو أن يحمل ما ترك فيه على الإستعمال المجازي من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل كما في (اعتق رقبة) وهذا الحمل أقرب عرفاً من الحمل على الإستحباب، فتأمل وللحديث صلة إن شاء الله تعالى .